الأحكام الخاصة بعيد الأضحى
وبعد أيها المسلم ـ وفقك الله للفقه في دينه ـ:
فإن من التقصير التي يقع فيها جمع كثير من أهل الإسلام في أقطار شتى:
ترك تعلم الأحكام الشرعية المتعلقة بالعيد عند حلوله.
وقد كتبت هذه الرسالة المختصرة عن الأحكام الخاصة بعيد الأضحى، عيد المسلمين الثاني، وذلك تذكيراً لي ولك، وقد جعلتها في مسائل ليسهل بإذن الله عليك فهمها، والإلمام بها.
هذا وأسأل الله تعالى أن ينفع بها كاتبها وقارءها والساعي بين الناس في نشرها، أو تفقيههم بها.
ثم أقول مستعينا به عز وجل:
المسألة الأولى / وهي عن مشروعية صلاة العيد.
قال الإمام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في "مجموع الفتاوى" (23/161)عن صلاة العيد:
إنها من أعظم شعائر الإسلام، والناس يجتمعون لها أعظم من الجمعة.اهـ
ومشروعيتها ثابتة بالسنة النبوية المشتهرة المستفيضة، وإجماع أهل العلم، وقد كان النبي r والخلفاء بعده يداومون عليها، ولم يأت عنهم تركها في عيد من الأعياد.
وقد قال ابن عباس:t(( شهدت العيد مع رسول الله r وأبي بكر وعمر وعثمان y فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة ))رواه البخاري (962) واللفظ له، ومسلم (884).
وقال جابر بن سمرة t: (( صليت مع رسول الله r العيدين غير مرة ولا مرتين بغير أذان ولا إقامة )) رواه مسلم ( 887).
بل حتى النساء كن يشهدنها على عهد رسول الله r، فقد قالت أم عطية ـ رضي الله عنها ـ: (( كنا نؤمر أن نَخْرُجَ يوم العيد، حتى نُخْرِج البكر من خدرها، حتى نُخّرِج الحِيَّض، فكن خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته )) رواه البخاري (971) واللفظ له، ومسلم (890).
وقال الإمام إسحاق بن راهويه ـ رحمه الله ـكما في "مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه" رواية إسحاق بن منصور الكوسج (رقم: 2865):
يُستحب الخروج لهن في العيدين، لما مضت السنة بذلك، ولكن لا يتزيَّن ولا يتَطيَّبن.اهـ
فإذا خرجن على هذه الصفة جمعن بين فعل السنة واجتناب الفتنة.
وهي من السنن المؤكدة عند جماهير أهل العلم، وقد نسبه إليهم النووي ـ رحمه الله ـ في "المجموع"(5/6) وابن جزي في "القوانين الفقهية"(ص103).
وقال النووي ـ رحمه الله ـفي "المجموع(5/24):
تسن صلاة العيد جماعة، وهذا مجمع عليه، للأحاديث الصحيحة المشهورة.اهـ
المسألة الثانية / وهي عن الاغتسال للعيد.
وتحت هذه المسألة فرعان:
الفرع الأول: وهو عن استحباب الغسل للعيد.
الاغتسال للعيد هو فعل أصحاب النبي r.
فقد ثبت عن نافع أنه قال: (( كان ابن عمر t يغتسل للعيدين )) رواه الفريابي في "أحكام العيدين"(رقم:15).
وثبت عن الجعد بن عبد الرحمن أنه قال: (( رأيت السائب بن يزيد t يغتسل قبل أن يخرج إلى المصلى ))رواه الفريابي في "أحكام العيدين"(رقم:16).
وقال ابن رشد ـ رحمه الله ـفي "بداية المجتهد"(1/505):
أجمع العلماء على استحسان الغسل لصلاة العيدين.اهـ
الفرع الثاني: وهو عن وقت الاغتسال للعيد وصفته.
الأفضل أن يكون الاغتسال للعيد بعد صلاة فجره، وقبل الذهاب إلى المصلى، وأن تكون صفته كصفة غسل الجنابة.
وعليه يدل ظاهر الآثار الواردة عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ومنهم ابن عمر t.
فقد قال محمد بن إسحاق: قلت لنافع: كيف كان ابن عمر يصلي يوم العيد؟ فقال: (( كان يشهد صلاة الفجر مع الإمام ثم يرجع إلى بيته فيغتسل كغسله من الجنابة، ويلبس أحسن ثيابه، ويتطيب بأحسن ما عنده ثم يخرج حتى يأتي المصلى )) رواه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" بسند حسن، كما في "المطالب العالية"(رقم:2753).
وثبت عن الجعد بن عبد الرحمن أنه قال: (( رأيت السائب بن يزيد t يغتسل قبل أن يخرج إلى المصلى ))رواه الفريابي في "أحكام العيدين"(رقم:16).
وإن اغتسل للعيد قبل صلاة الفجر لضيق الوقت، وحتى يتمكن من التبكير إلى المصلى فحسن، وقد فعله جمع من السلف الصالح، واستحسنه كثير.
