نقلت هذا الموضوع من شبكة المنهاج الاسلامية
بقلم الرائد بن عبد الجبار المهداوي
تعريف الرقية، وأقسامها:
معنى الرقية في اللغة:
"قال الازهري: رقى الراقي رقية ورقيا: إذا عوَّذ ونفث. وقال ابن الأثير: الرقية ـ بالضم ـ:العوذة التي يُرقى بها صاحب الآفة، كالحمى، والصرع، وغيرهما" (أحكام الرقى والتمائم للدكتور فهد السحيمي ص:27)
معنى الرقية في الشرع:
"الرقى: أصلها أدعية، وقراءة، ونفث، يكون فيه استعانة أو استعاذة… القصد منها أن يكون ثَم دفع للبلاء، أو رفع للبلاء، باستعاذة أو باستعانة" (الرقى واحكامها للشيخ صالح آل الشيخ ص:8).
والنفث: "شَبيه بالنَّفْخ، وهو أقَلُّ من التَّفْل؛ لأن التَّفْل لا يكون إلاّ ومعه شيءٌ من الرِّيق" (النهاية في غريب الحديث والأثر(5/88 ط:دار الفكر).
وقد ورد التفل مع الرقية في حديث أبي سعيد الخدري الآتي، فيكون مشروعاً مع الرقية كالنفث تماماً. قال الحافظ ابن حجر: "النفث دون التفل، وإذا جاز التفل جاز النفث بطريق الأوْلى" فتح الباري (10/296، كتاب الطب، باب(39)"
كما صحَّ عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -الرقية بغير نفث أو تفل، كما سيأتي في بعض الأحاديث.
أقسام الرقية: تقسم الرقية إلى قسمين:
1. رقية شرعية(جائزة)، وهي كلُّ رقية توفَّرت فيها الشروط التالية:
أ. أن تكون بكلام الله ـ تعالى ـ، أو بأسمائه وصفاته، أو بما صحَّ عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
ب. أن تكون باللسان العربي، أو بما يُعرف معناه من غيره.
ج. أن لا يعتقد أنَّ الرقية تؤثر بذاتها، بل بإذن الله ـ تعالى ـ، وأنَّ الرقية سبب من الأسباب، ونفع الأسباب بإذن الله، وقد تنفع الرقية وقد لا تنفع بإذن الله ـ تعالى ـ وهذا الاعتقاد لابد وان يكون من الراقي والْمُرْقَى. تنظر هذه الشروط في "فتح الباري"(10/275) كتاب الطب/ باب(32). و"مجموع الفتاوى"(19/50،53،61)، و"عون المعبود"(10/264)كتاب الطب/باب(18)، و"أحكام الرقى والتمائم" ص: (36)، و" الرقى وأحكامها" ص(13)، و"المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (5/581) دار ابن كثير.
2. رقية ممنوعة محرّمة(شركية أو بدعية)، وهي كل رقية لم تجتمع فيها الشروط السابقة.
ُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُُ
أدلة الرقية الشرعية:
عن عوف بن مالك الأشجعي- رضي الله عنه – قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله! كيف ترى في ذلك؟ فقال – صلى الله عليه وسلم -: " اعرضوا عليَّ رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك" أخرجه مسلم(2200)، وأبو داود(3886)، وابن حبان(6094)، وغيرهم.
وعن جابر قال: كان لي خال يرقي من العقرب، فنهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن الرُّقى. قال: فأتاه فقال: يا رسول الله! إنك نهيت عن الرقى، وأنا ارقي من العقرب، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل" أخرجه مسلم(2199)، وابن ماجه(3515)، وغيرهما. وفي رواية:" ما أرى بأساً، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه".
و النبي – صلى الله عليه وسلم – رقاه جبريل ـ عليه السلام ـ فيما أخرجه مسلم(2185) عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: كان إذا اشتكى رسول الله – صلى الله عليه وسلم –
رقاه جبريل، قال: "باسم الله يُبريك، ومن كل داء يَشْفيك، ومن شرِّ حاسد إذا حسد، وشرِّ كلِّ ذي عين"
وفي رواية أبي سعيد س عند مسلم أيضاً برقم(2186)، أنَّ جبريل أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا محمد! اشتكيت؟ فقال: "نعم". قال: " باسم الله أرقيك، من كلِّ شيءٍ يؤذيك، من شرِّ كل ذي نفس، أو عينِ حاسدٍ اللهُ يشفيك، باسم الله أرقيك".
