ما معنى وجود دم في البول عند البالغين؟ هل يشكل خطرا أو انه عارض عابر لا أهمية له؟ هل يستدعي استشارة طبية عاجلة؟ ما هي التحاليل والفحوصات التي يجب إجراؤها للتحري عن أسبابه؟ وما هي افضل الوسائل لمعالجته؟.
اسئلة كثيرة تدور في ذهن رجل أو امرأة يشتكي من البيلة الدموية.
وللإجابة عليها علينا أولاً ان نميز بين البيلة الدموية الظاهرة، أي وجود دم ظاهر في البول يراه المريض ومن حواليه والبيلة الدموية المجهرية الذي لا يظهر إلا بالفحص المجهري للبول.
فالأول يعتبر حالة طارئة تستدعي فحصا شاملا وعاجلا على الكلى والجهاز البولي والثاني أقل خطورة ولكنه يتطلب ايضا تحاليل واختبارات كاملة ولكنها غير طارئة للتحري عن اسبابه التي قد تشكل في بعض الحالات خطرا على المريض.
ونسبة حدوث البيلة الدموية هي في حدود 13إلى 40% عالميا.
للبيلة الدموية الظاهرة اسباب عديدة منها ما يشكل خطرا على حياة المريض ومنها ما يكون ذا اسباب غير مهمة أو خطيرة. وقبل المباشرة في فحص المريض الشامل علينا التأكيد ان احمرار البول ليس نتيجة بعض المأكولات كالبنجر مثلا أو بعض العقاقير مثل "بيريديوم" وغيرها من الاسباب غير الطبية كالطمث أو الركض الطويل مثلا.
واما اذا تبين في فحص البول المجهري غياب الكريات الحمراء في البول فهذا عادة دليل على سلامة الجهاز البولي ولا حاجة في هذه الحالات إلى اجراء الفحوصات الكاملة مباشرة لا بل متابعة المريض وفحصه مجددا بعد بضعة اسابيع لأن في بعض الحالات تكون البيلة الدموية متقطعة وأحيانا عرضا لأمراض خطيرة حتى لو انقطع الدم في البول تلقائيا وبدون علاج.
واما إذا ثبت وجود دم في البول في التحليل المجهري فعلينا أولاً التميز بين نزيف مصدره التهاب في كبيبات الكلية واسبابه عديدة منها وراثية ومنها ناتجة عن التهابات في اللوزتين أو الحلق مع تفاعل حساسي للكلية وبين أمراض أخرى تصيب الكلى والمسالك البولية والتناسلية.
فشكل الكريات الحمراء في البول أو وجود كريات بيضاء تدل على وجود التهاب وارتفاع تركيز الزلال أو وجود اسطوانات دموية أو حبيبية او خلايا سرطانية قد تساعد على تشخيص المرض المسبب للبيلة الدموية.
الأعراض
وقبل المباشرة باجراء التحاليل والفحوصات يتم استنطاق المريض عن عوارضه السريرية مثل الآلام الحادة في الخاصرة أو أعلى البطن مع غثيان واقياء وعوارض بولية أخرى قد تدل على وجود حصوة في الكلية أو الحالب أو انسداد فيهما، أو نتيجة تضخم حميد أو خبيث للبروستاتا أو وجود ألم وحرقان شديد في البول مع الصعوبة في التبول والحاح وتكرار التبويل التي توحي عن وجود التهاب حاد في البروستاتا أو المثانة وغيرها من العوارض التي قد تساعد على التشخيص.
ويتم بعدها فحص المريض الفيزيائي بدقة مع التركيز على الكلى والجهاز البولي والتناسلي والتحري عن وجود ورم في الكلية أو البطن أو الحوض أو تضخم أو التهاب أو تحجر في البروستاتا.
وفي جميع حالات البيلة الدموية الظاهرة وفي بعض حالات البيلة الدموية المجهرية خصوصا عند الذين تعدوا 40سنة من العمر يتم اجراء تصوير الجهاز البولي بالصبغة أو بالأشعة المقطعية أو الاشعة المغناطيسية واجراء فحص مجهري على البول لكشف وجود خلايا سرطانية فيه وتنظير المثانة في العيادة تحت بنج موضعي.
وإذا أظهر التنظير وجود ورم أو آفات في المثانة يتم تنظيرها تحت بنج عام في المستشفى وأخذ خزعات وقطع الورم أو تذويبه بالليزر.
وهذا الفحص الشامل يطبق حتى على المرضى الذين لا يشتكون من أية آلام أو عوارض بولية للتأكد عن عدم وجود أي ورم صامت أو أمراض أخرى لا تظهر فيها أية عوارض بولية.
وفي بعض الحالات يجري الجراح تنظير الحالبين والكلى لتشخيص ورم خفي فيها.
الأسباب
وأسباب البيلة الدموية الظاهرة كثيرة منها ما يشكل خطرا على حياة المريض كسرطان الكلية والمثانة والبروستاتا والحالب والقضيب وليمفوم الكلية وأم الدم الأبهري ومنها ما هو أقل خطورة ولكن يستدعي المعالجة كحصيات الكلى والمجاري البولية والمثانة والتهاب الكلية أو المثانة وجزر البول من المثانة إلى الكلية والانسداد ما بين الكلية والحالب والأمراض المثنية للكلى وتضخم البروستاتا وضيق الحالب أو الاحليل وورم المثانة الحليمي وضيق شريان الكلية أو وجود خثار في وريدها. واما الحالات المرضية التي لا تستدعي أي علاج جراحي بل المراقبة والمعالجة الطبية عند اللزوم فتشمل الالتهاب الاشعاعي في المثانة والكلية الضامرة ورتج المثانة وتهيج أعصابها والتهابها غير الجرثومي ونخر حليمة الكلية وضيق في عنق المثانة والتهابات البروستاتا والكلية المتعددة الكيسات وخلل المثانة العصبي المنشأ وكيس ماء في الكلية وغيرها من الحالات التي لا تشكل خطراً على حياة المريض.
