عن النواس بن سمعان في حديثه في ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- خروج الدجال، وفيه: "فَمَنْ أَدْرَكَهُ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَأْ عَلَيْهِ فَوَاتِحَ سُورَةِ الْكَهْفِ" رواه مسلم، زاد أبو داود: "فإنها جواركم من فتنته".
ومجموع الروايات فيها أن "من حفظ" أو "من قرأ" عشر آيات، وفي بعض الروايات خمس، وفي بعضها ثلاث, وفي بعضها قراءة كامل السورة كما أنزلت، وفي بعضها أن العشر من أولها، وفي أخرى أنها من آخرها، وفي بعضها أن من رآى الدجال فليقرأ عليه فواتح السورة، وفي بعضها أن من لقيه فليتفل في وجهه، وليقرأ عليه بقوارع سورة أصحاب الكهف.
والجمع بين هذه الروايات لا يتأتى إلا بحفظ سورة الكهف كاملة، فالأكمل أن يحفظ المسلم سورة الكهف كاملة؛ ليصدق عليه أنه قرأ عشر آيات من أولها ومن آخرها وقوارعها كما أنزلت.
ما العلاقة بين سورة الكهف والعصمة من فتنة الدجال؟.
تحدث جمع من أهل العلم عن هذه المناسبة بين سورة الكهف وبين فتنة الدجال، وخلاصة ما قاله عياض والقرطبي والمناوي وغيرهم: ما في سورة الكهف من العجائب والآيات المانعة لمن تأملها وتدبرها حق التدبر من متابعة الدجال والاغترار بتلبيسه، وقيل: إن هذا من خصائص الله تعالى لمن قرأ أو حفظ ما ذكر من سورة الكهف.
وقيل: ما في أول السورة من قوله تعالى: (قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ) [الكهف:2] فالبأس والشدة واللَّدُنِيَة مناسب لذكر فتنة الدجال العظيمة، وأن ما عند الله أعظم، وهو مما يهون بأس الدجال, ثم قال: (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا) [الكهف:2] فإنه يهون الصبر على فتن الدجال وما يظهر من جنته وناره.
ثم ذمه تعالى لمن اعتقد الولد، فمن ادعى الإلوهية كالدجال أولى بالذم, ثم قصة أصحاب الكهف الذين ثبتوا على دينهم وصبروا على الفتنة.
وقيل: ما في آخر السورة من قوله تعالى: (وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا) [الكهف:100] فإن فيه ما يهون ما يظهره الدجال من النار.
ثم قوله تعالى: (الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي) [الكهف:101] من التنبيه إلى أحوال تابعي الدجال، الذين عموا عن علامات كذبه, ثم قوله: (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ) [الكهف:102] ومنهم الدجال، والتنبيه على المفتونين والأخسرين أعمالاً، وختام السورة بتقرير التوحيد، وأن لا يشرك بالله أحدًا.
ومن اللطائف والحكم أن الفتن الأربع المذكورة في السورة اجتمعت في الدجال: فهو فتنة في الدين، إذ يفتن الناس في دينهم، ويدعوهم إلى الشرك، ويقهرهم عليه, وهو فتنة في المال إذ يمر بالخربة فتتبعه كنوزها ويأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت, وهو فتنة في العلم إذ يخبر الرجل عن أبيه وأمه، ويقطع الرجل بسيفه حتى يمشي بين نصفيه ثم يدعوه فيأتي بأمر الله تعالى, وهو في فتنة في السلطان؛ إذ تدين له الممالك، ويعيث في الأرض فسادا، وما من بلد إلا يبلغها سلطانه إلا مكة والمدينة.
فقراءة سورة الكهف تكون سببًا للنجاة من جميع فتن الدجال.
عباد الله: ما أجمل أن نحفظ هذه السورة العظيمة، وأن نحافظ على قراءتها كل جمعة، فتكون هذه القراءة الأسبوعية مراجعة للحفظ وسببًا لعدم النسيان، زيادة على الأجر والنجاة من الفتن.
وما أجمل كذلك أن نربي أهلنا وأسرنا على قراءة لهذه السورة فتجتمع الأسرة على قراءة سورة الكهف يوم الجمعة، وقد يستحسن أن يقف من عنده علم من الأسرة على شيء من تفسيرها وقصصها من كتب التفسير الموثوقة، في جلسة إيمانية وجو عائلي هادي، نربي فيه أزواجنا وأولادنا على ذكر الرحمن والتمسك بالقرآن.
اللهم صل على محمد صلى الله عليه و سلم .
بارك الله فيك اختي