سلام عليكم و رحمة الله و بركاته
ذكر الشيخ عبد المالك رمضاني – حفظه الله – في كتابه الثمين " ست درر من أصول أهل الأثر " فائدة منهجية عظيمة ؛ حبذا ولو يستفيد منها الدعاة إلى الله و ذلك حين تطرق إلى أول أصل , ألا و هو الإخلاص ؛ و بالضبط حين تكلم عن أول ما يجب أن يُدعى إليه – أي التوحيد الخالص – , فشرع في ذكر الأدلة لذلك ؛ و مما أورد حديث معاذ – رضي الله عنه – حين أرسله الرسول – صلى الله عليه و سلم – إلى اليمن لدعوة أهل الكتاب؛ وجاء فيه عن ابن عباس (رضي الله عنه )أن رسول الله (صلى الله عليه و سلم) قال لمعاذ بن جبل (رضي الله عنه) حين بعثه إلى اليمن: << إنك ستأتي قوما أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك، فأخبرهم أن الله فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب >> ثم قال الشيخ بعد ذلك :
"و هذا الحديث العظيم لم يترك لمنتصب للدعوة خيارا ؛ قال الله – عز و جل)) : وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً (( [الأحزاب : 36 ].
و ما بال الناس يعجبون من هذه الأولوية؛ و حق الله في أن يُعبد وحده أحق ما اشرأبّت إليه الأعناق, و لهجت به الألسن ؟
فهذا حق الله الخالص ؛ فكيف هان على أرباب المناهج الدعوية اليوم ؟!
أليس حق الله أحق ما فتحت له الأبواب , و فُسحت الرحاب ؟!
قال ابن القيم – رحمه الله – : " التوحيد مفتاح دعوة الرسل…" و ذكر حديث معاذ السابق (1).
و هو دعوتهم جميعا- عليهم الصلاة و السلام -؛ فلا وسّع الله صدرا ضاق بذلك ذرعا !
قال الله – تعالى – : (( لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ))] الأعراف : 59[
و قال : (( وَإ ِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ )) [ الأعراف : 65[
و قال : (( وَ إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ )) [ الأعراف : 73[
و قال : (( وَ إِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ )) [الأعراف : 85 [
و هكذا , مهما اختلفت الأمم , و تباينت مشاكلها ؛ فإن الدعوة إلى التوحيد هي الأصل ؛ سواء كانت مشكلتهم اقتصادية , كما في أهل مدين ؛ أو كانت خُلُقية كما في قوم لوط – عليه السلام -.
و لست بحاجة أن أقول : أو كانت سياسية ؛ لأن جميع هؤلاء لم يكونوا يُحْكَمون بما أنزل الله.
و لا يجوز أن يخبو نورُ هذه الدعوة المباركة زمنا ما , بزعم استباب التوحيد في قلوب الناس ؛ ألم تسمع جؤار إمام الحنفاء الموحِّدين إبراهيم الخليل– عليه الصلاة والسلام – , و قد خاف على نفسه الشرك , فقال : (( رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ )) [إبراهيم : 35-36[
قال المغيرة بن مِقْسَم : " كان إبراهيم التيمي يقصُّ و يقول في قصصه : من يأمن البلاء بعد خليل الله إبراهيم حين يقول : رب و اجنبني و بني أن نعبد الأصنام ؟! " (2)
——————–
-1 مدارج السالكين (3 / 443 )
2- رواه ابن جرير في تفسيره ( 7 / 460 ط.دار الكتب العلمية ).
لا حرمكــ ربي الأجر