فاعلم أن أول من أصل في البدع هو الإمام الشاطبي رحمه الله تعالى في كتابه الاعتصام ، وكل من جاء بعده عالة عليه، رحمة الله على كل العلماء.
ثم أما بعد:
الفصل الأول : تعريف البدعة :
المبحث الأول : لغة : إحداثُ شيء لم يكن له من قبل خلق ولا ذكر ولا معرفة وقيل الاختراع على غير مثال سابق كما قال تعالى "قل ما كنت بدعا من الرسل" أي لست أول من جاء بالرسالة من عند الله وفي تعريف آخر بدع الشيء يبدعه بَدْعًا وابتدعه: أنشأه وبدأه، والبدعة: الحدث، وما ابتدع من الدين بعد الإكمال ومن هذا المعنى سمي العمل الذي لا دليل عليه في الشرع بدعة ، وهذا مجمل ما جاء في تعريفها.(انظر قواميس اللغة كلمة بَدَعَ)
المبحث الثاني : اصطلاحا : قال الشاطبي : "هي طريقة مخترعة في الدين تضاهي الطريقة الشرعية يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله" ، وإضافتها للدين من قبيل المقيد ، إذ لو كانت في أمور الدنيا فهي اختراع جائز كاتخاذ السجون، والأكل بالملاعق والشوكة … أما ما يتعلق به الخطاب الشرعي، فيتعلق به الابتداع.
تضاهي الطريقة الشرعية من غير أن تكون كذلك لأن صاحبها يضاهي بها السنة حتى يكون ملبسا بها على الغير أو تكون هي ما تتلبس عليه بالسنة ، وأما المبالغة في التعبد لله فهي الحث على الانقطاع للعبادة والترغيب في ذلك ولها أوجه، منها ما يحدث في بعض المساجد من التزام كيفية أو هيئة معينة للذكر بصوت واحد، وتخصيص يوم عاشوراء بأكل معين أو ذكر معين، والاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم. ومنها التزام عبادات معينة في أوقات معينة ، كالتزام إخراج الزكاة في عاشوراء وقد حال الحول قبل ذلك. ويخرج بالقيد العادة. أما سائر العلوم الخادمة للشريعة كالنحو والصرف وغيرها فإنَّها وإن لم توجد في الزمان الأوَّل فأُصولها موجودة في الشرع.
المبحث الأول : الأدلة على ذم البدعة :
نقتصر على آية وحديث ودليل عقلي :
-قول الله تعالى: ((وأنَّ هذا صِراطِي مُسْتقِيماً فاتَّبِعُوهُ ولاَ تَتَّبِعُوا السُبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عنْ سَبِيلِهِ، ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [الأنعام 153] فالصراط المستقيم هو سبيل الله الذي دعا إليه وهو السُّنَّة، والسبل هي سبل أهل الاختلاف الحائدين عن الصراط المستقيم وهم أهل البدع.
كلِّ وجه، لم يبتدع ولا استدرك عليها. وقائل هذا ضال عن الصراط المستقيم.
البدعة تنشأُ عن أربعة أوجه:
الأول : أن يخترعها المبتدع وهو الحقيق باسم البدعة
الثاني: أن يعمل بها العالم على وجه المخالفة، فيفهمها الجاهل مشروعة وهو يشبه التنصيص بالقول.
الثالث: أن يعمل بها الجاهل مع سكوت العالم عن الإنكار، وهو قادر عليه، فيفهم الجاهل أنَّها ليست بمخالفة ، وهو كالثاني في التنصيص ، وتكون المخالفة فيهما بالذات والبدعة من خارج
الرابع: من باب الذرائع، وهي أن يكون العمل في أصله معروفاً، إلا أنَّه يتبدل الاعتقاد فيه مع طول العهد بالذكرى، فالمحظور الأول غير واقع فيه بالعرض فلذلك كانت من باب الذرائع.
وهو أطول الفصول ، ومربط الفرس في الموضوع.
اختلف العلماء في تقسيم البدع بين مجيز ومانع ، ولكل فريق أدلته نسوقها باختصار :
المبحث الأول: القائلون بالتقسيم وأدلتهم:
–الدليل الأول: ما في الصحيح من حديث جرير بن عبد الله قوله صلى الله عليه وسلم: ((من سنَّ سُنَّةً حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها لا ينقص ذلك من أُجورهم شيئاً، ومن سنَّ سُنَّةً سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا))
أي من اختراعها من نفسه لكن بشرط أنْ تكون حسنة فله من الأجر ما ذكر، فليس المراد: من عمل سُنَّةً ثابتةً ، وهو تجويز للابتداع.
