الحمد لله وكفى ..
والصلاة والسلام على النبي المصطفى ..
وفقكم الله جميعاً ورزقكم الشهادة في سبيله ..
سأنتقي بين الفينة والأخرى حديث من أحاديث صحيح الأدب المفرد للبخاري -رحمه الله –
مع شرحٍ ميسير ..
وسأنقله من كتاب " شرح صحيح الأدب المفرد "
للمؤلف : حسين العوايشة ..
ونسأل الله التيسير ..
الحديث الأول :
عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" من نام وبيده غَمَر قبل أن يَغسِله فأصابَه شيءٌ فلا يلومَنَّ إلا نفسَه "
.. صححه الألباني ..
الشرح :
( من نام وبيده غَمَر قبل أن يَغسِله ) :
غَمَر : دسم ووسخ وزهومة من اللحم .. " عون " ..
قال الشوكاني : " إطلاقه يقتضي حصول السنة بمجرد الغسل بالماء " ..
قال ابن رسلان : " والأولى غَسْل اليد منه بالأشنان والصابون ، وما في معناهما " ..
" تحفة " (5/597) ..
( فأصابَه شيءٌ ) :
من إيذاء الهوام ، لأنَّ الهوام وذوات السموم ربما تقصِده في المنام لرائحة الطعام في يده فتؤذيه " .." عون " بحذف ..
( فلا يلومَنَّ إلا نفسَه ) :
لأنه مقصر في حقّ نفسه ..
~.. لمـ أحـضر يوماً لـ طرح يـ ح ـملـ بصمتكـ .. ~
~.. إلا ورأيتكـ في تميز متجدد ..~
~.. وجمالـ آخــاذ لأنـ الجمالـ موهبتكـ في انتقاء المواضيع..~
~.. والتميز عنوانكـ ..~
~.. للهـ دركـ أيها المبدعهـ .. دمتــ لنــا ..~
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" إن الله يحبُّ العطاس ويكره التثاؤب ، فإذا عطس فحَمِد الله فحقٌّ على كل مسلم سَمِعه أن يُشَمِّتَهُ .. وأمَّا التثاؤب فإنَّما هو من الشيطان [ فإذا تثاءب أحدكم ] فليردَّه ما استطاع ، فإذا قال هاه ، ضحك منه الشيطان " ..
صححه الألباني ..
الشرح :
( إن الله يحبُّ العطاس ) :
لأنه يحمِل صاحبَه على النشاط في الطاعة ..
( ويكره التثاؤب ) :
لأنه يمنع صاحبه عن النشاط في الطاعة ، ويوجب الغفلة ، ولذا يفرح به الشيطان ، وهو إنَّما ينشأ من الامتلاء وثِقَل النفس وكدورة الحواس ، ويورِث الغفلة والكسَل وسوء الفهم ، ولذا كرهه الله وأحبّه الشيطان وضحك منه " " مرقاة (8/494) بحذف ..
( فإذا عطس فحَمِد الله فحقٌّ على كل مسلم سَمِعه أن يُشَمِّتَهُ ) :
قال أبو عبيد في " غريب الحديث " : " شَمَّت : يعني دعا له ، كقولك : يرحمكم الله أو يهديكم الله ويصلح بالكم ؛ والتشميت : هو الدعاء ، وكلّ داعٍ لأحد بخير ، فهو مُشمِّت له " ..
وقال ابن القيم : " قال جماعة من علمائنا : إنَّ التشميت فرض عين لأنه جاء بلفظ الوجوب الصريح ، وبلفظ الحق الدّألّ عليه ، وبلفظ ( على ) الظاهرة فيه ، وبصيغة الأمر التي هي حقيقة فيه ، وبقول الصحابي : " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم " .. ذَكَرَه الجيلاني في " الفضل " (2/382) ..
قال شيخنا ( الألباني ) في " صحيح الكلم الطيّب " طبعة دار المعارف
(ص 103) :
" هذا دليلٌ واضح على وجوب التشميت على كل من سَمِعَه ، وما اشتهر من أنَّه فرض كفائي ، إذا قام به البعض سقط عن الباقين ؛ ممّأ لا دليل عليه هنا ؛ بخلاف السلام للحديث :
" يُجزىءُ عن الجماعة إذ مروُّا ؛ أن يسلمَأحدهم ، ويُجزىءُ عن الجلوس ؛ أن يَرُدَّ أحدُهم " ..
( وأمَّا التثاؤب فإنَّما هو من الشيطان ) :
قال الحافظ في " الفتح " (10/612) : " قال ابن بطّال : أي أن الشيطان يُحِبُّ أن يرى الإنسان متثائباً ؛ لأنَّها حالة تتغيّر فيها صورته فيضحك منه "..
