بسم الله الرحمن الرحيم
نوافل الصلاة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى جعل لنا أركانا في الدين هي الأساس والأصل، وأركان الإسلام الخمسة على رأسها الصلاة؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله r يقول: «بني الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان» رواه البخاري ومسلم.
قال النووي رحمه الله: (إن هذا الحديث أصل عظيم في معرفة الدين وعليه اعتماده وقد جمع أركانه) شرح مسلم (1/131)، ومن أعظم هذه الأركان بعد الشهادتين الصلاة، فهي عمود الدين، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، ومن فضل الله ورحمته أن جعل لهذه العبادة العظيمة نوافل لها فوائد وآثار منها:
* أنها تجبر نقص الفريضة، فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته؛ فإن صلحت، فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت، فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيئًا، قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع، فيكمل منها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر أعماله على هذا) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وقال: حديث حسن. قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله: (.. ولهذا كان من فضل الله ونعمته وإحسانه أن شرع لنا النوافل خلف الصلوات وقبلها وفي كل وقت إلا الأوقات المنهي عنها، وذلك لأن الإنسان المسلم لابد أن يكون في صلاته خلل يكمل هذه النوافل) شرح رياض الصالحين (2/1324)، طبعة دار السلام.
* أنها ترفع درجة من فعلها، وتحط عنه خطاياه، وسبب لدخوله الجنة؛ فعن معدان بن أبي طلحة اليعمري، قال: لقيت ثوبان مولى رسول الله r، فقلت: أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة، أو قال: بأحب الأعمال إلى الله. فسكت. ثم سألته، فسكت. ثم سألته الثالثة، فقال: سألت عن ذلك رسولَ الله r، فقال: (عليك بكثرة السجود لله، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة) رواه أحمد ومسلم، ولحديث ربيعة بن كعب الأسلمي عند مسلم، وسيأتي ذكره إن شاء الله.
* أنها سبب لمحبة الله للعبد إذا تقرب بها إليه؛ ففي الحديث القدسي عند البخاري يقول الله تعالى (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به…)؛ فالنوافل باب عظيم وميدان سباق لمن بارد وسارع للخيرات، نسأل الله الكريم من فضله.
وفوائد هذه النوافل كثيرة ولعلنا أن نأتي على بعضها في مكانه من البحث إن شاء الله، ولنقف على بعض هذه النوافل علنا أن نوضح فيها ما يكون سببًا للإقبال عليها، والحض على اغتنامها، وإلا فالحديث عنها يطول، وكما قيل: يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق؛ فأقول مستعينًا بالله:
نوافل الصلاة كثيرة وفضائلها عظيمة فمنها:
السنن الرواتب: فعن أم حبيبة أم المؤمنين رضي الله عنها. قالت: سمعت رسول الله r يقول: (ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة إلا بنى الله له بيتا في الجنة). قالت أم حبيبة: فما برحت أصليهن بعد. رواه مسلم، وللترمذي نحوه، وزاد: (أربعًا قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الفجر)؛ ففي هذه الرواية بيان للسنن الرواتب.
وركعتا الفجر آكدها؛ ولم يكن النبي r يدعهما أبدا؛ فعند البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (… ولم يكن يدعهما أبدا)؛ يعني: ركعتي الفجر، وعند البخاري ومسلم أيضا من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (لم يكن النبي r على شيء من النوافل، أشد منه تعاهدا على ركعتي الفجر)، ولذا لم يكن النبي r يدع هاتين الركعتين وأيضا الوتر لا حضرًا، ولا سفرًا.
