السؤال (8) : فضيلة الشيخ ، ما هي أنواع التوحيد مع التوضيح والأمثلة لذلك ؟
الجواب : أنواع التوحيد بالنسبة لله عز وجل ، تدخل كلها في تعريف عام ، وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بما يخص به ، وهي ثلاثة أنواع :
توحيد الربوبية : وهو إفراد الله تعالى بالخلق ، والملك ، والتدبير ، فالله تعالى وحده هو الخالق ، لا خالق سواه قال الله تعالى ( هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لا إِلَه إلا هو)(فاطر: 3)، وقال تعالى مبيناً بطلان آلهة الكفار (أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (النحل:17)، فالله تعالى وحده هو الخالق ، خلق كل شيء فقدره تقديراً ، وخلقه يشمل ما يقع من مفعولاته ، وما يقع من مفعولات خلقه أيضاً ، ولهذا كان من تمام الإيمان بالقدر أن تؤمن بأن الله تعالى خالق لأفعال العباد ، كما قال تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات:96) .
ووجه ذلك : أن فعل العبد من صفاته ، والعبد مخلوق لله ، وخالق الشيء خالق لصفاته.
ووجه آخر : أن فعل العبد حاصل بإرادة جازمة وقدرة تامة ، والإرادة والقدرة كلتاهما مخلوقتان لله عز وجل ، وخالق السبب التام خالق للمسبب ، فإذا قلت : كيف نقول إنه تعالى منفرد بالخلق ، مع أن الخلق قد يثبت لغير الله ، كما يدل عليه قول الله تعالى : ( فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)(المؤمنون: 14)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في المصورين : " يقال لهم أحيوا ما خلقتم (2) ، فالجواب على ذلك : أن غير الله تعالى لا يخلق كخلق الله ، فلا يمكنه إيجاد معدوم ، ولا إحياء ميت ، وإنما خلق غير الله سبحانه وتعالى يكون بالتغيير ، وتحويل الشيء من صفة إلى أخرى ، وهو مخلوق لله عز وجل ، فالمصور مثلاً إذا صور صورة فإنه لم يحدث شيئاً ، غاية ما هنالك أنه حول شيئاً إلى شيء ، كما يحول الطين إلى صورة طير ، أو إلى صورة جمل ، وكما يحول بالتلوين الرقعة البيضاء إلى صورة ملونة ، والمداد كله من خلق الله عز وجل ، والورقة البيضاء أيضاً من خلق الله عز وجل ، فهذا هو الفرق بين إثبات الخلق بالنسبة لله عز وجل ، وإثبات الخلق بالنسبة إلى المخلوق ، وعلى هذا فيكون الله تعالى منفرداً بالخلق الذي يختص به .
ثانياً : من توحيد الربوبية : إفراد الله تعالى بالملك ، فالله تعالى وحده هو المالك ، كما قال تعالى : (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الملك:1) ، وقال تعالى : (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ) (المؤمنون:88) ، فالمالك الملك المطلق العام الشامل هو الله سبحانه وتعالى وحده ، ونسبة الملك إلى غيره نسبة إضافية ، فقد أثبت الله تعالى لغيره الملك ، كما في قوله تعالى ( أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ)(النور: 61) ، وقوله تعالى : (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ )(المؤمنون: 6)، وما أشبه ذلك من النصوص الدالة على أن لغير الله تعالى ملكاً ، لكن هذا الملك ليس كملك الله عز وجل ، فهو ملك قاصر ، وملك مقيد ، ملك قاصر لا يشمل ، فالبيت الذي لزيد لا يملكه عمرو ، والبيت الذي لعمرو لا يملكه زيد ، ثم هذا الملك مقيد ، بحث لا يتصرف الإنسان فيما ملك إلا على الوجه الذي أذن الله فيه ، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال(3). وقال الله تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً )(النساء:5)، وهذا دليل على أن ملك الإنسان ملك قاصر ، وملك مقيد، بخلاف ملك الله سبحانه وتعالى فهو ملك عام شامل ، وملك مطلق ، يفعل الله سبحانه وتعالى ما يشاء ، ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون .
الركن الثالث من أركان توحيد الربوبية: أن الله تعالى منفرد بالتدبير ، فهو سبحانه وتعالى الذي يدبر الخلق ، يدبر أمر السموات والأرض كما قال الله تعالى : ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)(الأعراف: 54)، وهذا التدبير تدبير شامل ، لا يحول دونه شيء ، ولا يعارضه شيء ، والتدبير الذي يكون لبعض المخلوقات ، كتدبير الإنسان أمواله ، وغلمانه ، وخدمه ، وما أشبه ذلك ، هو تدبير ضيق محدود، ومقيد غير مطلق ، فظهر بذلك صحة قولنا : إن توحيد الربوبية هو إفراد الله تعالى بالخلق ، والملك، والتدبير ، فهذا هو توحيد الربوبية.