وقال النووي : " أُضيفَ التثاؤب إلى الشيطان ، لأنه يدعو إلى الشهوات ، إذ يكون عن ثِقَل البَدن ، واسترخائه وامتلائه ، والمراد التحذير من السبب الذي يتولّد منه ذلك وهو التوسّع في المأكل " ..
( فإذا تثاءب أحدكم ، فليردَّه ما استطاع ) :
قال الحافظ : " أي يأخذ في أسباب ردِّه ، وليس المراد به أنَّه يملك دفْعه ، لأن الذي وقع لا يُردَّ حقيقة ..
وقيل : معنى إذا تثاءب إذا أراد أن يتثاءب " ..
( فإذا قال هاه ، ضحك منه الشيطان ) :
هاه : حكاية لصوت المتثائب ..
عن أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" إذا عاد الرجل أخاه أو زارَه , قال الله له : طِبتَ وطابَ ممشاك , وتبوّّأْتَ منزلاً في الجنَّة " ..
حسنه الألباني ..
الشرح :-
( إذا عاد الرجل أخاه أو زارَه ) :
أي : مريضاً ؛ أو زاره أي : صحيحاً , فأو للتنويع , والعيادة تستعمل غالباً في المرض والزيارة في الصحة ..
"مرقاة"(8/748) بحذف ..
وفي " النهاية " : " كل من أتاك مرّة بعد أخرى فهو عائد , وإن اشتهر ذلك في عيادة المريض حتى صار كأنّه مختصٌّ به " ..
( قال الله له : طِبتَ ) :
جاء في " المرقاة " – بتصرف – : " صرت طيّب العيش في الآخرة ، أو حصَل لك طيب عيش فيها " ..
( وطابَ ممشاك ) :
قال القاري – بتصرف – : " أي : مشيك سبب طيب عيشك فيها ، كذا ذكَره بعض الشراح ، وهذا يُبشّر بقبول نيته وشُكر سعيه " ..
( وتبوّّأْتَ منزلاً في الجنَّة ) :
قال في " النهاية " : " يُقال : بوّأه الله منزلاً ، أي : أسكنه إياه .. تبوّأت منزلاً : أي اتخذته ، والمباءة المنزل " ..
قال القاري – بحذف – : " أي : هيأت منها بهذه العيادة منزلة عظيمة ومرتبة جسيمة ، فإن إدخال السرور في قلب المؤمن أجره عظيم وثوابه جزيل ، لا سيّما والعيادة فيها موعظة وعبرة وتذكرة وتنبيه على اغتنام الصحة والحياة ورفع الهموم الزائدة ، نسأل الله العفو والعافية وحسن الخاتمة " ..
وفي الحديث فضل عيادة المريض والزيارة في الله سبحانه , وسعة رحمة الله تعالى ..
وفيه كلام الله تعالى للعبد على الحقيقة ؛ إخباراً بما أعدَّ له في الجنة ..
عن أبى هريرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" زار رجل أخاً له في قرية ، فأرصَد اللهُ له ملَكاً على مَدْرَجَتِه , فقال : أين تريد ؟
قال : أخاً لي في هذه القرية : فقال : هل له عليك مِنْ نعمة تَرُبُّها ؟
قال : لا ، إنِّي أحبُّه في الله ..
قال : فإنِّى رسولُ الله إِليك ؛ أنَّ الله أحبَّك كما أحبَبْتَه " ..
صححه الألباني ..
( زار رجل أخاً له في قرية ، فأرصَد اللهُ له ملَكاً على مَدْرَجَتِه ) :
قال النووي : " معنى أرصده : أقعَدَه يرقبه ..
والمدْرَجة بفتح الميم والراء : هي الطريق ، سُميت بذلك لأن الناس يدرجون عليها أي : يمضون ويمشون " ..
( فقال : أين تريد ؟ قال : أخاً لي في هذه القرية : فقال : هل له عليك مِنْ نعمة تَرُبُّها ) :
أي : تحفظها وتراعيها وتربيها كما يُربّي الرجُل ولدَه ..
" النهاية " ..
( قال : لا ، إنِّي أحبُّه في الله .. قال : فإنِّى رسولُ الله إِليك ؛ أنَّ الله أحبَّك كما أحبَبْتَه ) :
فيه إثبات صفة المحبة لله تعالى من غير تشبيه ولا تمثيل ، ولا ينبغي تعطيلها أو تأويلها ..
قال النووي (16/124) : "في هذا الحديث فضل المحبة في الله تعالى ، وأنها سببٌ لحبِّ الله تعالى للعبد ، وفيه فضيلة زيارة الصالحين والأصحاب " ..
عن بكر بن عبد الله قال : كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتبادحون بالبطيخ فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال ..