أما الجمعة فأقل السنة الراتبة بعدها ركعتان لأنه r كان يصلي بعد الجمعة ركعتين، متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قال صاحب الحاشية: (… وفي رواية: في بيته. وفي صحيح مسلم: (إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربع ركعات). والجمع بين الأخبار أنه إذا صلى في بيته صلى ركعتين، وفي المسجد أربعا…) حاشية الروض (2/467)، وأكثرها ست ركعات؛ لقول ابن عمر: كان النبي r يفعله. رواه أبو داود، قال صاحب الحاشية (… وقال أحمد وغيره: إن شاء صلى ركعتين، وإن شاء صلى أربعا، وإن شاء ستا، فأيها فعل ذلك فحسن، والكل كان
يفعله r) حاشية الروض (2/468).
ومن نوافل الصلاة:
صلاة الليل: فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: (أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل) أخرجه مسلم؛ فأكثرها إحدى أو ثلاث عشرة ركعة، وأقلها ركعة، وأدنى الكمال ثلاث؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ما كان رسول الله r يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة..) الحديث متفق عليه، وفي روايات في الصحيحين (ثلاث عشرة ركعة)، وقيل لا حد لأكثره. قال القاضي عياض: (ولا خلاف أنه ليس لذلك حد لا يزاد عليه ولا ينقص منه، وأن صلاة الليل من الطاعات التي كلما زاد فيها زاد الأجر، وإنما الخلاف في فعل النبي r وما اختاره لنفسه، والله أعلم) شرح مسلم (3/262). وقال بعض العلماء: إن أطال القراءة أوجز في الركعات، وإن خفف القراءة زاد في الركعات، والأمر واسع، والله أعلم.
وصفتها: مثنى مثنى؛ فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: (صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة، توتر له ما قد صلى) متفق عليه.
ثم يوتر بعد أن يصلي من الليل ما شاء الله له أن يصلي فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي r قال: (اجعلوا آخر صلاتكم من الليل وترًا) متفق عليه.
ويبدأ وقت صلاة الليل من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر؛ لقوله r: (الوتر ما بين صلاة العشاء إلى طلوع الفجر) رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الحاكم من حديث خارجة بن
حذافة t، وأفضل وقت لصلاة الليل الثلث الأخير؛ حيث ينزل ربنا تبارك وتعالى إلى سماء الدنيا؛ فعن أبي هريرة t: أن رسول الله r قال: (ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فاستجيب له! من يسألني فأعطيه! من يستغفرني فأغفر له!) متفق عليه، وجاء في رواية (حيث يمضي ثلث الليل الأول)، وفي رواية (إذا مضى شطر الليل أو ثلثاه)، قال القاضي عياض:
(الصحيح رواية: «حين يبقى ثلث الليل الآخر» كذا قاله شيوخ الحديث وهو الذي تظاهرت عليه الأخبار بلفظه ومعناه) شرح مسلم (3/279)، ويؤيد ذلك حديث جابر عند مسلم الآتي ذكره.
* مسألة: من خشي ألا يقوم آخر الليل فهل يوتر أوله؛ مع أن آخر الليل أفضل؟
الجواب: نعم؛ فعن جابر t قال: قال رسول الله r: (من خاف ألا يقوم آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم آخره فليوتر آخره؛ فإن صلاة آخر الليل مشهودة، وذلك أفضل) رواه مسلم.
* مسألة: من كان مداوما على صلاة الليل ثم فاتته لعذر أو مرض فهل يقضيها؟
نعم يقضيها من الضحى؛ فإن كان مداوما على ثلاث ركعات في الليل يقضيها ضحى أربعًا، وإن كان مداوما على خمس يقضيها ستًا، وهكذا فلا يقضيها وترًا بل شفعا، ففي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: (… وكان نبي الله r إذا صلى صلاة أحب أن يداوم عليها، وكان إذا غلبه نوم، أو وجع عن قيام الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة…) رواه أحمد ومسلم؛ وذلك أنه r كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة، كما في حديث عائشة المتقدم ذكره.
ومن نوافل الصلاة:
صلاة الضحى: وقد ورد في فضلها والوصية بها أحاديث؛ فعن أبي ذر t عن النبي r: أنه قال: (يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما في الضحى) رواه مسلم.
