الحديثُ – أيُّها الأفاضل – عن قاعدةٍ عظيمةٍ من قواعد هٰذه الشَّريعة دالَّةٍ على كمال عدْلِ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وأنَّه جلَّ وعزَّ لا يَظْلِم النَّاس مثقال ذرة{ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا }[النساء:40] ، مستفادةٍ من قول الله تبارك وتعالى في سورة الرَّحمٰن: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (60)﴾ ؛ فهٰذه قاعدة عظيمة تدلُّ على جمال هٰذه الشَّريعة وبهائِها وعَظمَتِها ووفائها ، فإنَّ كلَّ عاملٍ يوفَّى عمله ؛ إن كان محسِناً فاز بثواب إحسانه وأجره ، وإن كان مسيئًا باء بعقوبة عمله ووزره ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾.
والإحسان : هو الإتقان والإجادة والإتيان بالعمل على أطيب صورة وأجمل وجه . وهو يكون في عبادة الخالق ، وفي معاملة المخلوق :
v والإحسان في عبادة الخالق بيَّنه عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بقوله: « أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ».
v والإحسان في معاملة المخلوق : أن تحبَّ له ما تحبَّ لنفسك ، وأن تأتي إليه الشَّيء الذي تحبُّ أن يؤتى إليك .
فمن كان محسِناً في عبادة خالقه كان الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى معه ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾[العنكبوت:69] ، وكان جل وعلا قريبًا منه ، وكان حبيبًا إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[البقرة:195] .
ومن كان مُحسِنًا في تعامله مع عباد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أحسنَ اللهُ إليه في كلِّ إحسانٍ يقدِّمه إلى عباد الله جزاءً له من جنس عمله ، والقاعدة المستفادة من الآية المتقدِّمة : « أنَّ الجزاء من جنس العمل » ، أي أنَّك كما تدين تُدان ، وكما تكون لعباد الله يكون الله لك ، « مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ » « وَمَنْ سَتَرَ عَلَى مُسْلِمٍ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ »، « وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» وهكذا تأتي تفاصيل لهٰذه القاعدة العظيمة في شريعة الإسلام ، فكلَّما عمِلَ العبدُ على الإحسان للخلق أكرمه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بإثابةٍ ومجازاةٍ من جنس عمله.
يقابل ذلك -والعياذُ بالله- الإساءة وهي ضدُّ الإحسان ؛ فكما أنَّ جزاء الإحسانِ الإحسان ، فكذلك عاقبة من يسيء السوأى جزاء وفاقا، ولهٰذا كما أن الله قال: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ﴾أيضًا قال في آية أخرى: ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى﴾[الروم:10] ؛ أي جزاءً وفاقا موافقاً للعمل من جنس العمل، فيجب أن نعِي أن من قواعد الشَّريعة العظام في باب الجزاء والحساب « أنَّ الجزاء من جنس العمل » ، وتفاصيل هٰذه القاعدة وبيان أفرادها تجدُها مبسوطة في مواضع كثيرةٍ من كتاب الله جلَّ وعلا وسُنَّة نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وأحيلكم – أيها الأفاضل- في هٰذا الباب إلى عصارةٍ مفيدة وخلاصةٍ سديدة وافيةٍ في هٰذا الباب للعلامة عبد الرَّحمٰن بن ناصر السّعدي رحمه الله في مجموع خطبه خطبة نافعة مسدَّدة عنوانها « الجزاء من جنس العمل » بسط فيها بإيجازٍ واختصارٍ ووفاء تفاصيل هٰذه القاعدة ؛ فلتُقرأ وليُستفَد منها ولتُخطب منها جُمَعٌ في لاحق وقتكم وفي مستقبل أيَّامكم فيما تعملون على القيام به دعوةً لدين الله ونصحًا لعباد الله .
سدَّد اللهُ خطانا أجمعين ، وهدانا لصالح الأقوال وسديد الأعمال ، ولم يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين . والله أعلم ، وصلَّى الله وسلَّم على رسول الله .
فضيلة الشيخ عبد الرزاق البدر
بارك الله فيكم وجزاكم المولى أجزل الثواب وأوفره واستخدمكم في طاعته ومرضاته
|
فأنت الذي يسترني و هديتني ..إلى الخير و الإحسان يا واسع البذل
جزاك الله خيرا على الموضوع
و نسأل الله أن يجعلنا من المحسنين