تخطى إلى المحتوى

العلم كتابة و نشرا 2024.

العلم
كتابة و نشرا

كتبها: فيصل الملوحي

لو تتبعنا وسائل الكتابة والنشر عبر التاريخ لوجدنا أنّها تطوّرت تطوّراً هائلا:

– فمن كتابة بالريشة وحبر الدواة ****** و صعوبة يلقاها الكاتب في النَّسْخ
– وإلى كتابة بالقلم ****** وقدرة على زيادة محدودة لعدد النسخ
– ثُمّ إلى مطبعة – تطوّرت كثيراً- ******و تمكّن عمالها من طبع آلاف الكتب
– ثّمّ إلى حاسوب و شبكة دوليّة للمحترف وغيره****** وسرعة هائلة في نسخ آلاف وآلاف..

اقتصر التصنيف قديماً على أهل العلم والأدب ( ولكن لم يكن العلم بهذه السعة وهذا التفرّع اللذين نشاهدهما في العصر الحديث). أمّا كتابته ونشره فقد سهّله مال العالم، أو صلته الطيّبة بالسلطان، أو مجموعة المريدين المحبّين.
أمّا اليوم .. فقد أسهمت الشبكة الدوليّة في تعميم القدرة على الكتابة:
– فكتب فيها العلماء و أنصاف العلماء و المثقّفون ومن ( يفكّون الخطّ )،
– من تمكّن منهم في بحثه و من يعرف من البحث خيالات،
– من ضلُع في لغته، ومن عرف بعض قواعدها، ومن أتقن الدارجة!!

تمكّن العلماء وأنصاف العلماء أصحاب المال والنفوذ والدعايةََ من تكوين مواقع خاصّة،و اقتصرت المنتديات – غالباً – على المثقّفين ومن هم أدنى، أو العاجزين عن تملّك المال، أو من حرموا أن يكونوا أصحاب نفوذ.

فماذا كانت النتيجة؟

أمّا حسنات الشبكة الدوليّة فكثيرة، فقد استطاع العلماء نشر علمهم بين الراغبين من شرائح المجتمع كلّها، ووضع الأدباء والشعراء خلاصة مشاعرهم بين أيدي العامّة و الخاصّة، وتمكّن كلّ فرد مهما علت مرتبته الفكريّة أو تدنّت أن يشارك في التلقّي والتعليق.
ولكن اسمحوا لي أن أوضّح السيّئات، كي نحاول التقليل من أضرارها والبحث في وسائل التخلّص منها جزئيّاً أو كلّيّا.
لو أردنا الموازنة بين قيمة الكتاب عند صاحبه قديماً، وما يكتب في الشبكة الدولية والحاسوب، لوجدنا أن كفّة الكتاب هي الراجحة، فكلّكم يعلم أنّ التعب في الحصول على شيء يرفع قيمته في نظر من حصّله. الكتاب المنسوخ باليد كان أعظم في نفس صاحبه ( قبل اختراع المطبعة ) من الكتاب المطبوع، والأخير كان مصاناً من صاحبه لأنّ له ثمنا يقتطعه من لقمة عيشه ( إلا إذا كان من المنعّمين )، فتصوّر هذا بجانب ما تُكلّفنا اليوم نسخ الشبكة والحاسوب!
تمهّل، ولا تجعلني ممّن يُؤمنون أنّ الدوافع الماديّة هي الأصل في سلوك الفرد_ حاش لله!- فمن يُؤمن بقيمة الكلمة لن يُهينَها سواء حصل عليها بشقّ النفس، أو ( على بارد المستريح! )، ولكن لا نكران لطغيان المادّة على بعض النفوس!
ولكن المشكلة أنّ الالتزام بالمنهج العلميّ أخذ يفقد بعضاً من احترامه ( أقول بعضاً، فلا تضخّموها! )، وقلّ الحذر من الخطأ، فأنت تكتب وحدك ( دون أن نلغيَ تصوّرك – وأنت تكتب – جمهورَ القرّاء يقرؤون ما تكتب )، فلا أستاذ يُصحّح أخطاءك، ولا محاور ( يتصيّد لك الزلات ).

فقلّ الحرص في التثبّت من المصادر العلميّة.

(تساوت الرؤوس)ولهذا حسناته فالناس سواسية (في أصل الخلقة الإنسانيّة)، ولكن يتمايز الناس بعدها بحسب المبدأ الذي تحمله، فلو كنت من أهل المادّة قلت: أنا أقدّم صاحب المال لأنّ المال عماد الحياة، و إن كنت ممّن يؤمنون بوجود الروح وأنها المحرّك الأقوى، وأنّ لهذا الكون المادّيّ خالقاً يقدّم عنده الصالحين لا أصحاب المال، كان أفضل الناس لديك أنفع الناس للناس، و من أنفع الناس صاحب العلم، فهو الذي يرشدهم إلى العمل المادّيّ الصحيح، ويرشدهم إلى السلوك الحسن في الحياة، ولكن فريقاً من الناس لم يُؤمنوا بهذا- في أعماقهم – ،

فقلّ الحرص في احترام من هو أعلم.

(و الاحترام شيء، والجرأة على قول الحقّ شيء آخر، بشرط أن تكون متيقّنا ممّا تقول، مالكاً لبراهينه، حريصاً على الأدب مع من هو أعلم منك، غير متعالٍ عليه بعلمك!)

تحرص إدارات المنتديات الشعبيّة على طلب الالتزام بآداب الحوار، ولكن التدقيق في هذا الأمر عسير، موكول إلى ضمائر المتحاورين.

ظاهرة الأسماء ( الملغومة ) مفيدة للكاتب، لأنّه يكون أجرأ على الإدلاء بآرائه، وآمن على نفسه، ولكنّ المعرفة الشخصيّة تجعل المحاور أقرب إلى محاوره، وأكثر التزاماً بما يقول، فما يقوله ليس كلاماً يُلقى في الهواء، وبخاصّة إذا كنّا نقرأ لمن نريد أن نقتديَ به، والقدوة الصالحة ليست كلاماً، وإنّما عمل وسلوك والتزام بما يقول، ألم ترهم كانوا يُمحّصون حياة الإنسان حتّى يثقوا بما ينقل من حديث شريف!
كان لبنت الشاطئ ( عائشة عبد الرحمن ) قديماً بعض من عذر يوم استخدمت هذا اللقب، أمّا اليوم فمن الضروريّ أن أعرف صاحب الكلام، فإذا أخطأ التمست له العذر(أو شككت في أمره )، فالكتابة خطيرة إذا كانت من خبير قادر ( على اللعب بالكلام )، فينساق وراءه من يجهل مراميَه البعيدة!
انظر إلى الجامعات، إنّها لا تقبل أن تعود إلى الشبكة الدوليّة في توثيق ما تكتب ( إلا إذا كانت دراسة وصفيّة).
ليس كلامنا إلغاء لقيمة الحاسوب والشبكة الدوليّة، وإنّما علينا أن نحاول الالتزام بالمنهج الصحيح ونحن نستخدمهما.

ملحوظة: قد يفضّل بعضهم استخدام مصطلح (معلوماتيّة = informatique)، ولكن آثرت ألا يضيع البحث في تحديد معناها، و في تشعّباتها التي لا علاقة لها ببحثنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.