و في الحكم على الأشخاص والأمر بالعدل
لفضيلة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ
أيها المسلم، وإذا تأمَّل المسلم كتابَ الله وسنة محمد حقَّ التأمل رأى أن العجلةَ مذمومة، وأنه لا خير فيها، أعني العجلة في غير ما أُمرت به من الأوامر الشرعية، فالعجلة في الأمور والتصرفات تعود على الشخص بالندامة شاء أم أبى.
فمن ذلكم ـ يا عباد الله ـ نقلُ الأخبار وإشاعة الأخبار، يكون عند بعض الناس عجلة، فأي خبر سمعتْه أذُناه نشر ذلك الخبر وأشاعه من غير تثبت، أهذا الخبرُ حق أم باطل؟ أصدقٌ أم كذب؟ مجرد خبر يسمعه لا يستطيع أن يكتمه، بل لا بد أن يشيعه وينشره، ولو كان هذا الخبر غيرَ واقع، ولو كان كذباً في باطن الأمر. ولهذا يقول : ((كفى بالمرء كذباً أن يحدِّث بكل ما سمع))[4]، فمن حدَّث بكل ما سمع اعتُبر كاذباً؛ لأن الخبر قد يُستقصى فلا يُرى له صحة، فيُتَّهم بالكذب وهو لم يقصد ذلك، لكن عجلته في الأخبار أوجبت له أن يوصَف بتلك الصفة الخاطئة.
ومن العجلة المذمومة الحكمُ على الأشخاص، وإصدار الحكم على فلان وفلان، بأن فلاناً فاسق، وبأن فلاناً مجروح العدالة، وبأن فلاناً كافر، وبأن فلاناً ذا رأي مخالف للشرع، ونحو ذلك مما قد يستعجل فيه البعض من غير خوف من الله وورع وتأكُّد.
أيها المسلم، لتعلم أن الله محاسبك على كل ما تقول ، فإذا حكمتَ على أيٍّ كان بحكم فاعلم أن الله سائلك عنه، تحكمُ عليه بالبدعة اللهُ سائلك عن ذلك، تحكمُ بالفسق أو تحكم بالكفر أو تحكم عليه بالعولمة أو تحكم عليه بأي وصف كان، فاتق الله في حكمك قبل أن تُصدره، اتق الله فيه قبل أن تقول، فربما ساء فهمُك لِما نُقل إليك، وربما يكون لمَن نَقل عنه قلةُ إدراك ووعي منه، ولا يحيط بما قال، ولا يدرك حقيقة ما تكلم به، فكان المطلوب الاتصال بذلك الإنسان، ومناقشتُه عما قيل عنه: أحق ما نسب إليه أم غير حق؟ أكان عنده تأويلٌ عَرَض له أم كان مجازفاً في الأمور لقلة إيمانه وخوفه من الله؟ المهمُّ أن يكون حكمُك واقعاً على حقائق لا على ظنون وأهواء، فالمصيبة أن تكون الأحكام تنطلق من هوىً في النفس، والهوى يعمي ويصمُّ، يٰدَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَـٰكَ خَلِيفَةً فِى ٱلأرْضِ فَٱحْكُمْ بَيْنَ ٱلنَّاسِ بِٱلْحَقّ وَلاَ تَتَّبِعِ ٱلْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ [ص:26]. كراهيتُك لبعض الناس وعدم التِئَام طبعك مع طباعهم لا يُجوِّز لك أن تحكم عليهم بالأحكام الجائرة من غير رويَّة في الأمور، فإن من حكم على الناس من غير رويَّة في أموره قد يعود عليه ذلك الأمر بالضرر عليه في نفسه، ومن قال لأخيه: يا عدو الله، وليس كذلك إلا حار عليه، أي: رجع عليه. هكذا يقول النبي [5].
أيها المسلم، إن الله أمرك بالعدل في قولك مع العدوِّ والصديق: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ ٱعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ [المائدة:8]، مع العدوِّ والصديق، احكم بالعدل لا بالهوى والظنون الباطلة، وَإِذَا قُلْتُمْ فَٱعْدِلُواْ [الأنعام:152]، ميزانُ حقٍّ أن تلتزمه في الأقوال والأعمال، ولهذا الله جل وعلا قال للمؤمنين: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُواْ أَن تُصِيببُواْ قَوْمَا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَـٰدِمِينَ [الحجرات:6].
|
شكرا لك أخت براءة
كل الناس فيهم هذه العادة و ليس النساء فقط