أنقل اليكم ايها الأحبة كتاب مدخل الى الفلسفة للكاتب الاستاذ / عبدالجبار الرفاعي ..
لكي يعطي للمبتديء نظرة شاملة ومبسطة عن الفلسفة .. وتعتبر هذه كمدخلية له .
ـــــــــــــــــــــ
معنى الفلسفة
لفلسفة لفظ استعارته العربية من اللغة اليونانيّة، واصله في اليونانية كلمة تتألف من مقطعين:
فيلوس Philos وهو بمعنى (صديق أو محب)، والثاني هو سوفيا Sophia أي (حكمة)، فيكون معناها (محب الحكمة) .
وبذلك تدل كلمة (الفلسفة) من الناحية الاشتقاقية على محبة الحكمة أو ايثارها، وقد نقلها العرب الى لغتهم بهذا المعنى فى عصر الترجمة .
وكان فيثاغورس (572 ــ 497ق.م) أول حكيم وصف نفسه من القدماء بأنه فيلسوف، وعرَّف الفلاسفة بأنهم الباحثون عن الحقيقة بتأمل الاشياء، فجعل حب الحكمة هو البحث عن الحقيقة، وجعل الحكمة هي المعرفة القائمة على التأمل .
وعلى هذا أضحى تعريف الفلسفة بأنها : العلم الذي يبحث فيه عن حقائق الاشياء على ما هي عليه بقدر الطاقة البشرية .
تجدر الاشارة الى ان كلمة (الفلسفة) استُعملت في معاني متعددة عبر التاريخ، واتسع معناها في بعض المراحل ليستوعب العلوم العقلية بأسرها، فيما تقلص هذا المعنى في مراحل اخرى فاستُعمل عند البعض كما في التراث الاسلامي فيما يخص الفلسفة الأولى، التي تبحث عن المسائل الكلية للوجود التي لا ترتبط بموضوع خاص .
الفلسفة والسفسطة
وفي مقابل الفلسفة تستعمل كلمة (السفسطة) وهي تعني نوعاً من الاستدلال يقوم على الخداع والمغالطة، فقد كانت السفسطة عنواناً لتيار واسع حاول أن يعصف بالأسس المنطقية للتفكير الصحيح، وينكر أي واقع خارج اطار الذهن، ظهر عند اليونان في القرن السادس قبل الميلاد. بيد أن ظهور سقراط (469 ــ 399ق.م) فيما بعد ساهم بشكل فعّال في الإجهاز على هذا التيار، وإعادة الاعتبار لأسس التفكير والاستدلال الصحيح، واقتفى أثره تلميذه أفلاطون (427 ــ 347 ق.م) ثم جاء تلميذ الاخير أرسطو (384 ــ322ق.م) الذي كان صاحب الدور الريادي في تقنين ماتم اكتشافه من قواعد وأسس التفكير الصحيح، والتي صاغها فيما عُرِف بعد ذلك بـ (المنطق الأرسطي) .
ومثلما فعل فيثاغورس من قبل فان سقراط أسمى نفسه بالفيلسوف أيضاً، ومنذ عصر سقراط اصبحت كلمة الفلسفة تستعمل دائماً في مقابل السفسطة، لانها تعني التعرف على الحقيقة واكتشافها على ما هي عليه بالاسلوب البرهاني، خلافاً للسفسطة التي تنكر الحقيقة وتمارس تزييفاً للمعرفة يعتمد على الخداع والمغالطة .
الفلسفة محور العلوم
تعتبر الفلسفة عند القدماء محوراً لكافة العلوم الحقيقية أو المعارف العقلية، مما يرتبط بالطبيعة أو ماوراء الطبيعة منها، كالطبيعيات والرياضيات والالهيات، فانتظمت في اطارها تمام المعارف، ولم يشذ منها سوى المعارف التي تعبر عن مواضعات واتفاقات واعتبارات جعلها البشر، مثل النحو والصرف .
يتبع……ان شاء الله
لما كانت الفلسفة عند القدماء اسماً تندرج تحته المعارف العقلية بمجموعها، جرى تصنيف هذه المعارف الى نوعين رئيسيين، وهما :
***أولاً ـ العلوم النظرية، او الحكمة النظرية :
وهي التي يطلب فيها استكمال القوة النظرية من النفس، بحصول العقل بالفعل، ويندرج تحتها :
أ ـ الالهيات :
وتسمى العلم الالهي، والعلم الأعلى، والعلم الكلي، والميتافيزيقيا (ماوراء الطبيعة)، والفلسفة الاولى، تمييزاً لها عن الرياضيات المسماة بالفلسفة الوسطى، وذلك لانها تقع في مرتبة متوسطة بين الطبيعيات والالهيات. وتعتبر الالهيات لدى القدماء اشمل وأوسع من غيرها من العلوم، مضافاً إلى انها برهانية ويقينية اكثر من غيرها .
وتنقسم الالهيات الى :
1 ـ الامور العامة :
وهي العناوين والاحكام والصفات التي لاتختص بموجود دون سواه، وإنما تسري في جميع الموجودات، ويتصف بها الموجود بما هو موجود، ولايشترط ان يكون الموجود المتصف بها له ماهية معينة. وهي مثل : الحدوث والقدم، والوجوب والإمكان، فكل موجود إما ان يكون حادثاً او قديماً، وكل موجود إما ان يكون واجباً او ممكناً .
