المبحث الثالث: أسماء الله تعالى توقيفية
مذهب جمهور أهل السنة والجماعة أن أسماء الله تعالى توقيفية، فلا يجوز تسميته سبحانه بما لم يرد به السمع.
وذلك أن أسماء الله تعالى من الأمور الغيبية التي لا يمكن لنا معرفة شيء منها إلا عن طريق الرسل الذين يطلعهم الله على ما يشاء من الغيب ثم هم يبلغونه للناس فلا يجوز القياس فيها أو الإجتهاد لأن هذا الباب ليس من أبواب الاجتهاد.
قال أبو إسحاق الزجاج: "لا ينبغي لأحد أن يدعو الله بما لم يصف به نفسه"( 1).
وقال أبو إسحاق القشيري(2 ): "الأسماء تؤخذ توقيفياً من الكتاب، والسّنّة، والإجماع، فكلّ إسم ورد فيهما وجب اطلاقه في وصفه، وما لم يرد لا يجوز ولو صحّ معناه".
وقال أبو سليمان الخطابي: "ومن علم هذا الباب؛ أعني الأسماء، والصفات، ومما يدخل في أحكامه، ويتعلق به من شرائط أنه لا يتجاوز فيها التوقيف، ولا يستعمل فيها القياس، فيلحق بالشيء نظيره في ظاهر وضع اللغة، ومتعارف الكلام، فالجواد: لا يجوز أن يقاس عليه السّخيّ، وإن كانا متقاربين في ظاهر الكلام، وذلك أن السّخيّ لم يرد به التوقيف كما ورد بالجواد،
ثم إن السّخاوة موضوعة في باب الرّخاوة واللّين، يقال: أرض سخيّة وسخاويّة إذا كان فيها لين ورخاوة، وكذلك لا يقاس عليه السّمح لما يدخل السماحة من معنى اللّين، والسّهولة.
وأما الجود فإنما هو سعة العطاء من قولك جاد السّحاب إذا أمطر فأغزر، وفرس جواد إذا بذل ما في وسعه من الجري.
وقد جاء في الأسماء القويّ، ولا يقاس عليه الجلد، وإن كان يتقاربان في نعوت الآدميين لأن باب التجلّد يدخله التكلّف، والإجتهاد.
ولا يقاس على القادر- المطيق و لا المستطيع لأن الطاقة، والاستطاعة إنما تطلقان على معنى قوّة البنية، وتركيب الخلقة.
وفي أسمائه العليم، ومن صفته العلم فلا يجوز قياساً عليه أن يسمى عارفاً لما تقتضيه المعرفة من تقديم الأسباب التي بها يتوصل إلى علم الشيء وكذلك لا يوصف بالعاقل.
وهذا الباب يجب أن يراعى، ولا يغفل فإن عائدته عظيمة، والجهل به ضار، وبالله التوفيق.اهـ ( 3).
وقال السفاريني في نظمه للعقيدة:
لكنّها في الحق توقيفيّة**لنا بذا أدلّة وفيّة.
ثم شرح البيت فقال:
لكنّها: أي الأسماء الحسنى، في القول الحقّ المعتمد عند أهل الحق توقيفيّة بنصّ الشّرع، وورود السّمع بها.
ومما يجب أن يُعلم أنّ علماء السّنّة اتّفقوا على جواز إطلاق الأسماء الحسنى، والصفات العلى على الباري جل وعلا إذا ورد بها الإذن من الشارع، وعلى امتناعه على ما ورد المنع عنه. اهـ(4 ).
فالحق أن: أسماء الله تعالى توقيفيّة؛ لأنها من الأمور الغيبية التي لا تُعلم إلا بما جاء عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم.
فلا مجال للقياس، وإعمال العقل فيها إثباتاً أو نفياً لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه الله من الأسماء لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نحصى ثناءاً عليك أنت كما أثنيت على نفسك"(5 ).
فإذا تبين أنّ أسماء الله تعالى توقيفيّة فلا يجوز أن يشتقّ من الفعل أو من الصّفة إسماً لله تعالى.
فباب الأفعال أوسع من باب الأسماء ( 6).
وما ورد مقيداً أو مضافاً من الأسماء في القرآن أو السّنّة فلا يكون إسماً بهذا الوارد مثل اسم (المنتقم) فلم يرد إلا مقيداً في قوله تعالى: {إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ}( 7).
وما ورد مضافاً مثل: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}( 8).
فلا يؤخذ هذا الاسم من هذا الورود المضاف لكن يؤخذ من آيات أُخر.
وإذا ورد في الكتاب، والسّنّة إسم فاعل يدلّ على نوع من الأفعال ليس بعام شامل فهذا لا يكون من الأسماء الحسنى لأن الأسماء الحسنى معانيها كاملة الحسن تدلّ على الذّات، ولا تدلّ على معنى خاصّ مثل مجري السّحاب، هازم الأحزاب، الزّارع، الذّاري( 9).
————————————–
(1 ) انظر معاني القرآن وإعرابه 2/392.
(2 ) الفتح (11/123) والمنهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى (ص 38).
( 3) شأن الدعاء (ص111-112).
(4 ) لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية شرح الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية (1/124).
( 5) أخرجه مسلم في صحيحه (1/352) كتاب الصلاة باب ما يقال في الركوع والسجود.
(6 ) انظر مدارج السالكين لابن القيم (3/415) والقواعد المثلى لابن عثيمين (ص21).
(7 ) السجدة (22).
( 8) الرعد (9).
(9 ) انظر رسالة أقوم ما قيل في القضاء والقدر والحكمة والتعليل لشيخ الإسلام ابن تيمية ضمن مجموع الفتاوي (8/196) ومعارج القبول للحكمي (1/72، 73) وشرح القواعد المثلى لابن عثيمين شريط (2) وجه (1) وكتاب أسماء الله الحسنى للغصن (ص136).
سلام