-الدليل الثاني: قول عمر رضي الله عنه في صلاة التراويح ((نعم البدعة هي)) البخاري ، وهو صريح في استحسان بعض البدع.
-الدليل الثالث: أجمع الصحابة على جَمْعِ القرآن وكَتْبِه في المصاحف، وعلى جمع الناس على المصاحف العثمانية، واطِّراح ما سوى ذلك من القراءَات التي كانت مستعملة في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن في ذلك نصٌ ولا حَظْر.(والإجماع حجة)
الردّ على الأدلة :
أما الحديث الأول فبالرجوع إلى سبب ورود الحديث يتبين أن المراد منه ليس الاختراع والحديث بتتمته فيه سبب الورود وهو: عن جرير بن عبد الله قال كنَّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار فجاءَه قوم حفاة عراة مجتابي النِّمار – أو العباء – متقلدي السيوف، عامتهم مضر-بل كلهم من مضر، فَتَمَعَّر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رآهم من الفاقة، فدخل ثم خرج فأمر بلالاً فأذَّن وأقام، فصلَّى ثم خطب فقال: ((يَا أيُّها النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ))النساء1 والتي في سورة الحشر18: ((اتَّقُوا الله وَلْتَنْظُر نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)) تصدق رجل من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّه، من صاع تمره، حتى قال: ولو بِشِق تمرة)) قال: فجاءَه رجل من الأنصار بصُرَّة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت. قال: ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يَتهلَّل كأنَّه مُذْهَبَةٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سن في الإسلام سُنَّةً حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أنْ ينقص من أُجورهم شيٌ، ومن سَنَّ سُنَّةً سيئةً كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من غير أنْ ينقص من أوزارهم شيءٌ)) رواه مسلم.
فدل على أنَّ السُّنَّةَ ها هنا مثل ما فعل ذلك الصحابي وهو العمل، بما ثبت كونه سُنَّةً.
قوله: ((من سن سُنَّةً حسنةً ومن سن سُنَّةً سيئةً)) لا يمكن حمله على الاختراع من أصل، لأنَّ كونها حسنة أو سيئة لا يُعرف إلا من جهة الشرع، لأنَّ التحسين والتقبيح مختص بالشرع، لا مدخل للعقل فيه وهو مذهب أهل السُّنَّةِ، وإنَّما يقول بالتحسين والتقبيح بالعقل المبتدعة، فلزم أنْ تكون السُّنَّةُ في الحديث إمَّا حسنة في الشرع وإمَّا قبيحة بالشرع، فلا يَصْدُقُ إلا على مثل الصدقة المذكورة، وما أشبهها من السنن المشروعة، وتبقى السُّنَّةُ السيئة مُنَزَّلة على المعاصي التي ثبت بالشرع كونها معاصي. وعلى البدع لأنَّه قد ثبت ذمها والنهي عنها بالشرع.
-وأما قول عمر ، فله أصل في الشرع أيضا ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى التراويح بأصحابه ليالي، ثم تخلف عنهم خشية أن تفرض عليهم وبقي الناس يصلونها فرادى وجماعات متفرقة، فأعاد عمر جمعهم على إمام واحد ، وأحيا السنة، فيكون قد أعاد شيئًا قد انقطع.
-وأما الثالث : فهو من قبيل المصالح المرسلة (وهي جلب مصلحة راجحة ليس في الشرع ما ينفيها)، وليس بدعة ، وما دون جمع المصحف فهو وارد في السنة ككتابة العلم…
المبحث الثاني : القائلون بمنع التقسيم وأدلّتهم:
-أشهر دليل لهم قوله صلى الله عليه وسلم ((وخير الهدى هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة)) رواه مسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)) رواه النسائي. وكل عند الأصوليين من ألفاظ العموم ، فتشمل كل بدعة من غير استثناء.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى "ولا يحل لأحد أن يقابل هذه الكلمة الجامعة ((كل بدعة ضلالة)) بسلب عمومها، فهذا من مشاقة الرسول صلى الله عليه وسلم أقرب إلى التأويل".
-أن أدلة ذم البدع جاءت مطلقة عامة على كثرتها , لم يقع فيهااستثناء ألبته , ولم يأت فيها شيء مما يقتضي أن منها ما هوهدى , ولا جاء فيها: كل بدعةضلالة إلا كذا وكذا…ولاشيءمن هذه المعاني فلو كان هناك بدع يقتضيالنظر الشرعي فيهاأنها حسنة , لذكر ذلك في آية أو حديث , لكنه لا يوجد فدلعلى أنتلك الأدلة بأسرها على حقيقة ظاهرها من الكلية والعموم الذي لا يتخلف عن مقتضاه فرد من الأفراد.