قال الإمام النووي رحمه الله: (وفيه دليل على عظم فضل الضحى، وكبير موقعها، وأنها تصح ركعتين) شرح مسلم (3/241)، والسلامى: أصله عظام الأصابع وسائر الكف، ثم استعمل في جميع عظام البدن. وفي صحيح مسلم أن رسول الله r قال: (خلق الإنسان على ستين وثلاثمائة مفصل، على كل مفصل صدقة) انظر: شرح مسلم (3/240)، وهذا يبين أن ركعتي الضحى تكفي عن الثلاثمائة وستين صدقة عن المفاصل، وهذا من فضل الله ورحمته وعظيم أجره.
وعن أبي هريرة t قال: أوصاني خليلي r بثلاث: بصيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن أرقد. رواه مسلم.
وصلاة الضحى ركعتان، أو أربع، ويزيد ما شاء، فقد روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله r يصلي الضحى أربعًا، ويزيد ما شاء الله).
ووقتها: من ارتفاع الشمس قدر رمح إلى قبل الزوال بمعنى (أنه بعد وقت الشروق بعشر دقائق تقريبًا حتى قبل أذان الظهر بعشرين دقيقة تقريبًا)، هكذا في وقتنا على الساعة والنظر في التقويم، والأفضل صلاة سنة الضحى بعد اشتداد الحر، قال سماحة الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله: (والأفضل صلاتها بعد اشتداد الحر، وهذه صلاة الأوابين؛ لقول النبي r: (صلاة الأوابين حين ترمض الفصال) أخرجه مسلم في صحيحه، والفصال: أولاد الإبل، ومعنى ترمض: تشتد عليها الرمضاء، وهي حرارة الشمس) مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (11/395).
ومن نوافل الصلاة:
ما ثبت عنه r: من حديث أم حبيبة رضي الله عنها: (من حافظ على أربع قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار) رواه الخمسة.
وفي هذا فضل عظيم لمن حافظ عليها حيث يحصل له ذلك الأجر، ويدخل في ذلك أيضًا راتبة الظهر، فسبحانك ربنا ما أكرمك، والله أعلم.
ومن نوافل الصلاة:
ما ثبت عنه r: من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله r: (رحم الله امرءًا صلى أربعًا قبل العصر) رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي، وحسنه، وابن خزيمة وصححه.
وأعل بعضهم هذا الحديث، وقالوا: إنه يتنافى مع حديث ابن عمر الآخر في الصحيحين (حفظت من النبي r عشر ركعات…) وعد الرواتب، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (وهذا ليس بعلة أصلاً، فإن ابن عمر إنما أخبر بما حفظه من فعل النبي r، لم يخبر عن غير ذلك، فلا تنافي بين الحديثين البتة) زاد المعاد (1/312).
ومن نوافل الصلاة:
ما ثبت في البخاري من حديث عبد الله بن مغفل المزني t عن النبي r (صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب)، ثم قال في الثالثة: (لمن شاء)؛ كراهية أن يتخذها الناس سنة. قال المحب الطبري: (لم يرد نفي استحبابها لأنه لا يمكن أن يأمر بما لا يستحب، بل هذا الحديث من أقوى الأدلة على استحبابها، ومعنى قوله: (سنة) أي شريعة وطريقة لازمة، وكأن المراد نزول مرتبتها عن رواتب الفرائض…) فتح الباري (3/76) بتصرف.
ولمسلم عن أنس t قال: (كنا نصلي ركعتين بعد غروب الشمس، وكان النبي r يرانا، فلم يأمرنا ولم ينهنا).
ومن نوافل الصلاة:
ما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن مغفل المزني t قال: قال رسول الله r: (بين كل أذانين صلاة) قالها ثلاثا، قال في الثالثة (لمن شاء). والمراد بالأذانين: الأذان والإقامة.
ومن نوافل الصلاة:
تحية المسجد فعن أبي قتادة t قال: قال رسول الله r: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) متفق عليه.
