وَلَو أَرَادوا الخروجَ لأَعَدّوا لَه عدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّه انبِعَاثَهم فَثَبَّطَهم
وَقِيلَ اقعدوا مَعَ القَاعِدِينَ} [التوبة: 46].
هل لا تهفو نفسك إلى العتق من النيران في هذا الزمان؟
هل لا تهفو نفسك إلى المغفرة والرحمة والعفو من قِبَل ربك الرحيم الرحمن؟
نبــذة :
بعضًــا من خطط الإعداد لرمضان في أيام شعبان…
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
قال صلى الله عليه وسلم: «ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو
شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم
» [رواه النسائي وحسنه الألباني].
فالمتتبع لأحوال الناجحين والفائزين في مسارات الحياة الدنيا المختلفة يجدهم يجتهدون
في الإعداد والاستعداد؛ فالطالب المتفوق تجده يعد للسنة الدراسية قبل بدايتها
والعدَّاء الماهر يعد للسباق قبل حينه والأمثلة في واقعنا على هذا كثيرة متنوعة.
والمشاهد أن ليس كل من يُعد ينجح في الإعداد ولا كل من أّعَدَّ واستعد يصل للقمة فحتى
الإعداد يختلف من شخص لآخر، وكل بحسب ما بذله من جهد وتعب تجد حصيلته تشير
عليه، فما بالك بمن لم يستعد بل لم يفكر بذلك بتاتا فأنى له الفوز؟!
ونحن في هذه الأيام المباركة من رجب نستعد لدخول شعبان لا بد أن يكون لنا
وقفة؛ فهو آخر محطات الاستعداد لدخول شهر العتق من النيران، شهر رمضان شهر القرآن
فانظر وتأمل في طالبي الفوز بالمسابقات الدنيوية وما يبذلونـه… فما بالك
بطلاب الآخرة -ولا يقارن الثرى بالثريا-… ألست أولى منهم؟!
كان السلف رحمهم الله بعيد رمضان يدعون الله أن يتقبله منهم لستِّ أشهر ثم
في الست أشهر الباقية يدعونه أن يُبلغهم رمضان القادم فانظر لمدى
استشعارهم لمكانة رمضان وأيامه الغالية…
وليست بدعة في الدين ولكن الهدف كيف نزيد من هذه العبادات.
قال الله سبحانه وتعالى في سورة آل عمران: **وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [سورة آل عمران: 133].
وقال تعالى: **وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ المُتَنَافِسُونَ} [المطففين آية: 26].
فأيها القارىء الكريم نحتاج لوقفة، وقفة للفوز برمضان بإذن الرحمن فلا تدع أيامه
تمر عليك كأي أيام عادية؛ فهي أيام غاليات إن ذهبت الآن قد لا تعود أبدًا؛ فكم من
أناس لم يكتب لهم إدراك رمضان، وكم من أناس لم يكتب لهم أن يدركوه هذا العام،
فلذلك ضع من الآن خطة وهدفا وأصلح النية وأعدها للاستعداد لرمضان، فإن كتب الله
عليك المنية قبيل رمضان مت على نية صالحة وعمل صالح إن شاء الله.
هذا ولنر سويا بعضًــا من خطط الإعداد لرمضان في أيام شعبان، ولكن قبيل البدء
نَمِّ في ذهنك حساسية الوقت وأهميته؛ فلا تدع دقيقة تفوتك في شعبان إلا وقد اكتسبت
بها ما يفيدك في دورة الإعداد لرمضان وبإذن الله نسير على هذا الديدن طوال العام
فتصبح أيامنا جلها كثيرة الحسنات جميلة النفحات -إن شاء الله-:
1) أرأيت إن كنت تتوقع زائرًا جليلا لبيتك، ووجدت البيت متسخًا.
هل تزينه قبل أن تنظفه؟ أم تعْمد أولا إلى تنظيفه قبل أي شيء؟
ابدأ بضبط فرائضك، وكن وقاّفًا عند حدود الله تعالى، وحاسب نفسك على ما اقترفته من ذنوب
خلال الـ 11 شهر منذ رمضان الماضي.. فلا تدخل رمضان الجديد إلا وقد تبت من ذنوب
العام.. نقِّ قلبك ونظفه مما شابه من شهوات وشبهات. تُب إلى الله مما نظرت له
عينك بالحرام، واستمعت له أذنك، وامتدت له يدك، وسارت إليه رجلك.. وتذكر أن
الله تعالى يغار، وغيرته أن تُنتهك محارمه. وإياك أن تُسوِّف التوبة، وأن يغرّك حلم الله
وستره؛ فإن الله تعالى يُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
2) لا تبدأ أي عمل إلا وقد أصلحت نيتك، فلن يقبل عملك إلا إن كان خالصا صوابًا موافقًا
للشرع، فتعلم أحكام الصيام وعلمها أهل بيتك ومعارفك من الآن.