-سد الذرائع: وذلك أن القول بالبدع الحسنة يفتح باب الابتداع على مصراعيه , ولا يمكن معه رد أيبدعة , لأن كل صاحب بدعة سيدعي أنبدعته حسنة.
-إجماع السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن يليهم علىذمها وتقبيحهاوالهروب عنها , وعمن اتسم بشيء منها , ولميقع منهم في ذلك توقف ولااستثناء فهو بحسب الاستقراءإجماع ثابت يدل دلالة واضحة على أن البدعكلها سيئة ليس فيهاحسن.
– ومن العلماء من قسَّم البدع بأقسام أحكام الشريعة الخمسة ولم يعدوها قسماً واحداً مذموماً، فجعلوا منها ما هو واجب ومندوب ومباح ومكروه ومحرَّم.
جاء في رد للشيخ ابن باز رحمه الله عن سؤال حول تقسيم البدعة إلى خمسة أقسام كما ذكره النووي رحمه الله "…وهذا هو الصواب، أنها لا تنقسم إلى هذه الأقسام التي ذكرالنووي وغيره بل كلها ضلالة، والبدعة تكون في الدين لا في الأمور المباحة، كالتنوعفي الطعام على وجه جديد لا يعرف في الزمن الأول، فهذا لا يسمى بدعة من حيث الشرعالمطهر، وإن كان بدعة من حيث اللغة، فالبدعة في اللغة هي الشيء المحدث على غير مثالسبق، كما قال عز وجل ((بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ))، يعني مبتدعها وموجدها على غير مثال سابق، لكن لا يقال في شيء أنه فيالشرع المطهر بدعة إلا إذا كان محدثا لم يأت في الكتاب والسنة ما يدل على شرعيته،وهذا هو الحق الذي ارتضاه جماعة من أهل العلم وقرروه وردوا على من خالف ذلك…".
نسوق بعض الأمثلة عن البدع الواقعة في زماننا هذا تعليما للجاهل، وتنبيها للغافل، وتذكيرا للناسي، فما كان فيه من صواب فمن الله وحده، وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان وأستغفر الله من خطأي :
1- المرأة الأمريكية (أمينة ودود) التي أمّت الرجال في صلاة الجمعة ، وصلى خلفها الرجال والنساء في صف واحد بشبهة جواز إمامة المرأة وعمدتهم في ذلك أحاديث لا يصلح الاستدلال بها في الباب.
2- يوم عاشوراء وما يتعلق به ، من تخصيصه عيدا ، إلى تخصيص إخراج الزكاة فيه ، إلى الاكتحال ووضع الحناء ، أو تخصيصه بمأكل ومشرب ولباس وذكر…
3- ومن البدع التي تحدث في المساجد ، رفع صوت المكبرات يوم الجمعة بالقرآن ، والذكر الجماعي قبل الصلاة أو بعده ، والزخرفة التي أصبحت أكبر الطامات.
4- ومن البدع في الجنائز : إتباعها بالتهليل والتكبير ، ومنها تأخير الجنازة لا لعذر شرعي كانتظار أحد من أهله ، ومنها نقل الميت من مكان إلى آخر من دون سبب شرعي، وخاصة الشهداء كما فُعل بشهداء ثورة الجزائر، أو الدفن في صندوق وغيره، ومنها ما يحدث في المقابر من ضحك وغيره أثناء الجنازة، ومنها أيضا المواعظ التي يلقيها بعض الأئمة في المقابر بعد الدفن أو قراءة الفاتحة، ومنها صنع أهل الميت الطعام للناس، ومنها تخصيص اليوم الثالث واليوم الأربعين….
5- ومن البدع في الطهارة : التلفظ بالنية عند الوضوء وترك الكلام ، ومنها ما يفعله بعض كبار السن عندنا من قول لا إله إلا الله محمد رسول الله عند غسل الوجه، ومنها مكوث المرأة النفساء أربعين يوما وإن طهرت قبل ذلك….
6- ومن بدع السلام: الانحناء ، ومنها قول صباح الخير وغيرها قبل السلام عليكم.
إن باب البدع واسع وعظيم، لا يشمله بحث صغير، مع ما فيه من التقصير، نسأل الله القبول والعفو عن الزلل، إنه جواد كريم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أما تخريج الأحاديث وترقيم السور فمنقولة بواسطة أصحابها.
ولكن مع اسف اصبحت البدع تطبق اكثر من السنة
لا حول ولا قوة الا بالله