قال الإمام النووي رحمه الله (فيه استحباب تحية المسجد بركعتين، وهي سنة بإجماع المسلمين… وفيه التصريح بكراهة الجلوس بلا صلاة، وهي كراهة تنزيه، وفيه استحباب التحية في أي وقت دخل.. وكرهها أبو حنيفة والأوزاعي، والليث في وقت النهي) شرح مسلم (3/232).
والنهي عن الصلاة في وقت النهي محمول على ما لا سبب لها، أما ما لها سبب فتصلى ولو وقت النهي على الصحيح، أما الفائتة فتصلى ولو وقت النهي بالإجماع، قال سماحة الإمام ابن باز رحمه الله: (… أما إذا كانت الصلاة قضاء فائتة فلا تدخل في ذلك بإجماع أهل العلم لقول النبي r: (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) رواه البخاري ومسلم.
أما ذوات الأسباب مثل: صلاة الكسوف وسجود التلاوة وصلاة الركعتين إذا دخل المسلم المسجد وكان يريد الجلوس وهي المعروفة بـ (تحية المسجد) فتجوز في وقت النهي على الراجح من أقوال أهل العلم؛ لأن الأحاديث الواردة في ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات وقت النهي وغيره مثل قوله r: (إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين) متفق عليه، وأما أحاديث النهي عن الصلاة في أوقات النهي فهي محمولة على غير قضاء الفائتة وغير ذوات الأسباب) مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (11/290).
والخلاصة: أن تحية المسجد وغيرها من ذوات الأسباب، والفائتة تصلى ولو وقت النهي.
ومن نوافل الصلاة:
ركعتا الطواف فعن جبير بن مطعم t قال: قال رسول الله r: (يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار) رواه الخمسة بإسناد صحيح وصححه الترمذي وابن حبان.
ومن نوافل الصلاة:
الصلاة لمن قدم من سفر لما ثبت في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان لي على النبي r دين فقضاني وزادني، ودخلت عليه المسجد فقال لي: (صل ركعتين).
وذلك لما قدم المدينة عليه الصلاة والسلام كما في روايات الحديث، وهذه الصلاة ليست تحية المسجد بل مقصودة للسفر؛ لأن النبي r قصد المسجد فصلى، قال النووي رحمه الله: (فيه استحباب ركعتين للقادم من سفره في المسجد أول قدومه، وهذه الصلاة مقصودة للقدوم من السفر، لا أنها تحية المسجد، والأحاديث صريحة فيما ذكرته) شرح مسلم (3/234).
ومن نوافل الصلاة:
ركعتا الوضوء فقد ثبت في الصحيحين من حديث حمران مولى عثمان عن عثمان t أنه دعا بوضوء فتوضأ، ثم قال رأيت رسول الله r توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال رسول الله r: (من توضأ نحو وضوئي هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه).
قال الإمام النووي رحمه الله: (فيه استحباب صلاة ركعتين فأكثر عقب كل وضوء…) شرح مسلم (2/103).
وقال بعض أهل العلم: ويدخل في ذلك الفريضة، والله أعلم.
وعن أبي هريرة t: (أن النبي r قال لبلال عند صلاة الفجر: يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يديّ في الجنة قال: ما عملت عملاً أرجى عندي أني لم أتطهر طهورًا في ساعة من ليل أو نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلي) رواه البخاري.
ومن نوافل الصلاة:
ركعتا الاستخارة فعن جابر t قال: (كان رسول الله r يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل…) الحديث أخرجه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: (قوله: في الأمور كلها) قال ابن أبي جمرة: هو عام أريد به الخصوص؛ فإن الواجب والمستحب لا يستخار في فعلهما، والمحرم والمكروه لا يستخار في تركهما، فانحصر الأمر في المباح وفي المستحب إذا تعارض منه أمران أيهما يبدأ به ويقتصر عليه. قلت: وتدخل الاستخارة فيما عدا ذلك في الواجب والمستحب المخير، وفيما كان زمنه موسعًا، ويتناول العموم العظيم من الأمور والحقير منها، فرب حقير يترتب عليه الأمر العظيم) فتح الباري (11/220).
