فضيلة العلامة المحدث محمد ناصر الدين الألباني : السؤال : ما حكم التعامل مع الجن !؟
الجواب : أقول : التعامل مع الجن ضلالة عصرية ، لم نكن نسمع من قبل – قبل هذا الزمان – تعامل الإنس مع الجن ، ذلك أمرٌ طبيعي جدًا ، ألا يمكن تعامل الإنس مع الجن لاختلاف الطبيعتين ؛ قال – عليه الصلاة والسلام – تأكيدًا لما جاء في القرآن : ( وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ) . [ الرحمن : 15 ] .
وزيادة على ما في القرآن . قال – عليه السلام – : ( خلقت الملائكة من نور ، وخلق الجان من نار ، وخلق آدم مما وصف لكم ) .
فإذاً البشر خلقوا من طين والجان خلقوا من نار ، فأنا أعتقد أن من يقول بإمكان التعامل مع الجن مع هذا التفاوت في أصل الخلقة ، مثله عندي كمثل من قد يقول – وما سمعنا بعد من يقول – تعامل الإنس مع الملائكة .
هل يمكن أن نقول بأن الإنس بإمكانهم أن يتعاملوا مع الملائكة !؟
الجواب : لا .
لماذا !؟
نفس الجواب ، خلقت الملائكة من نور وخلق آدم مما وصف لكم ، أي : من تراب ، فهذا الذي خلق من تراب لا يمكنه أن يتعامل مع الذي خُلق من نور .
كذلك أنا أقول : لا يمكن للإنسي أن يتعامل مع الجني بمعنى التعامل المعروف بيننا نحن البشر ، نعم . يمكن أن يكون هناك نوع من التعامل بين الإنس والجن ؛ كما أنه يمكن أن يكون هناك نوع من التعامل بين الإنس والملائكة أيضًا ، لكن هذا نادر نادر جدًا ، ولا يمكن ذلك مع الندرة إلا إذا شاء الملك وشاء الجان .
أما أن يشاء الإنسي أن يتعامل معاملة ما مع ملك ما فهذا مستحيل ، وأما أن يشاء الإنسي أن يتعامل مع الجني رغم أنف الجني فهذا مستحيل ؛ لأن هذا كان معجزة لسليمان – عليه الصلاة والسلام – ، ولذلك جاء في الحديث الصحيح في البخاري أو مسلم أو في كليهما : أن النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – : ( قام يصلي يومًا بالناس إمامًا ، وإذا بهم يرونه كأنه يهجم على شيء ويقبض عليه ، ولما سلَّم قالوا له : يا رسول الله ! رأيناك فعلت كذا وكذا ، قال : نعم . إن الشيطان هجم – أو قال – عليه السلام – هذا المعنى – علي وفي يده شعلة من نار يريد أن يقطع علي صلاتي ، فأخذت بعنقه حتى وجدت برد لعابه في يدي ، ولولا دعوة أخي سليمان – عليه السلام – : قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي . [ ص : 35 ] . لربطته بسارية من سواري المسجد حتى يصبح أطفال المسلمين يلعبون به ) . لكنه – عليه الصلاة والسلام – تذكر دعاء أخيه سليمان – عليه السلام – : ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي ) . [ ص : 35 ] ، لولا هذه الدعوة لربطه الرسول ، لكنه لم يفعل ؛ فأطلق سبيله برغم أنه أراد أن يقطع عليه صلاته .
فالآن ما يشاع في هذا الزمان من تخاطب الإنس مع الجن ، أو الإنسي المتخصص في هذه المهنة يزعم أنه يتخاطب مع الجني ، وأنه يتفاهم معه ، وأنه يسأله عن داء هذا المصاب أو هذا المريض وعن علاجه ، هذا إلى حدود معينة يمكن ، لكن يمكن واقعيًا ولا يمكن شرعًا ؛ لأن ليس ما هو ممكن واقعًا يمكن أو يجوز شرعًا … فإنه يمكن للمسلم أن ينال رزقه بالحرام ، كما ابتلي المسلمون اليوم بالتعامل بالربا معاملات كثيرة وكثيرة جدًا ، لكن هذا لا يجوز ولا يمكن شرعًا ، فما كل ما يجوز واقعًا يجوز شرعًا .
لذلك نحن ننصح الذين ابتلوا بإرقاء المصروعين من الإنس بالجن ، ألا يحيدوا أو ألا يزيدوا على تلاوة القرآن على هذا المصروع أو ذاك في سبيل تخليص هذا الإنسي الصريع من ذاك الجني الصريع – صريع اسم مفعول ، اسم فاعل – ففي هذه الحدود فقط يجوز ، وما سوى ذلك فيه تنبيه لنا في القرآن الكريم على أنه لا يجوز بشهادة الجن الذين آمنوا بالله ورسوله ، وقالوا كما حكى ربنا – عز وجل – في قرآنه : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) . [ الجن : 6 ] .
