لاشك أن تأسيس العقيدة السليمة منذ الصغر أمر بالغالأهمية في منهج التربية الإسلامية ، وأمر بالغ السهولة كذلك .
ولذلك اهتمالإسلام بتربية الأطفال على عقيدة التوحيد منذ نعومة أظفارهم ، ومن هنا جاء استحبابالتأذين في أذن الـمـولود ، وسر التأذين -والله أعلم- أن يكون أول ما يقرع سمعالإنسان كلماته المتضمنة لكبريـاء الـرب وعـظـمـتـه ، والـشهادة التي أول ما يدخلبها في الإسلام ، فكان ذلك كالتلقين له شعار الإسلام عند مـجـيـئـه إلـى الدنيا ،كما يلقن كلمة التوحيد عند خروجه منها .
ومن ثم يتولى المربي رعاية هذهالنبتة الغضة ، لئلا يفسد فطرتها خبـيـث الـمؤثرات ، ولا يهـمـل تعليمه العقيدةالصحيحة بالحكمة والموعظة الحسنة، لأن العقيدة غـــذاء ضـروري للـروح كضرورة الطعامللأجسام ، والقلب وعاء تنساب إليه العقائد من غير شعور صاحبه، فإذا ترك الطفل وشأنهكان عرضة لاعتناق العقائد الباطلة والأوهام الضارة ، وهذا يقتضينا أن نخـتـار له منالعقائد الصحيحة ما يلائم عقله ويسهل عليه إدراكه وتقبله ، وكلما نما عقله وقــويإدراكـــه غذيناه بما يلائمه بالأدلة السهلة المناسبة وبذلك يشب على العقائدالصحيحة، ويكون لـه مـنهـا عـنــد بلوغه ذخر يحول بينه وبين جموح الفكر والتردي فيمهاوي الضلال
–جوانب البناء العقدي عند الطفل المسلم :
أ- الإيمان بالله – جل وعلا– :
إن أهم واجبات المربي ، حماية الفطرة من الانحراف ، وصيانة العقيدةمن الشرك ، لذا نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن تعليق التمائم تعويداًللصغير الاعتماد على الله وحده : « من علق تميمة فلا أتم الله له » .
وإذا عرفنا أن وضع التميمة والاعتقاد فيها شرك ، جنبنا أطفالنا هذاالشرك ، وبعد ذلك يوجه المربي جهده نحو غرس عقيدة الإيمان بالله في نفس الصغير فهذهأم سليم الرميصاء أم أنس بن مالك خادم الرسول – صلى الله عليه وسلم – ورضي اللهعنهم أجمعين أسلمت وكان أنس صغيراً ، لم يفطم بعد، فجعلت تلقن أنساً قل : لا إلهإلا الله ، قل أشهد أن لا إله إلا الله ، ففعل ، فيقول لها أبوه : لا تفسدي علىابني فتقول : إني لا أفسده .
كان أبوه ما يزال مشركاً ، يعتبر أنالتلفظ بعقيدة التوحيد، والنطـق بالـشـهـادتين إفساداً لطفله ، تماماً كما يرى كثيرمن الملاحدة ، أصحاب المذاهب الهدامة ، والطــواغـيـت في الأرض ، في هذا العصر يرونأن غرس الإيمان وعقيدة التوحيد ، إفساد للناشئة ، وإبعاد لهم عن التقدمية كمايزعمون .
ب- تعويد الأطفال حب رسول الله -صلى اللهعليه وسلم- وتوقيره :
–عـلـى الـوالـديـن وموجهي الأطفال أنيغرسوا حب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في نفوس الناشئة، فـحـب رسـول الله مـنحـب الله – جـل وعلا – ولا يكون المرء مؤمناً إلا بحب الله ورسوله.
عن أنس – رضيالله عنه – قال ، قال رسول الله -صلـى الله عـلـيـه وسـلـم- : »لا يؤمن أحدكم حتىأكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين« .
وعلينا أن نُفهم الطفل بعضالشمائل الطيبة، نقتبسها من السيرة النبوية ، مـن صـفـاته -صلى الله عليه وسلم- مثل : الرحمة بالصغار، وبالحيوان وبالخدم… وأن نحكي له بعض القصص المحببة في هذاالشأن من سيرته – عليه الصلاة والسلام – ، ومن سيرة أصحابه الـكـرام ، وذلك حـتـىيـتـخـلق بخلق رسول الله ، فيرحم الصغار والضعاف ، ولا يؤذي الحيوان .