ومن نوافل الصلاة:
صلاة التوبة فعن أبي هريرة t قال: سمعت رسول الله r يقول: (ما من عبد يذنب ذنبًا، فيحسن الطهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله إلا غفر الله له) ثم قرأ هذه الآية: }وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ{ إلى أخر الآية. رواه أحمد بدون الآية، وأبو داود واللفظ له، وابن ماجه والترمذي، وقال: حديث حسن.
ومن النوافل:
سجود التلاوة؛ ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة t قال: (سجدنا مع رسول الله r في }إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ{ و }اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ{ وهي سنة مؤكدة وليست واجبة -على الراجح من أقوال أهل العلم- لحديث زيد بن ثابت t قال: (قرأنا على النبي r النجم فلم يسجد فيها) متفق عليه.
وعن عمر t قال: (يا أيها الناس؛ إنما نَمُرُّ بالسجود، فمن سجد فقد أصاب، ومن لم يسجد فلا إثم عليه) رواه البخاري.
سجود الشكر لحديث أبي بكرة t: (أن النبي r كان إذا جاءه أمر يسره خر ساجدًا لله) رواه الخمسة إلا النسائي.
ولحديث البراء بن عازب رضي الله عنهما في كتاب علي بإسلام أهل اليمن، رواه البيهقي وأصله في البخاري.
وذكرت هاتين النافلتين من باب أنهما فعل من أفعال الصلاة، وإلا فهاتان السجدتان ليستا صلاة على القول الراجح، والله أعلم.
* النوافل المطلقة:
وهي التي لم تقيد بسبب؛ ولهذا ورد الفضل العظيم لمن أكثر من النوافل على وجه العموم، كما في حديث ربيعة بن كعب الأسلمي t قال: قال لي النبي r(سل)، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال (أو غير ذلك؟) فقلت: هو ذاك، قال: (فأعني على نفسك بكثرة السجود) رواه مسلم. ولحديث ثوبان t كما عند أحمد ومسلم السابق ذكره، والنوافل المطلقة تؤدى في غير وقت النهي.
وأوقات النهي خمسة:
جاءت مبينة كما في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري t قال: سمعت رسول الله r يقول: (لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس).
وأيضًا في صحيح مسلم من حديث عقبة بن عامر t: (ثلاث ساعات كان رسول الله r ينهانا أن نصلي فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول الشمس، وحين تتضيَّف الشمس للغروب حتى تغرب). قال النووي رحمه الله: (تتضيف: بفتح التاء والضاد المعجمة وتشديد الياء أي تميل) شرح النووي (3/114).
فتكون أوقات النهي من خلال هذين الحديثين كالتالي:
1- من بعد صلاة الصبح (الفجر) إلى أن تطلع الشمس.
2- من طلوع الشمس إلى ارتفاعها قدر رمح (وما بين هذين الوقتين يقدر بربع ساعة تقريبًا).
3- من وقوف الشمس (توسطها في كبد السماء) قبيل الظهر إلى أن تزول (وما بين هذين الوقتين يقدر بثلث ساعة تقريبًا، وإذا احتاط الإنسان وتوقف عن الصلاة قبل الزوال بنصف ساعة تقريبًا فهو حسن، كما قال بذلك سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
رحمه الله).
4- من بعد صلاة العصر إلى أن تتضيف الشمس للغروب.
5- من تضيف الشمس للغروب إلى الغروب (وهذا بمقدار خمس إلى عشر دقائق تقريبًا).
ويمكن تقسيم هذه الأوقات الخمسة إلى أوقات موسعة ومضيقة؛ فالموسعة: هي ما بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس، وما بعد صلاة العصر إلى أن تتضيف الشمس للغروب.
وأما الأوقات المضيقة: فهي من طلوع الشمس إلى ارتفاعها، ومن وقوف الشمس إلى زوالها، ومن تضيف الشمس للغروب إلى غروبها.