والأحاديث في تعويذ النبي – صلى الله عليه وسلم – نفسَه كثيرة، منها حديث أبي سعيد الخدري قال: "كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يتعوَّذ من الجانِّ، وعين الإنسان، حتى نزلت المعوِّذتان، فلما نزلتا؛ أخذ بهما وترك ما سواهما" أخرجه الترمذي (2058)، وحسّنه، وابن ماجه
(3511) وقال الشيخ الألباني ـ رحمه الله ـ في التعليق على هداية الرواة(4/282): إسناده صحيح. وثبت "أنه – صلى الله عليه وسلم – كان ينفث بهما ـ المعوِّذتان ـ على نفسه في المرض الذي مات فيه، فلما ثَقُلَ، كانت عائشة – رضي الله عنها – تنفث عليه بهنَّ، وتمسح بيد نفسه؛ لبركتها"أخرجه البخاري (5735)، ومسلم (2192)، واللفظ للبخاري.
والنبي – صلى الله عليه وسلم – رقى كثيراً من الصحابة، من ذلك رقيته – صلى الله عليه وسلم –
لبعض أهله، يمسح بيده اليمنى ويقول: "اللهم رب الناس، أذهب الباس، واشفه وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءٍ لا يغادر سقماً" أخرجه البخاري (5743)، ومسلم (2191)
يتبع
صفات الراقي
أهم ما يجب أن يكون عليه الراقي من شمائل وصفات مايلي:
1) صحة العقيدة، والإخلاص لله ﻷ فإذا رقى أحداً فيخلص الاستعانة، والاستعاذة بالله في الانتفاع بهذه الرقية.
2) أن يكون ذا علم بالرقية المشروعة.
3) أن يكون قصده نفع إخوانه، ونفع المريض والمحتاج إلى الرقية.
4) أن يعلِّق المريض بالله ﻷ وأنَّ الشفاء بيده وحده، وأن الرقية والراقي مجرد أسباب أباح الشرع تعاطيها.
5) أن يكون بعيداً عن العجب بنفسه، والتعاظم بقوله: شفيت كذا، وقرأت على كذا… بل يجب أن يكون ذا خشوع، وخضوع، وإخبات لله ﻷ.
6) أن يكون متنزهاً عن موارد الزلل والفتنة، خاصة في الرقية على النساء؛ لأن الشيطان ربما دخل على الإنسان من جهة الرقية في الخلوة بالمرأة، أو في وضع يده على المرأة، أو نحو ذلك مما نهى عنه الشرع. انتهى ملخصاً بتصرف من كتاب "الرقى وأحكامها " للشيخ صالح آل الشيخ ص(23 ـ 25)
هذا بعض ما تيسَّر ذكره، ولا ادّعي أنني أحطت بالموضوع كله، فهناك أمور كثيرة أُغفلت؛ رغبة في الاختصار، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
مخالفات الرقاة الشرعية
1) التفرُّغ للرقية، والاتجار بها، واتخاذ ما يسمى بـ (العيادات
القرآنية!!)
، و(الاختصاص بالرقية الشرعية!!)، وذلك من بدع العصر الحاضر، إذ لم يكن في عرف السلف الصالحين، ولا الأئمة المتبوعين مثل هذا التفرّغ، ومتى كانت الرقية الشرعية محصورة في أناس معينين؟؟!
2) الضرب المبرح للمريض، واستخدام أدوات في ذلك كالعصيّ، والكيُّ بالكهرباء.
3) ادّعاء بعضهم أنّه قادر على تحديد مكان الجني من الشخص المتلبّس، أو انّه رآى الجني وهو يخرج من بدن المتلبَّس.
4) اقتصار كثير منهم على إسماع المريض آيات الرقية(!!) من شريط مُسَجّل، دون القراءة المباشرة على المريض. وذلك لا يغني عن الرقية؛ لأنها عمل يحتاج إلى اعتقاد ونية، ومباشرة النَّفْثِ والنفَس.
5) الخلوة بالمرأة الأجنبية، ومسُّ جسدها، أو يدها، أو جبهتها، أو رقبتها، بحجة الضغط على الجني، والتضييق عليه، وتسويغ بعضهم لذلك ـ بتأويل باطل ـ بأنه مثل الطبيب المعالج.
6) ادّعاء بعضهم أنّه يتعامل مع الجن المسلم في فك السحر، أو في علاج المتلبّس، أو معرفة نوع إصابته، ونوع علاجها، وعلى فرْض صحة تلك الدعوى فهو مما لا يجوز، ولا يعتبر وسيلة شرعية في العلاج، بل هو من الشرك؛ لأنَّ الله ﻷ يقول:" وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً" (الجن : 6 ). ويقول: " وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ" (الأنعام : 128 )
7) أمر بعضهم للمريض بتخيّل العائن، أو من سحره، وطلب بعضهم من القرين(الجني) أن يخيّل للمريض من أصابه بالعين.
8) الرقية بمكبر صوت، أو عبر الهاتف، أو الرقية الجماعية؛ بان يقرأ على جمعٍ في آن واحد.
9) الكلام الكثير مع الجني المتلَبِّس، ـ حتى أصبحنا نرى كتباً فيها محاورات ومناقشات مع الجن ـ وتصديقه فيما يدّعي حول السحر والعين، والبناء على دعواه.
