1– البركة في حياتنا
البركة هي الزيادة والنماء، يقول تعالى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ﴾ (الأعراف: من الآية 96).
من خلال معنى البركة الذي لا يتدخل فيها الإنسان، في زيادتها أو نمائها، تأتي حكمة هذه الآية الكريمة، في هذه البركات الربانية من السماء والأرض، حين تحقق المجتمعات الإيمان والتقوى، وهذا يجيب عن سرِّ اختفاءِ البركة اليوم؛ ولذلك فنحن نتساءل، كلما اشتقنا في حياتنا للبركة: أين البركة؟
* فالبركة في المال: زيادته وكثرته ووفرته.
* والبركة في البيت: سكينة وهدوء.
* والبركة في الطعام: وفرته وحسنه.
* والبركة في الأولاد: كثرتهم وحسن تربيتهم.
* والبركة في الأسرة: انسجامها وتفاهمها.
* والبركة في الوقت: اتساعه لقضاء الحاجات.
* والبركة في الصحة: تمامها وعافيتها.
* والبركة في العمر: طوله وحسن العمل فيه.
* والبركة في العلم: المعرفة والإحاطة.
وبين ثنايا حركة هذه البركة في حياتنا بهذا التفصيل، نرى أن البركة هي جوامع الخير وكثرة النعم، مما يوجب علينا أن نسعى لجلب هذه البركة، ويطلق عليه علماء اللغة (التبرك)، أما العلماء فأطلقوا عليه: (التبرك المشروع) فقالوا: (هو طلب البركة من الزيادة في الخير والأجر، وكل ما يحتاجه الإنسان في دينه ودنياه، بشرط شرعيتها وثبوت كيفيتها عن النبي صلى الله عليه وسلم).
وذلك حتى لا يظن من لجأ إلى الطرق الملتوية لزيادة جوانب حياته، أن هذا من البركات، إنما البركات في أن يتوفر فيها، (الأصل في الخير)، و(هذا الشرط بشرعيتها)، و(التأسي فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم).
– فإن من الأطعمة ما يتبرك بها الإنسان:
وهى التي رغَّب فيها النبي- صلى الله عليه وسلم- مثل زيت الزيتون واللبن والعسل والتمر وماء زمزم.
– وبعض الأفعال والأقوال والهيئات تكون أيضًا طريقًا لجلب البركة مثل: ذكر الله والقرآن والجهاد والاجتماع بين الناس على طعام أو علم.
– وبعض الأمكنة تكون محلاًّ للبركة:
كالمساجد والمسجد الأقصى والمسجد النبوي ومكة والمدينة.
– وبعض الأزمنة فيها البركة مثل:
رمضان، وليلة القدر، ويوم الجمعة، وعشر ذي الحجة، ويومي الإثنين والخميس، ووقت السحر.
– وبالتالي فحياتنا:
يمكننا أن نحولها إلى أوقات وأماكن وأطعمة وأقوال وأفعال، تستجلب لنا البركة.
أما إذا لم يتحقق هذا الشرط، فالتبرك ممنوع وليس مشروعًا، كالتبرك بذات الشخص وليس بعلمه، أو بدعاء الأموات، أو بذات المكان، كالطواف حول الأشجار والمقابر أو أي مكان.
2- البركة تكتسب أم هي هبة من الله؟
وحياتنا بحاجة ماسة اليوم إلى البركة فهي.
ولكن كيف؟
وهل هي تكتسب أم هي هبة من الله؟
وهل هي لأناس معـينين في الحياة؟
أم هي عامة تتحقق لأي إنسانٍ يسعى إليها؟
نضرب لك مثلاً ذكره الله في القرآن الكريم، يساعدك كثيرًا على إجابة هذه التساؤلات:
ذكر الله في القرآن الكريم على لسان نبي الله عيسى عليه السلام، قـوله تعـالى:﴿قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31)﴾ (مريم).
ونقف عند قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا﴾، لنتأمل آثار بركة الله في نبي الله عيسى عليه السلام، لقد أنزل الله عليه مائدة من السماء، يأكل منها قومه، وجعل له القدرة على خلق الطير من الطين بإذن الله، ومنحه الله القدرة أن يشفي الأكمه والأبرص بإذن الله، ويحيي الموتى بإذن الله، وآخر الزمان ينزل ليملأ الأرض عدلاً، وكرمه الله برفعه إليه.
فإذا تساءلنا اليوم: أين البركة؟ أين الحياة الطيبة؟ أين النفس المطمئنة؟
يجيب القرآن الكريم علينا، يقول تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)﴾ (النحل).