والنوافل المطلقة في كل هذه الأوقات منهي أن تصلى، أما ذوات الأسباب فتصلى على الصحيح، والأفضل والله أعلم من خلال تقسيم أوقات النهي أن ذوات الأسباب – مما ذكرنا وسنذكره إن شاء الله – تصلى في الأوقات الموسعة دون المضيقة لأن الأوقات المضيقة هي أوقات قصيرة، وأيضًا الصلاة فيها من مشابهة الكفار؛ لأن وقت طلوع الشمس: تطلع بين قرني شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار.
* هذه بعض نوافل الصلاة من ذوات الأسباب، أو النوافل المطلقة لا جماعة لها وليس لها صفة خاصة.
* والنوافل -سواءٌ ما ذكرنا أو أي نافلة مطلقة يصليها المسلم- يسن فعلها في البيت، فقد ثبت عنه r من حديث زيد بن ثابت t (أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) متفق عليه.
قال ابن حجر رحمه الله (ظاهره أن يشمل جميع النوافل لأن المراد بالمكتوبة المفروضة لكنه محمول على ما لا يشرع عليه التجميع وكذا ما لا يفعل إلا في المسجد كركعتي التحية) الفتح (2/275).
* فيما سبق ذكرت بعض النوافل وفضائلها وخصائصها وهي مما لا تجميع فيها، واعلم يقينا أن هذا الجهد جهد المقل، ولكن اجتهدت في جمعها كاملة، والمأمول من القارئ الكريم تدارك الزلل وتصحيح الخطأ، ثم إن هناك نوافل أخرى يجمع لها المسلمون ومن ذلك ما يلي:
فمن النوافل:
صلاة التراويح في رمضان، فتسن جماعة، فقد خرج لها
النبي r ثلاثة أيام، ثم ترك؛ خشية أن تفرض على أمته، وهذا من رحمته ورأفته ، كما جاء الوصف الرباني بقوله }لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ{ [التوبة: 128]، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي r صلى في المسجد ذات ليلة، وصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة وكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله r، فلما أصبح قال: (قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم) متفق عليه.
ثم جمع عمر t المسلمين عليها، فسن سنة حسنة بقي عليها أهل الإسلام.
ومن نوافل الصلاة:
صلاة العيدين: وقد أتيت بها من النوافل، وفيها خلاف معروف في حكمها بين الوجوب والسنية، ولكن ذكرته هنا على القول الراجح في سنيتها، وليس هذا سبيل بسط الأدلة في الحكم، والله أعلم.
فعن ابن عباس رضي الله عنهما: (أن النبي r صلى يوم العيد ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما) أخرجه السبعة.
وعن البراء t قال: سمعت النبي r يخطب فقال: (إن أول ما نبدأ من يومنا هذا أن نصلي، ثم نرجع فننحر، فمن فعل فقد أصاب سنتنا) رواه البخاري تحت باب (سنة العيدين لأهل الإسلام) واستشكل أنه خاص بعيد النحر، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله (واستشكل الزين بن المنير مناسبته للترجمة من أنه قال فيها: العيدين؛ والحديث يتعلق بعيد النحر، وأجاب بأن في قوله: إن أول ما نبدأ به يومنا هذا أن نصلي إشعار بأن الصلاة ذلك اليوم هي الأمر المهم، وأن ما سواها من الخطبة والنحر والذكر غير ذلك من أعمال البر يوم النحر فبطريق التبع، وهذا القدر مشترك بين العيدين، فحسن أن لا تفرد الترجمة بعيد النحر) فتح الباري (3/567).
وفي حديث أم عطية رضي الله عنها في الصحيحين أن النبي r أمر الناس بالخروج إليها حتى العواتق والحيض، يشهدان الخير ودعوة المسلمين، ويعتزل الحيض المصلى.
ووقتها من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى الزوال، والسنة فعلها في الصحراء.