الأمراض الخطرة
فما هي نسبة الأمراض الخطيرة والأورام في حال وجود بيلة دموية ظاهرة أو مجهرية حسب الدراسات العديدة التي اجريت على الألوف من المرضى في جميع أنحاء العالم؟ في حال وجود دم ظاهر في البول عند الرجال أو النساء الذين تعدوا 40سنة من العمر فنسبة تشخيص أمراض خطيرة ومنها السرطان تتراوح ما بين 17إلى 25% واما اذا كان عمر المرضى أقل من 40سنة فنسبة الأمراض الخطيرة ومنها الأورام بتدني إلى حدود 10إلى 13%.
واما بالنسبة إلى البيلة الدموية المجهرية يجب علينا التشديد على نقطة مهمة وهي انها قد تحصل عند اشخاص متعافين تماما بنسبة 9إلى 18%، فتشخيصها لا يعني دائما وجود أي مرض ولكن علينا التأكد من ذلك باجراء فحص كامل للمريض. وتعريف البيلة الدموية المجهرية يرتكز على وجود 3كريات حمراء أو أكثر في فحص البول المجهري الذي يجري مرتين أو ثلاث على فترات. فنسبة الأمراض الخطيرة في هذه الحالات عند الرجال الذين تعدوا 50سنة من العمر تتراوح ما بين 48إلى 53% ونسبة الأورام لديهم هي في حدود 8إلى 26%. واما عند الرجال الذين لم يتعدوا 40سنة منهم العمر فنسبة الأمراض الخطيرة في حدود 20% ونسبة السرطان لديهم ضئيلة ما بين 0% إلى 2% .
وفي دراسة على 1000مريض ومريضة يشكون من البيلة الدموية تبين ان حوالي 32% منهم مصابون بأمراض خطيرة و6% بالسرطان. وفي دراسة أخرى على 1034مريضا بدون أية عوارض بولية تبين وجود دم في البول في الفحص المجهري لديهم كانت نسبة الأمراض الخطيرة 22% ونسبة الأورام الخبيثة ,23%. وهذه الأرقام كلها تؤكد ضرورة اجراء فحص شامل على المرضى المصابين بالبيلة الدموية ان كانت ظاهرة أو مجهرية خصوصا إذا ما تعدى عمر المريض 40سنة، واما اذا كان عمر المريض أو المريضة أقل من 40سنة وكانوا من غير المدخنين وبدون عوارض بولية ولم يتعرضوا إلى كيماويات مضرة في عملهم فلا داعي عند هؤلاء باجراء تنظير المثانة. وذلك ينطبق ايضا على بعض المرضى المصابين بأمراض غير خطيرة في الكلية أو الجهاز البولي حيث يمكن ارجاء القيام بتنظير المثانة إلا اذا استمرت البيلة الدموية رغم نجاح معالجتهم.
بيلة بروتينية
واما إذا ما اظهرت التحاليل وجود بيلة بروتينية أو فشل كلوي أو اسطوانات دموية أو حبيبية في البول وكانت نسبة البروتين في البول المجموع لمدة 24ساعة تفوق 500ميلي غرام وشكل الكرويات الحمر في البول مشوهة، ففي هذه الحالات يحول المريض الى طبيب الكلى الذي قد يقرر أخذ خزعة من الكلية بواسطة الابرة لتشخيص الحالة ومعالجتها.
واما في حالات البيلة الدموية المستمرة رغم غياب أية عوامل مرضية أو أمراض كلوية بناء على الفحص الشامل فانذار هذه الحالات ممتاز على المدى الطويل رغم ان بعضهم قد يكون مصابا بالاعتلال الكلوي ويكونون معرضين إلى ارتفاع الضغط الدموي أو البيلة البروتينية في المستقبل ولكن بدون أي تأثير على وظيفة الكلى .
وهذا ينطبق ايضا على البيلة الدموية الوراثية التي لا تشكل عادة أي خطر على المريض.
مجهولة
في حوالي 8إلى 10% من الحالات تكون اسباب وجود الدم في البول مجهولة رغم كل الفحوصات والتحاليل .
فمتابعة هؤلاء المرضى مهم، قد يوضح سبب البيلة الدموية لاحقا لدى حوالي 3% منهم خلال ثلاث سنوات .
ومن هذه الأسباب ظهور ورم خبيث في المثانة لم يظهر أثناء الفحص الأولي .
هذا يؤكد أهمية متابعة المرضى المؤهلين للاصابة بسرطان المثانة وعمرهم يتعدى 40سنة وهم من المدخنين أو المعرضين للكيماويات الضارة في عملهم .
ومن الضروري اعادة التحاليل الكاملة لأي مريض أو مريضة كان فحصهم الأولي سليما اذا ما حصل لديهم نزيف بولي ظاهر أو تبين في الفحص المجهري وجود خلايا سرطانية أو مشبوهة في البول أو اذا ما ظهرت عوارض بولية تهيجية في غياب أي التهاب بولي في غضون ثلاث سنوات من ظهور العوارض الأولية .
وختاما لمناقشتنا هذه يجب التشديد على المثل الشائع والصحيح
واما إذا ما شخص سبب نزيفه وعولج بالوسائل الطبية الصحيحة فأمله في الشفاء بمعونة الله سبحانه تعالى ممتاز حتى لو اصيب بسرطان الكلية أو المثانة في أوائل مراحله .
ربي ان شاء الله يبعد علينا مثل هذه الامراض