3) هذّب نفسك وألزمها التقوى منذ الآن، فرمضان مدرسة للمتقين. قال الله تعالى: **
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
[سورة البقرة: 183]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْجَهْلَ
وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» [رواه البخاري 1903].
4) بادر بصلة رحمك، واحذر أشد الحذر من قطعها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«خلق الله الخلق، فلما فرغ منه قامت الرحم، فقال: مه، قالت: هذا مقام العائذ بك من
القطيعة ، فقال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟، قالت: بلى يا رب، قال:
فذلك لك. ثم قال أبو هريرة: **فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ}
[سورة محمد: 22]» [رواه البخاري].
إذا عرفنا هذا فلنسأل من هو الواصل للرحم؟… هذا ما وضّحه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:
«ليس الواصل بالمكافئ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها» [رواه البخاري 5645].
5) هل من نعيم أجمل من سلامة الصدر؟… تقضي يومك وليلتك وأنت في راحة بال،
بينما غيرك تغلي قلوبهم حنقًا على غيرهم. احرص أن تكون "مخموم" القلب من الآن،
وادخل رمضان وقد فرّغت قلبك للانشغال به دون سواه. «قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم
أي الناس أفضل؟، قال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان"، قالوا: "صدوق اللسان نعرفه
فما مخموم القلب"، قال: "هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد"»
[صحيح ابن ماجه 3416].
6) كثيرون للأسف هم من يقضون الساعات الطوال في استخدام الإنترنت، ويضيعون فرصا
عظيمة في شهر مثل رمضان. فأين هم من الإمام مالك بن أنس الذي كان إذا دخل رمضان
يفر من الحديث ومجالسة أهل العلم ويقبل على تلاوة القرآن من المصحف؟!، فابدأ من الآن –
إن كنت من مدمني النت- بتقليل ساعات جلوسك عليه، واعلم أن رمضان لن ينتظرك.
7) المبادرة في قضاء ما عليك من صيام إن كنت أفطرت في رمضان الماضي لعذر شرعي.
8) في رمضان يقبل الناس على تلاوة القرآن وختمه ولكن لتكن تلاوته سلسة وختمته
عليك يسيرة فابدء في شعبان أن تكثف من وقت التلاوة فإن كانت عادتك أن تتلو جزءا
يوميا فلتجعلها جزئين أو ثلاثـــا بل حاول أن تجعل لك في كل عشرة أيام منه ختمة.
9) رمضان شهر تكثر فيه الصلوات من تراويح وقيام ونوافل فلكي تعتاد على طول الوقوف
فيه دون إرهاق أو تعب فلتخصص للقيام وقتا أطول بدءا من شعبان وليكن مثلا ساعة
فمضاعفاتها، وعود نفسك من الآن على طول الركوع والسجود.
10) بدءًا من الآن عود نفسك على طول الدعاء واحفظ من الأدعية المأثورة عن
النبي صلى الله عليه وسلم فهي تحوي جوامع الكلم وأخير وأبرك وأجدى بالإجابة إن شاء الله.
11) عوِّد نفسك من الآن المكثوث في المسجد فترات أطول بعد الصلاة تحضيرا للاعتكاف
في رمضان إن شاء الله أو على الأقل تحضيرا للمكث في المسجد ساعات
طوال فيه هذا أيضا اعتكاف؛ فلا حدّ لأقله..
12) عوّد نفسك على الصوم لكي لا تجد عند إقبال رمضان بإذن الله مشقة في صوم الأيام الأول
فصم يوما وأفطر يوما أو اجعل شعبان أكثرأيامه صوما فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها قالت:
«لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يصوم شهرًا أكثر من شعبان،
وكان يصوم شعبان كله» [رواه البخاري].
13) استعد لإطعام المساكين وتفطير الصائمين فابدء من الآن زيادة كمية ما تعده من طعام
لوجبة الغداء مثلا وخذ هذا الزائد ووزعه على فقراء حَيّكُم أو حارس بنايتكم فعن عطاء،
عن زيد بن خالد الجهني، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من فطَّر صائماً،كان
له مثلُ أجره، غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً» [صححه الألباني].
14) تصدق بشكل يومي في شعبان حتى تعتاد على التصدق يوميا في رمضان فتدخل
فيمن قيل فيهم في الحديث، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً،
ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً» [صححه الألباني]، فإن كان التصدق يوميا عادة لك
في الأصل في غير شعبان فاستعد لرمضان بزيادتها قليلا أو كثيرا بحسب استطاعتك في شعبان،
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ
مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ
الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ»
[رواه البخاري (6) ومسلم (2308)].
15) إن كنت تنوي العمرة في رمضان بإذن الله فاحرص على المشي لمدة نصف ساعة مثلا
في العشر الأخر من شعبان ففي عمرة رمضان مجهود بدني مطلوب فاستعد له.
