فإن مما يهتم به المسلمون في شهر رمضان إقامة الإفطار الجماعي في المساجد, حيث يشارك فيها أهل هذا الحي وذاك, وذلك بإعداد الوجبات خلال ليالي هذا الشهر الكريم؛ وهذا العمل بدوره يؤدي إلى زيادة الألفة والترابط بين أهل الحي، ويساعد على التعارف بينهم مما لا يجعل للشخص مسوغاً للتخلف عن صلاة الجماعة، ونشير إلى أنه قد اتخذ إعداد الإفطار الجماعي وسائل منها جمع التبرعات وإيصالها إلى المؤسسات التي تدير مثل هذه المشاريع, ومنها جمع الطعام من مجموعة البيوت بشكل يومي وهذا يكون غالباً في القرى, ولكن قد يتساءل البعض عن حكم إفطار جماعة المسجد فيه قبل الصلاة وإتمام ذلك بعدها؟!.
ذكر الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين -رحمه الله- عندما سئل عن هذه المسألة فقال: (يجوز ذلك في المسجد الحرام والمسجد النبوي اغتناماً للوقت وللمسجد لضيق الأماكن، ولا بأس في غيره عند الحاجة، كمن ليس له منزل، وإلا فيكره، فالأصل تناول طعام الإفطار في المنزل) ا-هـ.
والحقيقة أن الأكل في المسجد ما دام لا يلوثه ويحافظ على فرشه ولا يهان بفعل ذلك، فإنه لا بأس به لما فيه من التعاون على البر والتقوى إذ أن ذلك سبب لجمع الناس على صلاة الجماعة في المسجد, وفيه إطعام للفقراء والمساكين الذين يشاركون الصائمين وجبة إفطارهم في هذا المسجد وذاك, ويضاف إلى ذلك من الإيجابيات أن فيه إطعاماً لابن السبيل الذي يمر من هذا الحي وتلك القرية فيفطر مع إخوانه, وقد ثبت من الوقائع التي تدل على أن الأصل إباحة ذلك.
ومن تلك الوقائع والأحداث سكن أهل الصفة في المسجد، الثابت في البخاري وغيره؛ فإن كونهم لا مسكن لهم سواه يستلزم أكلهم الطعام فيه.
ومنها حديث ربط الرجل الأسير بسارية من سواري المسجد وفي بعض طرقه أنه استمر مربوطاً ثلاثة أيام. ومنها ضرب الخيام في المسجد لسعد بن معاذ –رضي الله عنه-. والسوداء التي كانت تقم المسجد -كما في الصحيحين-. ومنها إنزال وفد ثقيف المسجد وغيرهم, والأحاديث الدالة على جواز الأكل في المسجد متكاثرة
يقول النووي رحمه الله:
ولا بأس بالأكل والشرب في المسجد ووضع المائدة فيه
ومما يشهد لذلك أيضاً ما كان يفعله بعض الصحابة -رضي الله عنهم- من أكلهم في المسجد من ذلك ما رواه الطبراني في الكبير عن عبد الله بن الزبير – رضي الله عنه – قال: (أَكَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَعَامًا فِي الْمَسْجِدِ لَحْمًا قَدْ شُوِيَ فَمَسَحْنَا أَيْدِيَنَا بِالْحَصْبَاءِ ثُمَّ قُمْنَا نُصَلِّي وَلَمْ نتوضأ)
إلا أنه ينبغي التنبه لعيوب موجودة وظاهرة سلبية في بعض الصائمين في المساجد, من ذلك:
الأكل في المسجد من الطعام ذي الرائحة الكريهة فيكرهه الداخلون إليه والمتعبدون فيه, ومن العيوب أن بعض المساجد طغت على مهمتها -في الحقيقة- كثرة الطعام وجعل الأكل في المسجد ظاهرة متفشية.
ومن ذلك: إهانة المسجد وعدم العناية بنظافته أو توسيخه ببعض مخلفات الأكل.
وإليك أخي الصائم والمحسن الكريم بعض المقترحات بشأن تفطير الصائمين في المساجد:
أولاً: أن يكون الإفطار خارج المسجد -إن تيسر- أو بجواره في مخيم مناسب حتى يتسنّى إقامة الصلاة في المسجد في وقتها دون مشقة.
ثانياً: أن يسند الإشراف على تفطير الصائمين في المساجد إلى أئمة المساجد وصالحي الحي أو مؤسسة خيرية بحسب ظروف وبيئة المسجد.
ثالثاً: أن يكلف خدم المسجد بسرعة التنظيف مكان الإفطار, ولا مانع من مساعدة من حضر للإفطار فهو من التعاون على البر.
رابعاً: يقترح أن يكون الإفطار على التمر واللبن والكيك والقهوة لا على اللحوم الدسمة؛ لأنه يكلف في التنظيف للمكان الذي أكل فيه، وإن كان ولا بد من الأطعمة الدسمة فيمكن الاتفاق مع مطاعم معينة يستلم الصائم كرتاً لتناول وجبته فيها في الوقت المناسب.