أما بعد:
فقد خلق الله الخلق لعبادته، ومن رحمته بهم وفضله عليهم أن نوَّع لهم العبادات، فشرع لهم عبادات قولية، وعبادات فعلية، وعبادات ظاهرة، وعبادات باطنة، وعبادات مالية وعبادات بدنية، وعبادة مشتركة بين البدن والمال، ومن العبادات التي شرعها الله لعباده: الدعاء.
إلا أن الدعاء في بعض الأزمنة والأمكنة والأحوال أرجى إجابة، ومن هذه الأزمنة التي يكون الدعاء فيها مجاب: الدعاء بين الأذان والإقامة؛ لما جاء في الحديث عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (لا يرد الدعاء بين الأذان والإقامة)4، ومعنى لا يرد أي ممن توفرت فيه شروط الدعاء، وانتفت موانعه، لأنه قد جاء في أحاديث أخرى عدم الاستجابة لمن اتصف بصفات معينة، يقول ابن القيم: "هذا مشروط بما إذا كان للداعي نفس فعالة، وهمة مؤثرة، فيكون حينئذ من أقوى الأسباب في دفع النوازل والمكاره، وحصول المآرب والمطالب، لكن قد يتخلف أثره عنه إما لضعف في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله، وجمعيته عليه وقت الدعاء، فيكون كالقوس الرخو، فإن السهم يخرج منه بضعف، وإما لحصول مانع من الإجابة كأكل حرام، وظلم، ورين ذنوب، واستيلاء غفلة، وسهو ولهو، فيبطل قوته أو يضعفها"5.