فإذا قال قائل: نحن في عصر السرعة!
نحن في عصر العلم!
نحن في عصر التقنية!
نحن في عصر التكنولوجيا!
انتهى عصر البركة…!
فهل فعلاً انتهى عصر البركة؟
هيا معًا في هذه الجولة، لنجيب معًا على كل هذه التساؤلات:
* قصة اشتقاق البركة
من (البِركْة) أي مجمع الماء، فهي شيء واسع كثير ثابت، ولذلك قيل:
(هي الخيرات الكثيرة الثابتة). ومعنى: (وبارك لنا فيما أعطيت) أي أنزل البركة فيما أعطيتنا، من كل شيء:
– من مال:
فليست (البركة في المال) تعني وفرة المال فقط، فكم من الناس في عداد الفقراء ومعهم المال، لمجرد أن نزع الله منهم البركة.
– أو من ولد:
فإن كثيرًا من الناس، عنده أولاد ولا ينفعونه، لمجرد أن نزع الله منهم البركة.
– أو من علم:
فكم ممن يمتلكون العلوم والمعارف، ولكنهم أميون، لمجرد أن نزع الله منهم البركة.
* المبارك من الناس
– كما يقول ابن القيم: (هو الذي ينتفع به حيث حل)، واستدل بقوله تعالى: ﴿وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ﴾.
وصور البركة رأيناها في سيرة النبي- صلى الله عليه وسلم- من: تكثير الطعام، ونبع الماء، واستجابة الدعاء.
– والمبارك من الناس، هو من يتأسى برسول الله- صلى الله عليه وسلم، فهم المصلحون في مجتمعاتهم، الآمرون بالمعروف، والناهون عن المنكر، والداعون إلى الله تعالى، يقول تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ (117)﴾ (هود).
فبركة الله بعدم الإهلاك مرتبطة بالإصلاح، فأهلها: (مصلحون) وليس: (صالحون)، ولذلك كان النبي- صلى الله عليه وسلم-، يسأل الصحابة رضوان الله عليهم: "هل تُنصرون وتُرزقون إلا بضعفائكم".
* منشئ البركة هو الله
يقول النبي- صلى الله عليه وسلم- في دعائه: "يا قاضي الحاجات، يا راحم العبرات، يا منجح الطلبات، يا منزل البركات"، ولذلك فنصيب المخلوق من البركة مضمون؛ لأنه من الله، وهو لا بد أن يحظى بالبركات، ولكن هذه البركة تتوقف على أمرين:
الأول:
على قدر سعيه للحصول عليها، وهذا السعي يحتاج إلى معرفة وإرادة وهمة وتصميم وطموح، لهدف محدد يجتهد لتحقيقه، فإن واجهته مصاعب يواجهها، ولا يهتم إلا بالوصول إلى هدفه.
ونحن نتفاوت في درجات السعي، ومستويات الاجتهاد، فعلى قدر المستوى والدرجة تكون البركة.
الثاني:
ابتعاد أو قرب الإنسان من مواقع نزولها، فكلما اقترب الإنسان من موانع نزولها امتنعت البركة، وإن كانت موجودة وارتكب هو هذه الموانع والمخالفات، نزعت منه البركة، مهما كان هذا الشخص؛ لأنها تتعامل مع سنة ربانية، وليس مع قيمة الشخص.
وهذا يجعلنا نتساءل:
– هل يمكن إطلاق كلمة (البركة) على الإنسان؟
مثلما نقول: زارتنا البركة.
– يمكن ذلك لأن أسيد بن حضير في قصة ضياع عقد أم المؤمنين عائشة، ثم العثور عليه بعدها، قال: (ما هذه بأول بركتكم يا آل أبي بكر).
– وقد فضَّل العلماء ذلك فقالوا: طلب البركة، لا يخلو من أمرين، لا ثالث لهما:
1- طلب شرعي معلوم: مثل القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾ (الأنعام: من الآية 92).
2- طلب مادي حسي معلوم: مثل العلم أو غيره، كما تقدَّم في قوله أسيد: (ما هذا بأول بركتكم يا آل أبي بكر).
3- البركة حل للأزمة الاقتصادية
البركة تراعي خصوصية المجتمع وعقيدته، وتنسجم في رسمه الطريق لأي تخطيط سياسي واقتصادي، والبركة تشترط التقوى كمعيار أساسي، وبشكلٍ مادي محسوس، فإن لم يتحقق هذا الشرط كان التخبط في الأزمات الاقتصادية.
منقول بتصرف
تقبل تحياتي
مع اجمل التحيات