ج- الإيمان بالملائكة :
الملائكةجند الله ، يأتمرون بأمره ولا يعصونه.. إن في العالم مخلوقات كـثـيـرة لا نعرفها،يعلمها خالقها – جل وعلا – ومن بينها الملائكة… بهذه الصورة يمكن أن نتحدث عن هذاالركن الإيماني الغيبي أمام الأطفال ، ونضيف لهم : إن أعمال الملائكة كثيرة نستشفهامن بعض الآيات الكريمة،ومن ذلك حفظ الإنسان { إن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَاحَافِظٌ} [الطارق:4]. وكتابة ما يعمله في حياته {مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إلاَّلَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ ق:18
–
وكم يسعد الأطفال عندما تجمعهم أمهم، لتحدثهم عن الجنة ونعـيـمـهـا، والملائكة فيها ، إذ تبشر المؤمنين كقوله – تعالى -:{إنَّ الَذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُـوا تَتَنَزَّلُعَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا ولا تَحْزَنُوا وأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِالَتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلَيَاؤُكُمْ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَاوفِي الآخِرَةِ ولَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ ولَكُمْ فِيهَا مَاتَدَّعُونَ (31) نُزُلاً مِّنْ غَـفُـورٍ رَّحِـيـمٍ (32) ومـَـنْ أَحْـسَـنُقَـوْلاً مِّمَّن دَعَا إلَى اللَّهِ وعَمِلَ صَالِحاً وقَالَ إنَّـنِـي مِـنَالمُسْلِمِينَ}[ فصلت:30-33] .
فالأم بذلك تستفيد من صفات طفولةأبنائها، في خدمة عقيدتها، ويجددون مرضاة الله (تعالى) .
د- عدم التركيز على الخوف الشديد من النار :
إن الطفلذو نفس مرهفة شفافة، فلا ينبغي تـخـويـفـه ولا ترويعه ، لأن نفسه تتأثر تأثراًعكسياً .. يمكن للمربي أن يمر على قـضـيـة جـهـنـم مراً خفيفاً رفيقاً أمام الأطفال، دون التركيز المستمر على التخويف من النار، ظناً منه أن هذه وسيلة تربوية ناجحة ..
أخـرج الحـاكـم والـبـيـهـقـي عن سهل بن سعد – رضي الله عنه – : أن فتىمن الأنصار دخلته خشية الله، فكان يبـكـي عـند ذكر النار، حتى حبسه ذلك في البيت ،فذُكر ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فـجـاءه فـي الـبـيت ، فلما دخل عليهاعتنقه النبي ، وخر ميتاً فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : »جهِّزوا صاحبكم فإنالفَرَق فَلَذَ كبده! .
هـ – الإيمان بالقدر :
وعلينا أن نزرع في نفس الطفل عقيدة الإيمان بالقدر منذ صغره ،فيفهم أن عمره محدود، وأن الرزق مقدر ولذلك فلا يسأل إلا الله ، ولا يستعين إلا به، وأن الناس لا يستطيعون أن يغيروا ما قدره الله – سبحانه وتعالى – ضراً ولا نفعاً، قال – تعالى – : {قُل لَّن يُصِيبَنَا إلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُلَنَا}[التوبة:51] .
أما كيف يتم ذلك؟ فمن خلال انتهاز الفرص المناسبة،ولعل أبرز الظواهر التي تلفت نظر الأطفال في هذا المجال : ظاهرة الموت ، فهم قديتقبلونه تقبلاً معتدلاً، وذلك في ظل أسرة لا تبدي جزعها من الموت ، وتُشعر الأطفال – وببساطة – أن من ينتهي عمره يموت. أما إن شعر الأطفال – بطريقة ما – أن الموتعقوبة وذلك من خلال التعليق على موت أحد الناس: "والله إنه لا يستأهل هذا الموت"! كما تقول بعضهن في لحظة انفعال، نسأل الله المغفرة والهداية، وكذا إن هددت الأمطفلها بالضرب والتمويت ؛ فيزرع في ذهنه أن الموت عقوبة وليس نهاية طبيعية ومنتظرةللجميع مما يجعلهم يجزعون منه مستقبلاً، وهذا ما يتنافى مع عقيدة الإيمانبالقدر