10) انتزاع آيات معينة تخص السحر، وأخرى للعين، وثالثة للجان، وجعلها في أوراق أو أختام؛لتغمس بالماء، أو ليلتزم قرائتها المريض، أو ليضعها على جسده، أو يعلقها في رقبته، أو يضعها تحت وساده، أو بين فراشه.
هذه بعض مخالفات الرقاة، ولا أزعم أني استقصيتها جميعاً، ففي كل يوم تُطلُّ علينا بدع ومخالفات جديدة، والله المستعان.
ٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌٌ
هل يجوز للمراة ان يرقيها الرجل
هل يجوز للرجال أن يرقوا النساء الأجنبيات؟
الشيخ مشهور حسن سلمان
الجواب:
لا يوجد في الزمن الأول، وهو الزمن الأنور، وهو خير الأزمنة وأفضل القرون لا يوجد أناس متخصصون بالرقية، فلو سألنا من كان من الصحابة متخصصاً بالميراث لقلنا فلان وفلان، ولو سألنا من كان متخصصاً بفقه المنازل لقلنا فلان وفلان، ومن كان متخصصاً بالتفسير لقلنا فلان وفلان، وهكذا في سائر العلوم لكن لو قلنا: من كان من بين الصحابة والتابعين يعمل بالرقيا؟ فلا نعرف أحداً متخصصاً بها.
فالرقيا للمرأة تكون ممن يخص هذه المرأة، فامرأة احتاجت للرقيا يرقيها زوجها، ابنها أخوها أبوها، والبركة بالقرآن وليست بالراقي، {وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خساراً}. فيشترط في الرقية أن يكون المرقي عنده يقين أن القرآن ينفع، وأنه شفاء، والعلماء يقولون: القرآن شفاء للأبدان، وشفاء للأرواح، فإن قرأ إنسان وهو متيقن والمقروء عليه متيقن، وعنده إيمان تام بأن القرآن ينفع، فالحمد لله.
فالمرأة الأصل فيها أن يرقيها أحد محارمها، فإن احتاجت للرقيا وتعذر هذا المحرم، فحينئذ تلجأ إلى من يرقيها وتلتمس فيه الصلاح، ويشترط أن لا تقع الخلوة بينها وبين الراقي، وكثير من الذين يرقون، والعياذ بالله، دجالون، ولا يجوز للمرأة أن يخلو الراقي بها، فهذا حرام، ولا يجوز للراقي أن يمسها وإنما يقرأ عليها، إلا عند الضرورة القصوى كالطبيب.
والعلماء يقولون: يحرم على المرأة أن تذهب عند الطبيب الذكر، يجب عليها أن تذهب للطبيبة المسلمة، فإن لم تجد المسلمة تتحول للطبيبة الكتابية، والطبيبة الكتابية في الشرع مقدمة على الطبيب المسلم، لأنها امرأة مثلها، ولا تظنوا أن الأطباء جماد لا يتأثرون، فالأطباء فيهم أحاسيس، وبعض الورعين منهم يسألون ويقولون نجد في أنفسنا شيئاً من الشهوة لما تأتيه المرأة شابة وجميلة، وتكشف عن مواطن الشهوة، فلا تقل لا يجد في نفسه، إلا إن سلبته من مشاعره وأحاسيسه، وينبغي للرجل أن يغار على ابنته وزوجته، ولا يجوز له بأي حال من الأحوال أن يذهب بها مباشرة إلى الطبيب مع وجود الطبيبة، فإن وجدت الطبيبة المسلمة فحرم أن تذهب إلى الكتابية، فإن لم توجد المسلمة ولا الكتابية تذهب للطبيب المسلم، فإن تعذر وجود المسلم تذهب للطبيب الكتابي، وبعض الناس اليوم يذهب إلى الطبيب الكافر مباشرة، لا أقول الكتابي ولكن الكافر الملحد الفاجر، وهذا حرام.
وتقع اليوم بسبب هذه التجاوزات كثير من المحاذير الشرعية، قد يعلمها الزوج وقد لا يعلمها، بل قد تعلمها المرأة وقد لا تعلمها، وقد تعلمها وتشعر بها وتخجل أن تتكلم بها، ولذا ينبغي أن نحتاط.
ويجب على الأطباء، لاسيما في الكشف عن العورات ومسها، يجب ألا يمارس ذلك بنفسه، وينبغي أن تكون عنده من الممرضات والطبيبات ليدرأ ما استطاع هذا عن نفسه، وتأملوا قول الله: {ولا تقربوا الزنا}، ولم يقل: ولا تزنوا، فالخلوة من قربان الزنا، والمس والمصافحة من قربان الزنا، والسفر إلى بلاد الكفر من قربان الزنا، والتكسر في الكلام من قربان الزنا وهكذا. والله أعلم.
يتبع