فإن اصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها،
وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار
ــــ أعاذنا الله وإياكم من النار ــــ
ثم أما بعد :
تحية طيبة لكل الاخـوآت
جمعت الإيمان واحتوته ، وهذه الكلمة عنوان الإسلام وأساسه .
معناها :
لا معبود يستحق العبادة إلا الله سبحانه ، وقد أخطأ من فسرها بأنه لا موجود إلا الله ،
لأن معنى الإله :
المعبود ، فيصبح المعنى بناء على قول هؤلاء ،
لا معبود موجود إلا الله ، وهذا غير صحيح ؛ لأنه يلزم منه أنّ كلّ معبود بحق أو باطل هو الله ،
فيكون ما عبده المشركون من شمس وقمر ونجوم … إلخ هو الله ،
فكأنه قيل : ما عُبِد على هذا التقدير إلا الله ، وهذا من أبطل الباطل .
فالمعنى الصحيح المتعين هو ما ذكرناه أولاً : أنه لا معبود يستحق العبادة إلا الله وحده .
وقد جاءَت النصوص دالة على فضل ( لا إله إلا الله ) ،
وعظيم نفعها ، وقد سبق ذكر النصوص الدالة على أن من قال : ( لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة ) .
وبهذه الكلمة يعصم العبد ماله ودمه ، ويصبح مسلماً .
ولكن ليس المراد بهذه الكلمة مجرد النطق ، فلا تنفع هذه الكلمة قائلها عند ربه إلا بسبعة شروط :
1- العلم بمعناها : قال تعالى : ( فاعلم أنَّه لا إله إلاَّ الله ) [ محمد : 19 ]
وقال : ( إلاَّ من شهِد بالحق وهم يعلمُون ) [ الزخرف : 86 ] .
وفي الصحيح عن عثمان بن عفان – رضي الله عنه – قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة ) . (1)
اليقين :
بأن يكون القائل مستيقناً بمدلول هذه الكلمة يقيناً جازماً ،
فإن الإيمان لا يغني فيه إلا اليقين لا الظن ،
قال تعالى : ( إنَّما المؤمنون الَّذين آمنوا بالله ورسوله ثُمَّ لم يرتابوا ) [ الحجرات : 15 ]
فاشترط في صدق إيمانهم كونهم لم يرتابوا ،
أي لم يشكوا ، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( أشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، لا يلقى الله بهما عبد غير شاكّ فيهما فيحجب عن الجنة ) . (2)
وفي الصحيح أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل أبا هريرة بنعليه قائلاً له :
( من لقت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة ) (3)
فاشترط دخول قائلها الجنة أن يكون مستيقناً بها قلبه غير شاكّ فيها ، وإذا انتفى الشرط انتفى المشروط .
القبول
لما اقتضته هذه الكلمة بقلبه ولسانه ،
وقد حدثنا القرآن أن الله عذب المكذبين من الأمم الذين رفضوا هذه الكلمة ، واستكبروا عنها :
( إنَّهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلاَّ الله يستكبرون – ويقولون أئِنَّا لتاركوا آلِهَتِنَا لشاعرٍ مجنون ) [ الصافات : 35-36 ]
جعل الله علة تعذيبهم وسببه هو استكبارهم عن قول لا إله إلا الله ، وتكذيبهم من جاء بها .
الانقياد
لما دلت عليه ، قال : ( وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له ) [ الزمر : 54 ]
وقال : ( ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسنٌ فقد استمسك بالعروة الوثقى ) [ لقمان : 22 ] ،
ومعنى يسلم وجهه أي ينقاد ، وهو محسن ؛ أي موحد ، والعروة الوثقى فسرت ( بلا إله إلا الله ) .
الصدق
وهو أن يقولها صادقاً من قلبه ، يواطئ قلبه لسانه ،
قال الله عزّ وجلّ :
( ومن النَّاس من يقول آمنَّا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين – يخادعون الله والَّذين آمنوا وما يخدعون إلاَّ أنفسهم وما يشعرون )
[ البقرة : 8-9 ] .
فهم كاذبون في قولهم، يبطنون غير ما يعلنون ، وفي الصحيحين عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار ) (4) ،
فاشترط في النجاة من النار أن يقولها صدقاً من قلبه .
الإخلاص
وهو تصفية العمل بصالح النية عن جميع شوائب الشرك ،
قال الله تعالى : ( ألا لله الدين الخالص ) [ الزمر : 3 ] وقال : ( وما أمروا إلاَّ ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ) [ البينة : 5 ] .
وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه ونفسه ) . (5)
وفي الصحيح عن عتبان بن مالك – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( إن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله عزّ وجلّ ) . (6)
المحبة
لهذه الكلمة ولما اقتضته ودلت عليه ولأهلها العاملين بها الملتزمين لشروطها وبغض ما ناقض ذلك ،
قال الله عزّ وجلّ : ( ومن النَّاس من يتَّخذ من دون الله أنداداً يحبُّونهم كحب الله والَّذين آمنوا أشدُّ حبّاً لله ) [ البقرة : 165 ]
فأخبر أن عباده المؤمنين أشد حباً له ، وذلك لأنهم لم يتخذوا من دونه أنداداً ، وعلامة حب العبد ربه تقديم محابه ،
وإن خالفت هواه ، وبغض ما يبغض ربه وإن مال إليه هواه ، وموالاة من والى الله ورسوله ،
ومعاداة من عاداه الله ورسوله ، واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره وقبول هداه .
إشارة السلف إلى بعض هذه الشروط :
قال الحسن البصري للفرزدق – الشاعر المعروف – وهو يدفن امرأته :
ما أعددت لهذا اليوم ؟ قال : شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة .
قال الحسن : نعم العدّة ، لكن للا إله إلا الله شروطاً ، فإياك وقذف المحصنات .
وقيل للحسن البصري : إن ناساً يقولون :
من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ، فقال : من قال : لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة .
(2) رواه مسلم : 1/57 . ورقمه : 27 .
(3) رواه مسلم : 1/60 . ورقمه : 31 .
(4) رواه البخاري : 1/226 . ورقمه : 128 .
(5) رواه البخاري : 1/193 . ورقمه : 99 .
(6) رواه البخاري : 1/519 . ورقمه : 425 .
موضوع قيم
جعله الله في ميزان حسناتك اختي