تخطى إلى المحتوى

فنستكمل حديثنا حول لطائف وفضائل سورة آل عمران، ونتحدث بعون الله سبحانه وتعالى عن قول الله 2024.

السلام عليكم
اقدم لكم هذه المقالة التي اطلعت عليها و انا بصدد
كتابتي لاحد المواضيع و رايت ان اقدمها لكم لما فيها من حكم و مواعض نستفيد منها

فضائل ولطائف سورة آل عمران

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد:
فنستكمل حديثنا حول لطائف وفضائل سورة آل عمران، ونتحدث بعون الله سبحانه وتعالى عن قول الله تعالى: القعدةقُلِ اللَّـهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌالقعدة [آل عمران: 26].
الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم ، ومناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الذين أوتوا نصيبًا من الكتاب إذا دعوا إلى كتاب الله ليحكم بينهم تولوا، يريدون أن تكون السيادة لهم، لا لغيرهم، فأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يبتهل إلى الله بهذا الدعاء المتضمن قدرة الله على نقل النبوة التي يتبعها المُلك من بني إسرائيل إلى العرب.
فصدر الآية سبحانه بتفرده بالملك كله، وأنه هو سبحانه هو الذي يؤتيه من يشاء، وينزعه ممن يشاء لا غيره.
فالأول: تفرده بالملك، والثاني: تفرده بالتصرف فيه، وأنه سبحانه هو الذي يعز من يشاء بما يشاء من أنواع العز، ويذل من يشاء بسلب ذلك العز عنه، وأن الخير كله بيديه ليس لأحد معه منه شيء، ثم ختمها بقوله: القعدةإِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌالقعدة، فتناولت الآية ملكه وحده وتصرفه وعموم قدرته، وتضمنت أن هذه التصرفات كلها بيده وأنها كلها خير، فسلبه الملك عمن يشاء، وإذلاله من يشاء خير، وإن كان شرّاً بالنسبة إلى المسلوب الذليل، فإن هذا التصرف دائر بين العدل والفضل، والحكمة والمصلحة لا تخرج عن ذلك، وهذا كله خير يُحمد عليه الرب ويثنى عليه به كما يحمد ويثنى عليه بتنزيهه عن الشر، وأنه ليس إليه كما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يثني على ربه بذلك في دعاء الاستفتاح في قوله: «لبيك وسعديك، والخير في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت». فتبارك وتعالى عن نسبة الشر إليه، بل كل ما نسب إليه فهو خير، والشر إنما صار شرّاً لانقطاع نسبته وإضافته إليه، فلو أضيف إليه لم يكن شرّاً.
وهو سبحانه خالق الخير والشر، فالشر في بعض مخلوقاته لا في خلقه وفعله، وخلقه وفعله وقضاؤه وقدره خير كله، ولهذا تنزه سبحانه عن الظلم الذي حقيقته وضع الشيء في غير موضعه، فلا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها، وذلك خير كله، والشر: وضع الشيء في غير محله، فإذا وضع في محله، لم يكن شرّاً، فعلم أن الشر ليس إليه، وأسماؤه الحسنى تشهد بذلك، فإن منها القدوس، السلام، العزيز، الجبار، المتكبر. فالقدوس المنزه من كل شر ونقص وعيب.
قال تعالى: القعدةقُلِ اللَّـهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِالقعدة. القعدةاللهمالقعدة: في كلام العرب خاص بنداء الله تعالى في الدعاء، قال الخليل بن أحمد وسيبويه وجميع البصريين أن أصل (اللهم): يا الله. ولما كثر حذف النداء معه، قال النحاة: إن الميم عوض من حرف النداء. يريدون أن لحاق الميم باسم الله في هذه الكلمة لما لم يقع إلا عند إرادة الدعاء صار غنيّاً عن جلب حرف النداء اختصارًا، وليس المراد أن الميم تفيد النداء، فجمهور النحاة على أن الميم عوض عن حرف النداء المحذوف، وأنه تعويض غير قياسي، وأن ما وقع على خلاف ذلك شذوذ.

