تخطى إلى المحتوى

دور المرأة التنموي كما قرره القرآن الكريم 2024.

دور المرأة التنموي كما قرره القرآن الكريم
القعدة
هل قرر الإسلام للمرأة دورا إيجابيا ملزما في بناء مجتمعها ثقافيا واجتماعيا وسياسيا واقتصاديا , أم أنه حصر دورها البنائي في المؤسسة الأسرية بحيث لا يجوز لها أن تتعداه إلى الفاعلية البنائية في مجالات الحياة العامة؟
هذا ما نود أن نقف عليه من خلال بعض آيات القرآن الكريم .
اولا : يقول الله تبارك وتعالى : (يا أيها الناس إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) (الحجرات 13) .

ورد موضوع الآية الكريمة بصيغة التأكيد للفت الأنظار نحو اهميته , كي لا نمر عليه مرورا عابرا , وقد حصل التأكيد عليه بكلمة (إن) فإنها تفيد التاكيد وقوله عز وجل (لتعارفوا) , أما اللام هنا هي لام التعليل كما تقرر في اللغة يكون ما بعدها غاية لما قبلها ومقتضى ذلك إن الله خلقنا من ذكر وأنثى وجعلنا شعوبا وقبائل من أجل أن تقوم بيننا الصلات والروابط القائمة على أساس التقوى كما يظهر من قوله تعالى : (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) …فموضوع الآية الكريمة إذن هو أن الله عز وجل يريدنا أن نعمل ونمهج الحياة كمجتمعات مترابطة , ويريد من الأفراد ذكورا وإناثا أن يعمل كل منهم من خلال وجوده في المجتمع وليس بعيدا معزولا عنه .
ثانيا : يبين القرآن الكريم بسورة العصر المباركة أن لمسؤولية التغيير البنائي في المجتمع واقعة على عاتق جميع الناس برجاله ونسائه , وأن جميع الناس لديهم وظائف مهمة إزاء بعضهم البعض , حيث يقول عز وجل : (بسم الله الرحمن الرحيم والعصر إن الإنسان لفي خسر, إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات , وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) والسورة تريد أن توجه أنظارنا إلى أمر هو في غاية الأهمية حيث تم التأكيد عليه أولا من خلال القسم وثانيا من خلال (إن) في قوله (إن الإنسان) وثالثا من خلال اللام في قوله (لفي خسر) والأمر البالغ الأهمية الذي تخبرنا به السورة المباركة هو إن الإنسان لن يفوز برضوان الله وجناته إلا من أستثنى , والمستثنون الذين سوف يرتقون عند الله وتكون لهم المكانة والحظوة هم (الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) ولا أريد الخوض في جميع جوانب تفسير السورة , ولكن ما يهمنا فيها هو قوله عز وجل (وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) .
التواصي من مقولة التفاعل وليس من مقولة الفعل , والفرق بين الفعل والتفاعل أن الفعل قد يصدر من طرف واحد بإزاء مجموعة , ولكن التفاعل هو عبارة عن إيحاد فعل متبادل بين الأفراد ومن لا يساهم في هذا الفعل فهو خارج من مقولة التفاعل , ومعنى هذا التواصي هو عملية تأكيد وتواصل بين جميع هؤلاء الأفراد بإزاء بعضهم البعض , وطبعا يجب أن يكون ذلك بحسب الصيغة المبينة في الشريعة الإسلامية , ويدخل في ضمنه التواصي بالصبر ولكن على ذكرالتواصي بالصبر للتاكيد على أهميته .
إذن بتقرير السورة المباركة من يتخلى من الرجال أو النساء عن دوره البنائي المتفاعل في المجتمع الإسلامي فإنه يخرج حينئذ من إستثناء من يكون خاسرا حيث قال عز وجل : إن الإنسان لفي خسر (أي المتخلي عن دوره البنائي سيكون من الخاسرين حقا , وكما هو واضح أن السورة القرآنية تشمل الإنسانية بذكورها واناثها .
ثالثا : (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) (التوبة 71) .
فكما جعل الله الولاية للرجل على مجتمعه في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , جعلها كذلك للمرأة على مجتمعها فحملها مسؤولية وواجب بناء مجتمعها بكل ما تتسع له كلمة المعروف من خير ومنفعة , وأوجب عليها دفع المنكرات والسوء عنه بكل ما تشمله كلمة المنكر من ضرر وحطر , وجعل هذه الفريضة البنائية والتنموية أهم وأعلى فريضة إسلامية يتعبد بها المسلم والمسلمة لله تبارك وتعالى , فلا يجوز للمرأة المسلمة أن تكون رقما سالبا في قضايا أمتها ومجتمعها , وهي ملزمة إلزاما شرعيا إلى جانب واجبها الأسروي أن تؤدي دورها الإسلامي الأصيل في حماية المجتمع وبنائه في مختلف الميادين الحياتية , وما نراه اليوم من إبتعاد المرأة أو إبعادها في المجتمعات الإسلامية عن مجريات الأحداث وحرمانها من أداء دورها الإسلامي التنموي لا يعبر عن الأصالة الإسلامية بل ويخالف التعاليم الإلهية التي يشير إليها القرآن الكريم والسنة المطهرة بوضوح وقوة تؤكدها السيرة الإسلامية في صدر الإسلام , ومما تتضح فيه المفارقة بين الأصالة الإسلامية فيما تقرره البشرية الإسلامية للمرأة من دور تنموي فعال وبين التقاليد العرفية اللاإسلامية التي تقضي عزل المرأة عن الحياة العامة وما يفتي به غالب الفقهاء والمعاصرين من جواز ممارسة المرأة لحق الترشيح والإنتخابات لعضوية المجالس البرلمانية , بل يرى بعضهم ضرورة ممارستها لهذه الحقوق إنطلاقا من ولاية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أكثر المواقع التي تحقق الكفاية الشرعية في دفع المنكرات وإقامة المعروف بجميع أبعده الرئيسية .

بارك الله فيك اخي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.