ومن نوافل الصلاة:
صلاة الكسوف فعن المغيرة بن شعبة t قال: انكسفت الشمس على عهد رسول الله r يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت الشمس لموت إبراهيم، فقال رسول الله r: (إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى ينكشف) متفق عليه، وفي رواية للبخاري (حتى ينجلي)، فيبدأ وقتها من بداية الكسوف حتى ينجلي، والله أعلم.
ومن نوافل الصلاة:
صلاة الاستسقاء فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فخرج النبي r متواضعًا، متبذلاً، متخشعًا، مترسلاً، متضرعًا، فصلى ركعتين كما يصلي في العيد، لم يخطب خطبكم هذه) رواه الخمسة، وصححه الترمذي وأبو عوانة وابن حبان.
وهي سنة إذا أجدبت الأرض وغارت الآبار وتأخر المطر عن أوانه.
والاستسقاء يكون على وجوه قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (ثبت عنه r أنه استسقى على وجوه:
أحدها: يوم الجمعة على المنبر في أثناء خطبته، وقال: (اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا) رواه البخاري ومسلم.
الوجه الثاني: أنه r وعد الناس يومًا يخرجون فيه إلى المصلى، فخرج لما طلعت الشمس متواضعًا، متبذلاً، متخشعًا…
الوجه الثالث: أنه r استسقى على منبر المدينة استسقاء مجردًا في غير يوم الجمعة، ولم يحفظ عنه r في هذا الاستسقاء صلاة.
الوجه الرابع:أنه r استسقى وهو جالس في المسجد، فرفع يديه ودعا الله عز وجل…
الوجه الخامس: أنه r استسقى عند أحجار الزيت قريبًا من الزوراء، وهي خارج باب المسجد الذي يدعى اليوم باب السلام…
الوجه السادس:أنه r استسقى في بعض غزواته لما سبقه المشركون إلى الماء، فأصاب المسلمين العطش…) زاد المعاد (1/456-457-458).
ومن كلام ابن القيم رحمه الله يتبين أن الاستسقاء على أنحاء ثلاثة:
1- في صلاة خاصة وهي: صلاة الاستسقاء بصفتها المشروعة.
2- في خطبة الجمعة على المنبر.
3- دعاء مُجردٌ في غير الجمعة والصلاة، والله أعلم.
ومن نوافل الصلاة:
الصلاة على الجنازة وهي فرض كفاية إذا قام به البعض سقط الإثم عن الباقين، ولكن تبقى سنيتها وفضلها؛ فلذا كان من الخير ذكر ذلك؛ ليعرف المسلم فضلها ويحرص عليها؛ فعن أبي هريرة t قال: سمعت رسول الله r يقول: (من تبع جنازة فله قيراط من الأجر) فقال ابن عمر: أكثر علينا أبو هريرة فبعث إلى عائشة رضي الله عنها فسألها فصدقت أبا هريرة، فقال ابن عمر: لقد فرطنا في قراريط كثيرة) رواه البخاري ومسلم.
ولمسلم من حديث ثوبان t (من صلى على جنازة فله قيراط، فإن شهد دفنها فله قيراطان، القيراط مثل أحد) ونحوه لمسلم أيضًا عن أبي هريرة t.
وللبخاري من حديث أبي هريرة t (من شهد جنازة مسلم إيمانا واحتسابا، وكان معه حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها فإنه يرجع بقيراطين كل قيراط مثل أحد).
* هذا ما تيسر جمعه من نوافل الصلاة، والله المسئول أن يجعل عملنا خالصا لوجهه على سنة نبيه r، حافزا لاغتنام هذه النوافل، والحرص عليها، وحث الأهل والجيران والأحباب لاستدراك ما فات بالتزود منها، والتمسك بها.
* وفق الله الجميع للعلم النافع والعمل الصالح، وثبت الله الجميع على دينه، وأعزه وأهله على الكفر والكافرين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
في ميزآن حسنآتك إن شآء الله