قال النضر بن شميل: من قال «اللهم» فقد دعا الله بجميع أسمائه كلها، وقال الحسن: «اللهم» مجمع الدعاء.
ومعنى قول النضر: إن «اللهم» هو الله زيدت فيه الميم فهو الاسم العلم المتضمن لجميع أوصاف الذات.
وقوله: القعدةمالك الملكالقعدة. مالك: اسم فاعل، والملك: يحتمل أن يكون بمعنى المملوك، أي: مالك المملوكات كلها، ويحتمل أن يكون المراد به: التدبير، أي مالك تدبير الخلائق كلها.
والأمران ثابتان لله عز وجل، فهو مالك المملوكات كلها بأعيانها، وهو مالك التصرف فيها، لا يشاركه في ذلك أحد، هو الذي يدبر الأمر ويملك المأمور،
القعدةتُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُالقعدة، والأصح أن «تؤتي» هذه جملة استئنافية لبيان كيف يكون ملك الله عز وجل لهذا المملوك، فقال: القعدةتُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُالقعدة، وقال: القعدةتؤتيالقعدة أي: تعطي، ولم يقل: تُمَلِّك ؛ لأن ما يكون للعبد من المُلك إنما هو من إعطاء الله تعالى إياه، وتسليطه عليه، ولهذا لا يتصرف المالك من المخلوقين فيما ملك، إلا على حسب الشريعة التي شرعها الله عز وجل، وقوله تعالى: القعدةتُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُالقعدة: الفعل «تؤتي» من الأفعال التي تتضمن مفعولين ليس أصلهما المبتدأ والخبر، ومفعول الأول: الملك، ومفعول الثاني: من تشاء، وكل شيء له سبب إما شرعي، وإما كوني، لأن هذا مقتضى حكمة الله سبحانه وتعالى، وإذا كان كذلك فإن إيتاء الله الملك لمن يشاء مقيد بسببه، فلا بد أن يكون له سبب، فالملك قد يكون مستقلاً عن الرسالة، وقد يكون تابعًا للرسالة، فإذا كان مبنيًا على الشريعة صار تابعًا للرسالة، وإذا كان غير مبنيٍّ على الشريعة كان مستقلاً، قال تعالى: القعدةأَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّـهُ الْمُلْكَالقعدة [البقرة: 258].
فهذا ملك مستقل عن الرسالة ؛ لأن الذي حاج إبراهيم كافر، وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم : «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها». (رواه مسلم)، فالمراد بذلك هنا: ملك تابع للرسالة.
والمشيئة هنا ككثير من الآيات متعلقة بالحكمة.
وقوله: القعدةوَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُالقعدة:
قوله: القعدةوتنزع الملكالقعدة:يحتمل وجهين:
الوجه الأول: نزع بعد ثبوت.
والوجه الثاني: نزع بمعنى المنع.
فعلى الأول: يكون فيه إشارة إلى أن الله تعالى يملِّك من يشاء من خلقه، ثم ينزع عنه الملك، وكم من مَلِكٍ مَلَكَ ثم زال ملكه، إما بالغلبة له، أو بموت أو بغير ذلك، ويحتمل أن تكون بمعنى المنع، أي: تُمَلِّك من شئت، ولا تُمَلِّك من شئت، وكلا المعنيين صحيح.
وقوله: القعدةوَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُالقعدة: والإعزاز هنا: يعني التقوية، أي تجعله عزيزًا قويّاً غالبًا على غيره، وكذلك القعدةتذل من تشاءالقعدة، وهذا عام، قد يعز الله الإنسان بدينه وعلمه وإيمانه، وإن لم يكن ملكًا، وقد يعزه بملكه، وكذلك في الذل قد يذله بالمعصية، وبالغلبة، فالذل بالمعصية في مقابل العز بالإيمان، والذل بالغلبة في مقابل العز بالملك، والذين يعزهم الله هم من ذكرهم الله بقوله: القعدةوَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَالقعدة [المنافقون: 8]، فالله يعز الرسل وأتباعهم، كما قال الله تعالى: القعدةكَتَبَ اللَّـهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّـهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌالقعدة [المجادلة: 21].