16) قلل من مقدار طعامك في شعبان لك لا تثنيك كثرة الطعام والأكل عن العبادة في رمضان
فاعتد على قلة كمية الطعام من الآن أو ليكن طعامك كوجبات صغيرة متنوعة وأكثر من الخضر
والفاكهة والتمر لتحفظ ماء الجسم وتعطيك النشاط والحيوية اللازمة.
17) ابتعد عن السهر وجرب من الآن النوم مبكرا والاستيقاظ
قبل الفجر بساعة أو أكثر تدربا على القيام ومناجاة السحر.
18) تدرب على تقليل ساعات النوم فإن كنت معتادًا على نوم ثمان ساعات فعود نفسك
على ستَّ فأقل دونما إنهاك لصحتك وبدنك ولكن عوض ذلك بنوم ساعة القيلولة.
19) إن كنت لن تستطع الذهاب لعمرة رمضان هذا العام لمانع يمنعك فاعلم أن
من جلس يذكر الله بعد الفجر حتى شروق الشمس فصلى ركعتين فله أجر حجة وعمرة تامة تامة تامة.
فعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من صلى الصبح في
جماعة، ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة و عمرة، قال:
قال رسول الله: "تامة تامة"» [قال الألباني حسن لغيره].
20) اعتد على عبادات لم تفعلها من قبل, فمثلا قم بألف آية ( ألف آية تعني جزئي عم وتبارك )
أو مثلا تبرع بمبلغ كبير أو قم بعبادة -موجودة أصلا وليست ابتداعا- لم تقم
بها قبلا وذلك لكي تعتد على أفعال أو عبادات كبيرة في رمضان.
21) حاول أن تصلي على جنازة وأن تتبعها حتى تدفن فأجر ذلك عظيم والأجر يتضاعف
في رمضان لقوله صلى الله عليه وسلم: «من تبع جنازة حتى يصلى عليها ؛ فإن له قيراطا.
فسئل رسول الله عن القيراط؟، قال: مثل أحد» [صححه الألباني]، ولقوله صلى الله عليه وسلم:
«من صلى على جنازة فله قيراط، وإن شهد دفنها فله قيراطان والذي نفس محمد بيده
القيراط أعظم من أحد هذا» [قال الألباني صحيح لغيره].
22) ابدء بتنظيم وقتك ومتابعته واجعل لك جدولا تقيم فيه متابعة أهدافك وعبادتك ليس
ابتداعا ولكن لكي تجعل عباداتك نصب عينيك والفوز بالجنة -بإذن الله- الهدف الأسمى لديك.
23) ابتعد رويدًا رويدًا عن جلسات السمر وإضاعة الوقت واقطع التلفاز وجميع الملهيات –
هذا فيما كان حلالا وأما الحرام فالواجب الابتعاد عنه كليًا والتوبة والإنابة وعدم الرجوع إليه-.
24) للمدخنين نقول رمضان فرصة عظيمة لترك هذه الآفة اللعينة فاعتد من الآن على
نبذها وتركها وضع النية الصالحة أنك تتركها لله ثم لتحافظ
على صحتك واسأل الله أن يعينك على ذلك.
25) من الآن عود لسانك أن يكون حقا رطبا بذكر الله فلا تفتر عن الذكر والاستغفار
والتسبيح والتهليل فما أيسرها من عبادة وما أعظم وأكبر أجرها عند الله.
26) نظم أعمالك بدءًا من شعبان بحيث يكون انشغالك عن العبادة أقل ما يكون في رمضان
فرتب مواعيدك وما ترتبط به من أمور وحاول إنجاز الجزء الأكبر منهم في هذا الشهر.
27) راجع حفظك أو ابدء في حفظ بعض من السور في شعبان لكي تصلي بها في نوافل
رمضان فكم هو سعيد من يصلي ويناجي ربه بآيات يحفظها في صدره.
28) تزدحم الأسواق ويكثر الهرج فيها -للأسف- في رمضان فانأ بنفسك واقضِ جميع
حوائجك من مواد غذائية وملابس للعيد وغيرها بدءًا من شعبان.
29) حاول أن تضع لمحيطك بالكامل خطة يتبعونها معك في الإعداد لرمضان، في محيط
منزلك، عملك، مسجدك، فيستشعر الناس عظمة هذا الشهر الفضيل بدلا أن ينقادوا خلف
دعاة الضلال من مسلسلات ومجون فهم لا يحلو لهم عرض
أضخم أعمالهم النتنة إلا في رمضان.
30) ابحث عن الصغار في عائلتك من هم في عمر سبع سنين فما فوق مثلا, وحفزهم على
التعود على الصوم فمثلا لتعودهم بدءًا على صوم ربع يوم ثم نصف ثم أكثر
ولتكافئهم فإن جاء رمضان أصبح الصوم يسيرًا عليهم.
هذا والله أسأل أن ينفعني وإياكم بهذه الكلمات
وأن يجعلنا من فائزي الشهر الفضيل وأن يجعلنا من عتقائه من النار.