وكانت الاستعاذة على أنواع ، ولا توجد حاجة للتعرض لها .
المهم أن الاستعانة بالجن سبب من الأسباب لإضلال الإنس ؛ لأن الجني لا يخدم الإنسي لوجه الله ، وإنما ليتمكن منه لقضاء وطره منه بطريقة أو بأخرى .
لقد كنا في زمن مضى ابتلينا بضلالة لم تكن معروفة من قبل ، وهي التنويم المغناطيسي ، فكانوا يضللون الناس بشيء سموه بالتنويم المغناطيسي ، يسلطون بصر شخص معين على شخص عنده استعداد لينام ثم يتكلم – زعم – في أمور غيبية ، ومضى على هذه الضلالة ما شاء الله – عز وجل – من السنين تقديرًا ، ثم حل محلها ضلالة جديدة وهي استحضار الأرواح ، ولا نزال إلى الآن نسمع شيئًا عنها ، ولكن ليس كما كنا نسمع من قبل ذلك ؛ لأنه حل محلها الآن الاتصال بالجن مباشرة لكن من طائفة معينين ، وهم الذين دخلوا في باب الاتصال بالجن باسم الدين ، وهذا أخطر من ذي قبل ، فالتنويم المغناطيسي لم يكن باسم الدين وإنما كان باسم العلم ، واستحضار الأرواح كذلك لم يكن باسم الدين إنما كان باسم العلم أيضًا .
أما الآن ؛ فبعض المسلمين وقعوا في ضلالة الاستعانة بالجن باسم الدين ، ذلك أن الرسول – عليه السلام – ثبت عنه أنه قرأ بعض الآيات على بعض الناس الذين كانوا يصرعون من الجن فشفاهم الله ، هذا صحيح ؛ لكن هؤلاء بدؤوا من هذه النقطة ثم وسعوا الدائرة إلى الكلام : هل أنت مسلم !؟ ما دينك !؟ نصراني . يهودي . بوذي !؟ وبعد ذلك يقولون له : أسلم تسلم ، وبعد ذلك يقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله ، آمن الإنس بكلام الجني وهم لا يرونه ولا يحسون به إطلاقًا ، نحن نعيش اليوم سنين طويلة نتعامل مع بني جنسنا – إنس مع إنس – . وبعد كل هذه السنين يتبين لك أن الذي كنت تعامله كان غاشًا لك ، فكيف تريد أن تتعامل مع رجل من الجن لا تعرف حقيقته !؟ ويقول لك : أسلمت ، ويقول لك : أنا مؤمن ، وأنا في خدمتك ، ماذا تريد مني !؟ أنا حاضر . هذا نسمعه كثيرًا ، سبحان الله !
من هنا يدخل الضلال على المسلمين كما يقال : ( ومعظم النار من مستصغر الشرر ) .
بدأنا مهنة نتعاطها في استخراج الجن من الإنس وتوسعنا فيها حتى صارت واسعة . وقد يسأل سائل فيقول : هل يمكن التعامل مع الجن !؟ فنقول : لا يمكن إلا بما ذكرته آنفًا من التفصيل والنصيحة ، كما قلت آنفًا : أنه لا يجوز لمسلم أن يزيد على الرقية في معاجلة الإنسي الذي صرعه الجني ، يقرأ عليه ما يشاء من كتاب الله ومن أدعية رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الصحيحة . وهناك أشياء عجيبة جدًا ، كلها توهيم على الناس ومحاولة للانفراد بهذه المهنة عن كل الناس ؛ لأنه لو بقيت القضية على تلاوة الآيات فكل أحد يستطيع أن يقرأ بعض الآيات وإذا بالجني يخرج ، يقولون : لا . نريد أن نحيطه بشيء من التمويه والسرية – زعموا – حتى تكون مخصصة في طائفة دون طائفة .
أذكر بقوله تعالى : ( وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنْ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنْ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ) . [ الجن : 6 ] .
نسأل الله – عز وجل – أن يحفظنا عن الانصراف إلى الاستعانة بالجن .
نسأل الله – عز وجل – أن يحفظنا عن الانصراف إلى الاستعانة بالجن
كثرت البدع والخرافات وزاد جهل الناس الطين بلة
هدانا الله لما يحبه ويرضاه
خالص المنى
ربي يجازيك