المسألة الثالثة / وهي عن التجمل للعيد بأحسن الثياب والطيب.
عن عبد الله بن عمر t أنه قال: (( وجد عمر بن الخطاب حُلة من إستبرق تباع في السوق، فأخذها فأتى بها رسول الله r، فقال: يا رسول الله ابتع هذه فتجمل بها للعيد والوفود ))رواه البخاري (948) ومسلم (2068).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه الله ـفي كتابه "فتح الباري لابن رجب"(6/67 – 62):
وقد دَلَّ هذا الحديث على التجمل للعيد، وأنه كان معتاداً بينهم .. وهذا التزين في العيد يستوي فيه الخارج إلى الصلاة، والجالس في بيته حتى النساء والأطفال.اهـ
ولكن المرأة إذا خرجت إلى صلاة العيد تخرج غير متجملة ولا متطيبة ولا متبرجة ولا سافرة عن حجابها، لأنها منهية عن ذلك في جميع أحوال خروجها، والخروج للعبادة أشد.
وقال الإمام الشافعي ـ رحمه الله ـ في "الأم"(1/388):
ويلبس الصبيان أحسن ما يقدرون عليه ذكوراً وإناثاً.اهـ
وثبت عن ابن عمر tأنه إذا كان يوم العيد: (( يلبس أحسن ثيابه، ويتطيب بأحسن ما عنده )) رواه الحارث في "مسنده" كما في "المطالب العالية"( رقم:2753) والبيهقي (3/388).
وقال الإمام مالك بن أنس ـ رحمه الله ـكما في كتاب"الأوسط" (4/265) لابن المنذر:
سمعت أهل العلم يستحبون الزينة والتطيب في كل عيد.ا هـ
المسألة الرابعة / وهي عن ترك الأكل في يوم العيد حتى يرجع من المصلى.
قال الإمام ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في "المغني"( 3/258-259):
السنة أن يأكل في الفطر قبل الصلاة، ولا يأكل في الأضحى حتى يصلي، وهذا قول أكثر أهل العلم …. لا نعلم فيه خلافاً. اهـ
وقال ابن رشد ـ رحمه الله ـ في "بداية المجتهد"(1/514):
وأجمعوا على أنه يستحب أن يفطر في عيد الفطر قبل الغدو إلى المصلى، وأن لا يفطر يوم الأضحى إلا بعد الانصراف من الصلاة.اهـ
وثبت عن سعيد بن المسبب ـ رحمه الله ـ أنه قال: (( كان المسلمون يأكلون في يوم الفطر قبل الصلاة، ولا يفعلون ذلك يوم النحر ))رواه الشافعي في "الأم"( 1/387).
وثبت عن الشعبي ـ رحمه الله ـ أنه قال: (( إن من السنة أن يطعم يوم الفطر قبل أن يغدو، ويؤخر الطعام يوم النحر حتى يرجع )) رواه ابن أبي شيبة (5590).
المسألة الخامسة / وهي عن الخروج إلى مصلى العيد والعودة منه.
وتحت هذه المسألة فرعان:
الفرع الأول: وهو عن استحباب المشي على القدمين عند الذهاب إلى مصلى العيد.
قال زر بن حبيش :t(( خرج عمر بن الخطاب في يوم فطر أو في يوم أضحى، خرج في ثوب قطن مُتلبباً به يمشي )) رواه ابن أبي شيبة بسند حسن ( 5606).
وثبت عن جعفر بن برقان ـ رحمه الله ـ أنه قال: (( كتب عمر بن عبد العزيز يرغبهم في العيدين من استطاع أن يأتيهما ماشياً فليفعل )) رواه عبد الرزاق (5664) واللفظ له، وابن أبي شيبة (5604).
وقال الإمام الترمذي ـ رحمه الله ـ في "سننه"(2/410):
أكثر أهل العلم يستحبون أن يخرج الرجل إلى العيد ماشياً.اهـ
وقال الإمام ابن المنذر ـ رحمه الله ـفي "الأوسط"( 4/264):
المشي إلى العيد أحسن، وأقرب إلى التواضع، ولا شيء على من ركب.اهـ
الفرع الثاني: وهو عن استحباب أن يكون الذهاب إلى مصلى العيد من طريق والرجوع من طريق آخر.
قال جابر بن عبد الله :t(( كان النبي r إذا كان يوم عيد خالف الطريق ))رواه البخاري (986).
وقال الحافظ ابن رجب الحنبلي ـ رحمه اللهـ في كتابه "فتح الباري"( 6/166):
وقد استحب كثير من أهل العلم للإمام وغيره إذا ذهبوا في طريق إلى العيد أن يرجعوا في غيره.ا هـ
بل قال ابن رشد ـ رحمه الله ـ في "بداية المجتهد"(1/514-515):
وأجمعوا على أنه يستحب أن يرجع من غير الطريق التي مشى عليها لثبوت ذلك من فعله عليه الصلاة والسلام.اهـ