تخطى إلى المحتوى

الصفا والمروة : 2024.

كتب إليّ سائلاً :
( القرآن الكريم يقول بان الصفا والمروة من شعائر الله فسرها القرآنيون عدة تفسيرات منهم من قال انهما نوعان من انواع الذبائح شأنها شأن الجمال والبقر والماعز والضأن, ومنهم من قال انهما اسمان لإنعام برية كالغزلان والوعل والايل ومنهم من قال انهما نوعان من الطيور كالدجاج والديك الرومي أو البط مستدلين ان شعائر الله ليس كما ورد في التراث من كونهما اسمين لمكانين يتطوف بهما.
وفسروا التطوف بهما بعد الذبح بالطواف بها على الفقراء والمساكين في الحرم.
ومنهم من قال انهما نوع من البهائم يجوز للحاج التطوف عليهما كوسيلة تنقل للحاج كما هو الحال في المواقع السياحية )
ما أرجوه منكم توضيح الآية الكريمة

فرددت :
هذه الآية الكريمة ، وأنا ، ولا أُلزم غيري ، آخذ التفسيرَ ، ومن ثم الفهم فالعمل ، قرآناً بالقرآن ، فَـ ، وليس ثُم ، قرآناً بالحديث بحسب ضوابطه ، فَـ قرآناً بما ورد ، بحسب ضوابطه ، عن الصحابة رضي الله عنهم . وغير ذلك يأتي " بعد " لا " قبل " ولا " مع " .
هذه واحدة من قواعد الإيمان الصحيح ، حيث قام أمران في نفس المؤمن الذي كان ، ولوقتٍ قريبٍ ، غيرَ مؤمن … وربما كان كافراً ، هذان هما :

– " التصورات " التي بقي هذا ، وقد صار مؤمناً ، أسيراً لها ، ما أفرزَ – لزومَ ما يلزم – قِيماً شكّلتْ سلوكَه إزاء : الأفراد ، والأشياء ، والأفكار .

– و " التعليم " الذي مورس عليه طيلةَ ثلاث عشرة سنة ، هي عُمْرُ الدعوة في مكة المكرّمة ، هذا العمر الذي يجب علينا تأمله مقارَناً بعمرها في المدينة .

هذا " جزءٌ " داخلٌ في " كُل " ذي اتصال بقضايا تشريعية امتدت ، طبيعياً ، لقضايا عقدية : الصلاة ، أولاً ، باتجاه بيت المقدس ، ثم " التحول " باتجاه الكعبة / البيت الحرام . كذلك الحج لهذا البيت المكرّم . وكل هذه الإشكالية طرحها القرآن الكريم ، وهو عندنا شامل وكامل ( وتَجِب ملاحظةُ ورود هذا في سورة هي من أطول السور نقاشاً لليهود خاصة … ولغيرهم من أهل الكتاب عامة ) ، ليرد على المغرضين من أهل الكتاب ، هذاً أولاً ، ثم ليرفع " الحرج " / " العنت " / " الإصر " عن الـ مؤمن وقد أعيدت " صناعة " " قيمه " على يد الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، في أحد عُمْرَيْ الدعوة : العُمْر المكي .
هكذا أفهمُ القرآنَ الكريم : لغته واضحة ، قضاياه " مكشوفة " لأنها ليست " مجروحة " ، أوامره ، ونواهيه ، مستقيمة بلا " لف ولا دوران " ، أفعال ( = تطبيقات ) الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، كقيادة ، صريحةٌ وحادةٌ وجادةٌ ، أفعال ( = امتثال ) المعاصرين ( = الصحابة ) رضي الله عنهم ، مستجيبة في صراحة و " راحة " نفسية وسلوكية ، أشاعت رضا على هؤلاء نفوساً وأجساماً ، فباتوا يمارسون شعائر دينهم ، وقضايا حياتهم ، عن يقين المشاهِد لا المراقَب فقط .

كاد أن يقوم " انفصام " في شخصية المسلم إذ يُطالَب بالطواف ( ومعناه معروف غير ملفوف لا عليه ولا علينا ، وبدون فذلكة من البعض كما فُعل بـ " فاقطعوا أيديهما " ) بـ " كعبة " كان ، منذ قليل زمن ، يطوف بها مشركاً … بل ، وعليها ، كما ورد في السنة الشريفة ، صنما أساف ونائلة ، فهو محير : أيطوف بهذا المكان نفْسِه ، أم يمتنع إبعاداً لذكريات الجاهلية والكفر !!! ولما كان لآي القرآن الكريم " سبب نزول " ، ولما كان الله تعالى ، عبْر نبيه ، يعيد صياغة فكر هؤلاء ، ومن ثم معتقدهم فسلوكهم بحسب التصور الإسلامي الجديد جدة كاملة ، فقد نزل الوحي على الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، يبين أن القضية ليست " المكان " بل الطائف حول المكان … وهذا ، لعمري ، إجراء تربوي يؤسسه الإسلام عبر الحديث : " إنما الأعمال بالنيات " .
تخوّفُ المسلمِ الآني ، المشرك / الكافر السابق ، هو نتيجة لازمة عن مقدمات ارتبطت بها ارتباطاً منطقياً ، هذه المقدمات هي التربية التي ربّى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أصحابَه عليها بشكل جديد من خلال بث : تصورات ، فقيم ، فضمائر ، فكان هكذا سلوك المتخوف الذي يجعل صاحبه يتردد عن أمر لمجرد تذكيره بفعلٍ فَعلَه وقت أن كان على غير ملة الإسلام ، لكن ، وفي نفس الوقت ، راح النبي ، صلى الله عليه وسلم ، يبين لهؤلاء الشكر على هكذا شعور / تخوّف ، لكن لا بد من اعتبار " النية " التي تغيرت كليةً بفعل تربية دامت ثلاث عشرة سنة ، فتغيرت القيم ، وتغير معها " المتجَه " إليه … هنا أُمِرَ المسلمُ أن " الصفا والمروة من شعائر الله " ، وحال طفتَ بهما أيها المسلم ، فأنت مؤدٍّ لشعيرة من شعائر الله ، وأنت تقصد بذلك الفعل اللهَ عز وجل ، بعد أن انقطعت الصلة بين هذا الفعل بصورته الآنية ، وبينه بصورته الجاهلية القديمة ، لأن " القصد " اختلف تماماً ، فيجب أن ينزاح الخوف ، ويكف التردد ، ويصير " ربط " كل الشعائر بما أقره الإسلام من تصورات وقيم .
ثم لك أن تلاحظ ختامَ الآية الكريمة : " فالله شاكر عليم " !!! اللهُ ، في عُلاه ، يشكر " العبدَ !!! يا اللـــــــــــه ، نعم ، لأن هذا العبد تقبّل " النقلة " النوعية ، فصحت منه العبادة في نفس المكان ، ونفس الشكل ، لكن القصد غير القصد ، والأعلم بهذا كله هو الله تعالى الذي ختمت الآية بأنه " عليم " أي كيف تشكلت " الضمائر " فكان أن اتجهت " النوايا " نحو الله ، لا نحو أساف ونائلة .
أرجو أن أكون قد أصبتُ .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.