ومن أسباب العزة: الإيمان، سواء كان الإنسان ملكًا أم غير ملك. ومن أسباب العزة: الاستعداد والحذر والحزم والقوة والنشاط.
ومن أسباب الذل: أن يعجب الإنسان بنفسه، وأن يتعرض لما لا يمكنه دفعه، ولهذا جاء في الأثر: «لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه». قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: «يتعرض من البلاء لما لا يطيق». رواه أحمد والترمذي، وقال عنه: هذا حديث حسن غريب.
وقوله: القعدةبِيَدِكَ الْخَيْرُالقعدة: «الخير»: بيد الله عز وجل، والخير كل ما فيه مصلحة ومنفعة للعبد، سواء كان ذلك في أمور الدنيا أو في أمور الآخرة، فالرزق والصحة والعلم والخير والعمل الصالح أيضًا خير، وهذا كله بيد الله، كما قال تعالى: القعدةوَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِالقعدة [النحل: 53]، وهنا قد يقال: لماذا ذكر أن الخير بيده ولم يذكر الشر، مع أن الخير من الله والشر من الله ؟ فقال بعض المفسرين: إن هذا من باب حذف المقابل المعلوم، كقوله: القعدةوَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّالقعدة [النحل: 81]، وزعموا أن تقدير الآية: بيده الخير والشر.
ولكن هذا وَهمٌ باطل، وليس المقام مقام حذف واقتصار، بل المقام مقام ثناء، والثناء ينبغي فيه البسط والتوسع في الكلام، فالحذف غير مناسب لفظًا، وهو باطل معنى، لأن الله عز وجل لا يضاف إليه الشر، ولا يجوز أن نقول: بيده الشر ؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «والشر ليس إليك».
(رواه مسلم).
فلا يُنسب إلى الله الشر قولاً ولا فعلاً، فالله يقول الحق وهو يهدي السبيل، ويفعل الخير ولا يفعل الشر، وإذا وجد شر في المفعولات فهو شر من وجه، وخير من وجه آخر، لكن إيجاد الله لهذه الأشياء الشريرة ليس شرّاً، بل هو خير محض، فالشر إذن هو في المفعولات لا في الأفعال، أما الخير فهو في المفعولات والأفعال، ولهذا ينسب إلى الله فيقال: بيده الخير، ولنضرب لهذا مثلاً بالسباع والهوام، فالسباع: فيها شر، والهوام اللاسعة واللادغة فيها شر بلا شك، والشياطين كلها شر، لكن إيجاد الله لهذه الأشياء خير، والحكمة توجبه، لأنه لا يمكن أن تعرف تمام قدرة الله إلا بخلق الأشياء المتضادة. ثم في خلق هذه الأشياء من إصلاح العبد، واللجوء إلى ربه، والاستعاذة به من هذه الأمور الشريرة، خير كثير، والخير لا يعرف إلا بضده.
إذن يجب أن نُبقي الآية على ظاهرها بدون تقدير.
وقوله: القعدةإِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌالقعدة: ومن قدرتك تغيير هذه الأشياء العظيمة، إيتاء الملك ونزعه، والإعزاز والإذلال، كل هذه أمور عظيمة لا يقوم بها إلا القادر عليها، سبحانه وتعالى، والآية عامة، فهو قدير على كل شيء، على ما شاءه وما لم يشأه، ولهذا نعرف أن تقييد بعض الناس القدرة بالمشيئة خطأ، لأن الله قادر على ما يشاء وعلى ما لا يشاء، وأما قوله تعالى: القعدةوَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌالقعدة [الشورى: 29]،
فالمشيئة هنا ليست عائدة على القدرة، ولكنها عائدة على الجمع، يعني: إذا أراد جمعهم، وشاء جمعهم، فهو قدير عليه، لا يعجِز عنه.