صححه الألباني ..
الشرح :-
( كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يتبادحون بالبطيخ ) :
يتبادحون : يترامَون به ..
ويتبادحون : من المفاعلة , تُفيد المشاركة ..
( فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال ) :
فليس كل وقتهم مزاح ..
قال في " المحيط " : " الحقائق جمع حقيقة , وأصل هذه الكلمة الشيء الثابت يقيناً " ..
وفي " مختار الصحاح " : " ما يَحقُّ على الرجل أن يَحميَه " ..
وفي " اللسان " : " حقيقة الرجل ما يلزمه حِفظه ومنْعه ويحقّ عليه الدفاع عنه من أهل بيته " وهذا المعنى المراد في النص , والله أعلم ..
والمراد بالبطيخ هنا : القشر , لِمَا ورَد من النّهي عن إضاعة المال , ولقوله صلى الله عليه وسلم :
" إذا سقطت لُقمة أحدكم فليُمِط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان " أخرجه مسلم (2034) ..
عن سلمة [ وهو ابن الأكوع ] قال :
عطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يرحمك الله "
ثم عطس أخرى فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " هذا مزكوم " ..
صححه الألباني ..
الشرح :-
( عطس رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "يرحمك الله ، ثم عطس أخرى فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا مزكوم ) :
قال في " إكمال الكمال " (9/462) :
" يعني أنَّك لستَ ممَّن يشمَّت بعد هذا ، لأنَّ هذا الذي بك مرض ..
فإنْ قيل : إذا كان مرضاً فكان الأولى أن يُدعى له ، لأنَّه أحقّ بالدعاء من غيره ..
فالجواب :
أنه يستحب أن يُدعى له بالعافية ، لا بدعاء العاطس " ..
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .
الحديث السابع
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" لعن اللهُ مَنْ كَمهَ أعمى عن السَّبيل " ..
قال الألباني : حسن صحيح ..
الشرح :
( لعن اللهُ مَنْ كَمهَ أعمى عن السَّبيل ) :
الكَمه : العمى ، والمراد هنا أضلّه عن السبيل ..
شـكــ وبارك الله فيك ـــرا لك … لك مني أجمل تحية .
(( باب من أشار على أخيه وإن لم يستَشِرْه ))
عن وهب بن كيسان – وكان وهب أدرك عبد الله بن عمر – :
" أنَّ ابن عمر رأى راعياً وغنَماً في مكانٍ قبيح ، ورأى مكاناً أمثل منه فقال له :
ويحك ، يا راعى ! حوِّلْها ، فإنِّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كل راعٍ مسؤولٌ عن رعيَّته " ..
صححه الألباني ..
الشرح : –
( أنَّ ابن عمر رأى راعياً وغنَماً في مكانٍ قبيح ) :
في الأصل ( في مكانٍ قشح ) ..
قال محمد فؤاد عبد الباقي – رحمه الله – كذا .. وفي الهندية ( فشج ) وفي المخطوطة ( قشج ) ، ولعلها تحريف ( نشح ) وهو الشرب القليل ، وانتشحت الإبل إذا شربت ولم ترو ..
( ورأى مكاناً أمثل منه ) :
أمثل : تفضيل من مَثُل ، ومعناه أحسن وأفضل ..
( فقال له : ويحك ، يا راعى ! حوِّلْها ) :
ويح كلمة ترحُّم وتوجُّع ، تُقال لمن وقع في هلكةٍ لا يستحقها ، وهي منصوبة على المصدر ..
وحوِّلها : أي إلى المكان الأفضل ..
( فإنِّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ) :
فيه تأسّيهم بالنبي صلى الله عليه وسلم واقتداؤهم به ، ومعالجتهم الواقع بالنصوص ، وعَمَلهم بالسنة ، وأمْرهم بالمعروف ، ونهيهم عن المنكر ..
وفيه الإشارة على المسلم بالرأي وإن لم تبدُر منه الاستشارة ؛ كما بوّب لذلك المصنّف ( البخاري رحمه الله )
بقوله : ( باب من أشار على أخيه وإن لم يستَشِرْه ) ،
وهذا متمثّلٌ في فعل ابن عمر – رضي الله عنهما – حين طلب من الراعي تحويل غنمه ولم يكن قد استشاره في ذلك ..
( كل راعٍ مسؤولٌ عن رعيَّته ) :
أي : فأنتَ مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى عن رعْيِك الأغنام في هذا المكان القبيح ..
ومسؤولية الراعي عامّة سواء كان راعي للنّاس أو راعيَ غنم أو غير ذلك ، وفيه الرفق بالحيوان ، وتعظيم الصحابة حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، واستنباط المسائل والأحكام منها ، والله تعالى أعلم ..