أما النوع الثاني : فهو توحيد الألوهية، وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة ، بأن لا يتخذ الإنسان مع الله أحداً يعبده ويتقرب إليه ، كما يعبد الله تعالى ويتقرب إليه ، وهذا النوع من التوحيد هو الذي ضل فيه المشركون ، الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم ، واستباح نساءهم وذريتهم وأموالهم وأرضهم وديارهم ، وهو الذي بعثت به الرسل، وأنزلت به الكتب مع أخويه توحيدي الربوبية والأسماء والصفات ، لكن أكثر ما يعالج الرسل أقوامهم على هذا النوع من التوحيد ، وهو توحيد الألوهية ، بحيث لا يصرف الإنسان شيئاً من العبادة لغير الله سبحانه وتعالى ، لا لملك مقرب ، ولا لنبي مرسل ، ولا لولي صالح ، ولا لأي أحد من المخلوقين ، لأن العبادة لا تصح إلا لله عز وجل ، ومن أخل بهذا التوحيد فهو مشرك كافر ، وإن أقر بتوحيد الربوبية وبتوحيد الأسماء والصفات ، فلو أن رجلاً من الناس يؤمن بأن الله سبحانه وتعالى هو الخالق المالك المدبر لجميع الأمور ، وأنه سبحانه وتعالى المستحق لما يستحقه من الأسماء والصفات ، لكن يعبد مع الله غيره ، لم ينفعه إقراره بتوحيد الربوبية وبتوحيد الأسماء والصفات ، لو فرض أن رجلاً يقر إقراراً كاملاً بتوحيد الربوبية والأسماء والصفات ، لكن يذهب إلى القبر فيعبد صاحبه ، أو ينذر له قرباناً يتقرب به إليه ، فإن هذا مشرك كافر ، خالد في النار ، قال الله تعالى ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)(المائدة: 72).
ومن المعلوم لكل من قرأ كتاب الله عز وجل ، أن المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم واستحل دماءهم وأموالهم ، وسبى ذريتهم ونساءهم ، وغنم أرضهم ، كانوا مقرين بأن الله تعالى وحده هو الرب الخالق ، لا يشكون في ذلك ، ولكن لما كانوا يعبدون معه غيره ، صاروا بذلك مشركين مباحي الدم والمال.
أما النوع الثالث من أنواع التوحيد : فهو توحيد الأسماء والصفات ، وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بما سمى به نفسه ووصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، وذلك بإثبات ما أثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه ، من غير تحريف ولا تعطيل ، ومن غير تكييف ولا تمثيل، فلابد من الإيمان بما سمى الله به نفسه ، ووصف به نفسه ، على وجه الحقيقة لا المجاز ، ولكن من غير تكييف ولا تمثيل.
وهذا النوع من أنواع التوحيد ضلت فيه طوائف من هذه الأمة من أهل القبلة ، الذين ينتسبون إلى الإسلام على أوجه شتى ،منهم من غلا في النفي والتنزيه غلوا يخرج به من الإسلام ، ومنهم متوسط ، ومنهم قريب من أهل السنة ، ولكن طريق السلف في هذا النوع من التوحيد ، هو أن يسمى الله عز وجل ويوصف بما سمى ووصف به نفسه على وجه الحقيقة ، بلا تحريف ، ولا تعطيل ولا تكييف ، ولا تمثيل.
مثال ذلك : أن الله سبحانه وتعالى سمى نفسه بالحي القيوم ، فيجب علينا أن نؤمن بالحي على أنه اسم من أسماء الله ، ويجب علينا أن نؤمن بما تضمنه هذا الاسم من وصف ، وهي الحياة الكاملة التي لم تسبق بعدم ، ولا يلحقها فناء ، وسمى الله سبحانه وتعالى نفسه بالسميع العليم ، فيجب علينا أن نؤمن بالسميع اسماً من أسماء الله ، وبالسمع صفة من صفاته ، وبأنه يسمع ، وهو الحكم ، الذي اقتضاه ذلك الاسم وتلك الصفة ، فإن سميعاً بلا سمع ، أو سمعاً بلا إدراك مسموع ، هذا شيء محال ، وعلى هذا فقس.
مثال آخر : قال الله تعالى : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) (المائدة:64)، فهنا قال الله تعالى : (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) فأثبت لنفسه يدين موصوفتين بالبسط ، وهو العطاء الواسع ، فيجب علينا أن نؤمن بأن لله تعالى يدين اثنتين مبسوطتين بالعطاء والنعم ، ولكن يجب علينا ألا نحاول ، لا بقلوبنا وتصوراتنا ولا بألسنتنا أن نكيف تلك اليدين ، ولا نمثلهما بأيدي المخلوقين ، لأن الله سبحانه وتعالى يقول ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: 11) ويقول الله تعالى : (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (الأعراف:33)، ويقول الله عز وجل : (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الاسراء:36) .
فمن مثل هاتين اليدين بأيدي المخلوقين فقد كذب قول الله عز وجل: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: 11) ، وقد عصى الله تعالى في قوله : (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ) (النحل:74) ، ومن كيفهما وقال هما على كيفية معينة أيا كانت هذه الكيفية فقد قال على الله ما لا يعلم ، وقفا ما ليس له به علم.
جامع مسائل العقيدة و التوحيد على منتدى الشريعة الاسلامية ( 1 2)