من فوائد الآية الكريمة:
1- تعليم الله عز وجل نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يفوض الأمر إليه في قوله: القعدةقُلِ اللَّـهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِالقعدة، والخطاب الموجه للرسول صلى الله عليه وسلم موجه لأمته، إما عن طريق التأسي، وإما لأنه الإمام، والخطاب للإمام خطاب له ولمن اتبعه، إلا إذا دلَّ الدليل على أنه خاص به فيكون خاصّاً به.
2- أن ملك المخلوقين ليس ملكًا استقلاليّاً، بل هو بإعطاء، لقوله: القعدةتُؤْتِي الْمُلْكَالقعدة، والملك الذي بإعطاء لا شك أنه ناقص عن ملك المعطي، وقد جاء في الحديث الصحيح: «اليد العليا خيرٌ من اليد السفلى».
3- أن الله سبحانه وتعالى تام الملك والسلطان، لكونه يذل من يشاء، ولو بلغ ما بلغ من العزة البشرية، فإن يد الله فوقه مهما بلغ الإنسان من العز، فالله سبحانه قادر على إذلاله، ولذلك أمثلة كثيرة ؛ منها: قصة فرعون، فإن فرعون طغى وقال: «أنا ربكم الأعلى»، وافتخر بما عنده من الأنهار، فأهلكه الله بمثل ما افتخر به، فأغرقه بالماء، وعادٌ استكبروا في الأرض وقالوا: «من أشد منا قوة»، فأهلكهم الله تعالى بالريح، وهي من ألطف الأشياء، لكنها من أشد الأشياء مع لطافتها، فالله عز وجل يذل من يشاء.
ويتفرع على هذه الفائدة: أننا متى علمنا أن الإعزاز والإذلال بيد الله، فإننا لا نطلب العزة إلا به عز وجل، ولهذا نقول: من ابتغى العزة من غير الله فهو ذليل، وكذلك يتفرع على هذا أنه ينبغي للإنسان أن يستعيذ بالله دائمًا من الذل الحسي والمعنوي، لأن الله تعالى هو الذي بيده الإذلال، من شاء أذله، ومن شاء أعزه.
4- أن الله سبحانه بيده الخير، ويتفرع على هذه الفائدة: أنه إذا كان الخير بيده، فلا يطلب الخير إلا منه ؛ لأنه لا أحد بيده الخير إلا الله سبحانه وتعالى، فهو الذي يطلب منه الخير.
5- أن الشر لا يضاف إلى الله، وإن كان عز وجل هو الذي خلق كل شيء، لأن أفعاله كلها خير، والشر في المفعولات، ثم هذا الشر في المفعولات قد يكون خيرًا، فكم من مرض صار سببًا لصحة الجسم، وكم من آفات في الزروع وغيرها، صارت أسبابًا للنمو الاقتصادي من جهة أخرى.
6- عموم قدرة الله؛ لقوله: القعدةإِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌالقعدة، وهذا يشمل ما كان من أفعاله وما كان من أفعال الخلق، فيكون في ذلك رد على القدرية الذين يقولون: إن الله لا يخلق أعمال العباد ولا يريدها، وأن الإنسان مستقل بإرادته وعمله، فإذا كانت بقدرة الله قلنا: يلزم أن يكون مرادًا ومخلوقًا لله، لأنه ما دام الأمر بقدرته، فلا شك أنه يكون مخلوقًا له، ومرادًا له.
7- الاستغناء بالثناء عن الدعاء ؛ لأنك إذا تأملت الآية هذه لم تجد فيها دعاء أي طلبًا، لكن الثناء مما يتوسل به إلى الله.
فهنا الثناء يتضمن ما تدل عليه هذه الجملة، فإذا قلت: أنت الذي تعز وأنت الذي تذل، فمعنى هذا، أو فمقتضى هذا: أنك تسأل الله أن يعزك ولا يذلك.
ارجوا انكم استفدتوا منها

القعدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.