الشيخ الألباني رحمه الله : [إن الحمد لله] نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبدهُ ورسوله، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [102:آل عمران] ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [1:النساء] ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [70-71:الأحزاب] أما بعد .
فقد سبق أن نبهنا في جلسات ماضية على أن من الطرق المشروعة في تعليم الناس وتفقيههم في دينهم هو أن يسألوا ثم أن يُجابوا ، هذا أسلوب قرره الشارع الحكيم؛ لأنه –تبارك وتعالى- يعلم أن الناس لا يساقُون مساقاً واحداً في تعلمهم لأحكام دينهم، ومعلوم لدى الجميع أن الطريقة المتبعة في تلقي العلم إنما هي الحلقات العلمية التي كانت قديماً ولا تزالُ إلى العصرِ الحاضرِ قليلاً سبيلاً لتلقي العلم، حيث يجتمع من كان عنده رغبةٌ في طلبِ العلم مع بعض أهلِ العلم في المسجدِ أو في مكانٍ آخر، فيتلقون منه العلمَ الذي يريدونه على جلسات منظمة، وهذا كما رأيته من الجميع يتطلبُ نوعيةً معينة من الناسِ من ذلك أن يكونوا:
أولاً:- راغبين في طلب العلم في طريقة رتيبة منظمة .
وثانياً:- أن يكون عندهم الإستعداد النفسي من ذكاءٍ وحفظٍ ونحوِ ذلك .
وثالثاً:- وأخيراً أن يكون عندَهم الوقت الذي يساعدهم على الإنتظام في طلبِ العلم بهذه الطريقة من الحلقات العلمية .
وكما قلت آنفاً، كثيراً من الناسِ لا يجدون في أنفسِهم هذه الخصال التي ينبغي أن تتوفر على طالب العلم، وقد تتوفر في بعضهم ثم لا يتوفر لهم العالِم الذي ينشدونه، ويرغبون أن يتعلموا منه، أو يجدونه ولكن لا يجدون عنده فراغاً، ولذلك فقد شرع الله –عز وجل- طريقة ووسيلة أخرى لتلقي العلم، وكأن هذا الأمر أصبح اليومَ حقيقة واقعة بسبب وجود الوسائل المقربة للأصوات وأعني بها بصورة خاصة: الهاتف، فتكثر الأسئلة بواسطة هذا الهاتف، وبذلكَ يتعلم الناس ما هم بحاجة إليه .
ثم من الفوارق التي تظهر بين الطريقة المتبعة سابقاً وهي طريقة تلقي العلم من المشايخ وأهل العلم، وبين طريقة السؤال والجواب، هو أن السؤال يُفسِـح المجال لصاحب السؤال أن يسألَ عما يتعلق به شخصياً أو بأهله الذي هو مسؤول عنهم، بينما الطريقة الأولى يتعلم بها ما قد لا يشعر بأنه بحاجة إليها، وإن كان فيما بعد لا سيما إذا كان ينشد أن يصبح يوماً ما من أهلِ العلم، فسيجد فائدة طلب العلم بتلك الطريقة، لما كان أكثر الناس ليسوا كذلك من أجل هذا كله شرع الله –عز وجل- هذه الطريقة في طلبِ العلمِ، ألا وهو السؤال والجواب، كما قال –عزّ وجلّ- في القرآن الكريم: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [43:النحل] .
