نعم . ستلحظُ مثلُ هذه تحسُّناً في صحّتِها ، وبهاءاً في بشرتِها!
لكنّها وربّي ، قد تمرُّ بها أوقات ؛ تجدُ في جِسمِها من التّعبِ والضّعف ، وفي بشرتِها من الشُّحوب ، ما يجعلُ النّاظرَ لا يظنُّ -بحرصِها على نفسها- خيراً!
فتعالَي: نتأمّلْ حديثاً لرسول الله-صلّى اللهُ عليهِ وسلّم ، قد لا نكونَ تأمّلناهُ ووفقنا عليه وقوفنَا هذا!
هذا الحديث يرويه عبدُ الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم ، يقول :
" نَضَّرَ اللَّهُ امْرَءًا … سَمِعَ مَقَالَتِي … فَوَعَاهَا … فَأَدَّاهَا كَمَا سَمِعَهَا ، فَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ " .
قد رأى بعضُ العلماء المصطفى -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في النّوم فقال له: أنت قلتَ نضر الله امرءا إلخ؟ قال: نعم ، ووجهه يتهلّلُ أنا قلته وكرّرَهُ ثلاثا . قالوا: ولذلك لا يزال في وجوه المُحدِّثينَ نضارةً ببركةِ دعائه " .
فيض القدير ، ج6 ، ص 283 .
قوله: « نضَّر الله امرءًا » ، أي: نعَّمَه . والنّضارة في الأصل: حُسنُ الوجهِ والبريق. وإنّما أرادَ حُسنَ خَلقه وقَدره. قاله في النهاية.
قال بعضهم: إني لأرى في وجوه أهل الحديث نُضرة. أشار به إلى إجابةِ دعوة -رسول الله- لهم.
( والنّضارة في الأصل حُسنُ الوجه وبريقة ، كما جاء في قوله تعالى {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} أي: حسَّنةٌ بهيةٌ مشرقةٌ مسرورة ، وقال الشّيخ محمّد مُختار الشّنقيطي-حفظه الله في معنى نضّر الله: قال "أي: بيَّضَ الله وجهَه".
وقال بعضُ العُلماء : إنّه يُحشر يومَ القيامة أبيضَ الوجهِ مُشرق ، مستنيرًا بهذا العِلم .
وقال البعض: إن الله يُنَضِّرُ لأهلِ الحديث وجوهَهُم في الدُّنيا و الآخرة . وتقديره عند بعض العُلماء: جمّلهُ الله وزيّنه ، وأحسن من فسّرها هو القرآن {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة} أي: كما تقدّم: مُشرقة حسنةٌ بهيّةٌ ناعمة ، وهذا التّفسير يوافقُ قولَ من قالَ من العُلماء: ( جمَّلهُ الله وزيَّنَه ) .
كتابُ العملِ الصّالح ، للشّيخ سامي محمّد ، ج1 ، ص664 .
قال بعضُ الشُرّاح في هذا الحديث : وفيه: فضيلة للضابط الحافظ ألفاظ السنَّة .
كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ-رضي الله عنه وأرضاه- يَمْكُثُ ( السَّنَةَ) لَا يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَإِذَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَخَذَتْهُ الرَّعْدَةُ ، وَيَقُولُ : " أَوْ هَكَذَا ، أَوْ نَحْوُهُ ، أَوْ شَبَهُهُ! " !!
وقالَ أحدُ الشُرَّاح في هذا الحديث / المتواري على تراجم أبواب البخاري ، ج1 ، ص34:
" فوظيفة الْحَامِل الْجَاهِل فِي هَذِه الْأَمَانَة أَن يُؤَدِّيهَا إِلَى أَهلهَا بِالْوَفَاءِ وَالتَّسْلِيم، ووظيفة الْحَامِل الحاذق أَيْضا أَن يُؤَدِّيهَا إِلَى من عساه أحذق مِنْهُ فِي الْفَهم والتَّفهيم " .
وفي هذا الحديث بيانُ فضلِ من اشتغلَ بسُنّة الرَّسولِ- صلى الله عليه وسلم ؛ حيثُ دعا له الرسولُ -صلّى الله عليه وسلّمَ- بهذه الدَّعوةِ العظيمة .
يقول ابن القيم- رحمه الله تعالى- عن هذا الحديث:
«ولو لم يكن في فضل العِلم إلا هذا وحده لكفى به شرفا ، لأنَّ من قامَ بتبليغ حديثِ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وبثِّه في الأُمَّة ؛ دخل تحتَ هذه الدَّعوة النبويّة المُتضمِّنة لجمالِ الظّاهر و الباطن ، فإن النُّضرة هي البهجةُ والحُسْنُ الذي يُكساهُ الوجهُ من آثار الإيمان وابتهاج الباطن به ، وفرح القلب وسروره ، حيث تظهر هذه البهجة ، وذلك السُّرور ، وتلك الفرحة نضارة على الوجه ، ولهذا جمع الله سبحانه بين السرور والنضرة ، في قوله تعالى: فَوَقاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً . فالنّضرة في وجوههم ، والسُّرور في قلوبهم ، من حيث إن النَّعيم وطيب القلب (كلاهما) يُظهر نضارةً في الوجه ، كما قال تعالى:
إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* عَلَى الْأَرائِكِ يَنْظُرُونَ* تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ .
والمقصود أن هذه النَّضرة في وجه من سمع سُنَّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- هي أثرُ تلك الحلاوة ، وهذه البهجة ، وذلك السُّرور الذي في قلبه وباطنه" . مفتاح دار السعادة لابن القيم، ص 275 .
قلتُ بعدَ هاتِه البُشريات التي تنشرحُ لهُ القلوب ، وتبتهجُ لهُ النّفوسُ:
أيْ أخيّة – إن كنتَ تريدينَ حلاوةً وطلاوةً ونضارةً في وجهِك ؛ فأحسني فَهمَ حديثِ رسولِ الله -صلَّى اللهُ عليه وسلّم – وكوني دقيقةً في حِفظهِ وضَبطِه ، وفي تبليغ هذا العِلم للنّاس ؛ فإنَّك إن فعلتِ ؛ نلتِ سناءاً وبهاءاً ونُضرةً ونعيماً في الدُّنيا والآخرة ..
( أنعِم وأكرِم بها من حظْوة )!
العاملين بما جاء في الكتاب وسنة الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام
بارك الله فيك
اسعدني مرورك