مع العلم ان شمول هذه العناوين للموجودات تارة يكون بمعنى شمول كل واحد منها لكافة الموجودات. مثلما نلاحظ في الوجود والشيئيّة، وتارة يكون بمعنى شمول هذه المفاهيم للموجودات بنحو التقابل، كالوجوب والإمكان ، فان كل موجود لابد ان يكون مندرجاً تحت عنوان الواجب او الممكن .
ويُعبَر عنها بـ (الاحكام العامة للوجود) و(الالهيات بالمعنى الاعم) .
2 ـ معرفة الله :
ويدور البحث فيها حول وجود الباري، وتوحيده، وصفاته، وما يرتبط بذلك من مسائل. وتسمى بـ (الالهيات بالمعنى الأخص) في مقابل (الالهيات بالمعنى الأعم) .
ب ـ الرياضيات :
وتسمى العلم الاوسط، والفلسفة الوسطى لوقوعها في مرتبة متوسطة في سُلَّم المعرفة بين (الالهيات) و(الطبيعيات)، وهي تنقسم الى :
1 ـ الحساب .
2 ـ الهندسة .
3 ـ الهيئة .
4 ـ الموسيقى .
ج ـ الطبيعيات :
وتسمى العلم الادنى، والفلسفة الدنيا، لانها تقع في ادنى المراتب في سُلَّم المعرفة، وفوقها تقع (الرياضيات)، فيما تكون (الالهيات) العلم الاعلى. وهي تبحث في احوال الاجسام الطبيعية، وتنقسم الى :
1 ـ السماع الطبيعي :
تعود هذه التسمية لكتاب (السماع الطبيعي لأرسطو) الذي عرفه المسلمون لاول مرة عبر السريان، وفي تسميته ما يشير الى ذلك، فان الاصل السرياني هو (شمعا كيانا) .
والسماع الطبيعي اول ما يبحث عادة من الطبيعيات، وبكلمة اخرى هو اول ما يسمع منها، ويجري البحث فيه حول الاسباب والمبادئ للطبيعيات، وبيان احوال العلل المختلفة، والمادة والصورة، والحركة ومايرتبط بها من مسائل، والاجسام كمها وكيفها .
2 ـ الفلكيات :
الفلك عند القدماء جسم كروي الشكل، لاميل فيه، ثابت بكليته، متحرك باجرامه دوراناً. وهو بسيط لم يتركب من اجسام مختلفة في طبائعها، غير قابل للخرق، ذو نفس حيوانية، ونفس ناطقة .
ويقوم مذهب القدماء في تفسير نظام خلق العالم على اساس ان العقل الاول هو ما صدر من ذات الحق تعالى، ومن العقل خُلِق فلك الافلاك، وهكذا بقية الافلاك. وقد اعتبر الحكماء العالم الجسماني بعد عالم المجردات في نظام الخلقة، والعالم الجسماني مركباً من تسعة أفلاك متداخلة، أي يحيط بعضها بالآخر، وذهب بعضهم الى اعتبار فلك الافلاك هو مجموع الافلاك .
3 ـ العنصريات :
ويبحث فيها حول : طبقات الارض، والكائنات الجوية، والمعادن، وعلم النبات، وعلم الحيوان .
بيد ان بعض الحكماء منذ عصر صدر المتألهين الشيرازي اعتبر الطبيعيات اربعة اقسام، وهي :
1 ـ السماع الطبيعي .
2 ـ الفلكيات .
3 ـ العنصريات .
4 ـ النفس .
*** ثانياً ـ العلوم العملية، او الحكمة العملية :
هي التي يطلب فيها اولاً استكمال القوة النظرية، بحصول العلم التصوري والتصديقي بأمور هي بأنها اعمالنا، ليحصل منها ثانياً استكمال القوة العملية بالاخلاق. وبكلمة اخرى:الحكمة المتعلقة بالامور العملية التي علينا ان نعلمها ونعملها تُسمى حكمة عملية، بينما الحكمة المتعلقة بالامور النظرية التي علينا ان نعلمها وليس علينا ان نعملها تسمى حكمة نظرية .
وتنحصر العلوم العملية او الحكمة العملية في ثلاثة اقسام، هي :
أ ـ الحكمة المدنية، او علم سياسة المدن وتدبير المجتمع :
وهي تُعلِّم كيفية المشاركة التي تقع فيما بين أشخاص الناس ليتعاونوا على مصالح الابدان ومصالح بقاء نوع الإنسان .
ب ــ الحكمة المنزلية، او علم تدبير المنزل والعائلة :
وهي تُعلِّم كيفية المشاركة التي ينبغي ان تكون بين اهل منزل واحد لتنتظم به المصلحة المنزلية .
ج ـ الحكمة الخُلقية، او علم الاخلاق :
وهي تُعلِّم الفضائل وكيفية اقتنائها لتزكو النفس، وتُعلِّم الرذائل وكيفية توقيها لتتطهر عنها النفس .
هذا هو التصنيف الذي اعتمده القدماء في بيان شجرة المعرفة، وما تشتمل عليه من فروع العلوم البشرية المتنوعة .
ويعود تاريخ الهيكل الأساسي لهذا التصنيف الى عصر الفيلسوف اليوناني أرسطو، ثم تبناه وأكمله مَن جاء بعده من الحكماء، وربما اختلف معه غير واحد ممن تأخر عنه في تفاصيل وحدود هذا التصنيف، كما يظهر في قسم الطبيعيات من كتاب (الشفاء) لابن سينا مثلاً .
أما الفلسفة الأوروبية الحديثة فقد تخلت عن هذا التصنيف وتبنت نموذجاً آخر في بيان شجرة المعرفة وتصنيف العلوم لا يتطابق مع ما تقدم .
يتبع ….