اللهُ عز وجل في هذه الآية الكريمة جعل المجتمع الإسلامي وقسمه إلى قسمين من حيث تعلقهم بالعلم: قسم لا يعلم ، وقسم يعلم ، وأوجب على كل من القسمين واجباً ، أوجب على الذين لا يعلمون أن يتعلموا بطريق السؤال، وأوجب على الذين يُسألون أن يجيبوا ، فهذه الآية صريحة في ذلك فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [43:النحل] ، وأكد ذلك رسولُ الله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في الحديث الثابت في السنن ، سنن أبي داود وغيره، من حديث جابر بن عبدِ الله الأنصاري أن النبي –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أرسل سريّة –أي جهّز جيشاً ليجاهدوا في سبيلِ الله- وأمّـر عليهم أميراً كما هي السُّنّـة، السريّة هي التي تغزو وليس معها رسولُ اللهِ ، بخلاف الغزوة وهي التي يكون رسولُ الله هو قائدهم وهو موجههم، فأرسل رسول الله يوماً سريةَ ، فذهبوا وقاتلوا الكفار، ثم لمّـا أرخى الليل سدوله وظلامه، ووضعتِ الحربُ أوزارها، وصلوا العشاء ثم ناموا، وفي الصباح استيقظوا لصلاة الفجرِ وإذا بأحدهم يجد نفسه قد احتلم، فوجب عليه الغُسل، ولكنه كان قد أصيب في المعركةِ بجراحات كثيرة في جسمه، فسأل من حوله لعله يجدون له رخصة في أن لا يغتسل وأن يتيمم، قالوا: لا، لابد لك من الغسل، فاغتسل الرجل وكان عاقبة ذلك أنه مات، اشتدت عليه الحرارة والجراحات أيضاً قامت عليه فكانت نفسُه فيها ، هلك ، فلما بلغ خبرُه رسول الله –صلى الله عليه وعلى آله وسلم- غضب غضباً شديداً ، ودعا على الذين أفتوه بعدمِ جوازِ التيمم وهو جريحٌ، فقال : ( قتلوه قاتلهم الله، ألا سألوا حين جهلِوا، فإنما شفاءُ العي السؤال ) فالشاهدُ من هذا الحديث أن النبي حضّ الذين أفتوه بغير علمٍ على أنه كان يجب عليهم أن يسألوا ليكونَ جوابُهم نابعاً من أهلِ العلمِ ، أما هم لمّـا كانوا ليسوا من أهلِ العلم، فأفتوه ذلك الجريح بجهلهم، فكانت فتواهم سبباً لقتله وموته، لذلك من الوسائل المشروعة في تلقي العلم: السؤال كما ذكرنا، ثم كما ذكرنا في الآية السابقة أوجب ربنا –عز وجل- على القسمِ الثاني من المجتمع الإسلامي وهم: العلماء أن يجيبوا ، ولا يجوز للعالِم إذا سئل عن مسألة وعنده علمٌ بها إلا أن يجيب عليها، لقوله –عليهِ الصلاةُ والسلام- في الحديث المشهور الصحيح: ( من سئل عن علمِ فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار ) .
ومن آداب السؤال نقول في هذه المناسبة، أن يسأل المسلم عما يتعلق بحياته سواءٌ حياته الخاصة بنفسه أو بأهله أو بمن يلوذ به أو له علاقةٌ ما به، وأن لا يتعمق في الأسئلة عن أمورٍ خيالية أو بعيدةُ الوقوع، وإن اشتغال المسلم بالواقع خيرٌ له من أن يسأل عن شيء يتخيله ولا يمنع أن يتصور أنه قد يكون بأن من أدب علماءِ السلف –رضي اللهُ عنهم- أن أحدهم إذا جاءه السائل يسأله عن مسألة قال المسئول: هل وقعت ؟ ، فإن أجاب بـ: نعم ، أجابه بما عندَه من العلم، وإن قال: لمّـا تقع ، لسه ما وقعت، قال: انتظر حتى إذا وقعت سألتَ، وحينما تقع فلابد أن الله –عز وجل- يسخّـر للسائل من يفتيه بعلمِه، لهذا نقول من الآداب أن نسمع الآن الأسئلة ونبدأ فيها بالأهم فالأهم، ونجيب عليها بما يسـّر اللهُ –عز وجل- مذكرين لكم بأنه ليس من المفروض في العالم أن يجيب عن كل ما يسأل عنه، فقد جاء في بعض الآثار السلفية أن من أجاب عن كل ما يسأل عنه فهو مجنون، لأنه كما قال تعالى: وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [85:الإسراء] فإذا عجزنا عن الإجابة عن بعض الأسئلة فلا يستغربن أحدٌ منكم ذلك، لأن ذلك طبيعةُ البشر الذين طبعهم اللهُ –عزّ وجلّ- بما سمعتم في الآية السابقة وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا [85:الإسراء] ولذلك أيضاً جاء في بعض الآثار: نصفُ العلم لا أدري ، هات ما عندك .