تُسَخِّر الحيوانات جميع حواسها تقريباً من أجل الاتصال. ويستخدم كثير من الحيوانات أكثر من قناة حسية، وعلى نحو متكامل، لضمان التقاط الإشارة الاتصالية. ويتناول البحث فيما يلي جميع القنوات الحسية الممكنة مع أمثلة عن كل منها.
الجمل اللمسية: يمكن للحيوان أن يكتشف الأشياء التي تقع على تماس معه (مصادفة أو إرادياً) بفضل حاسة اللمس لديه. ويصعب، حتى في الإنسان، الفصل بين المستقبلات المختلفة الموجودة في الجلد والتي تتنبه بالأشياء التي تلامسه. ولابد، في مجال الاتصالات الحيوانية بحاسة اللمس، من قيام التماس المباشر بين الأفراد، وهذا يعني أن الاتصال الحيواني باستخدام هذه القناة لا يتعدى المسافات القصيرة للغاية بين الأفراد.
أنماط الاتصال اللمسي: تتفاوت أنماط التماس كثيراً في طبيعتها وتوقيتها. فالإشارات اللمسية يمكن أن تتبدل بسرعة في شدتها وطبيعتها، كما يسهل تشغيلها وإيقافها. ولذلك تنفع الإشارات اللمسية بوجه خاص في نقل المعلومات الكمية، إذ تلزم إشارات متغيرة باستمرار لنقل عناصر معلوماتية متغيرة باستمرار.
يقوم الحيوان المرسل للإشارات اللمسية بإنتاج هذه الإشارات من حركات خاصة يُذكر منها: القبض والمسك بفضل المخالب واللواقط والأذرع، وكذلك الصدم بكامل الجسم وغير ذلك. فالنحلات مثلاً تجوب أرجاء خليتها مصطدمة بأجسام أقرانها لإشعارها بالإشارة الاتصالية. وهنا يجري استقبال الإشارة بوساطة مستقبلات للتماس واقعة على سطح الجسم.
الاستقبال اللمسي: تُعْرَفُ بعض الحيوانات بمستقبلات لمسية خاصة شديدة الحساسية، فنحل العسل مثلاً له مستقبلات للحركة في أرجله على جانب كبير من الحساسية تمكنها من كشف حركة الكريات في دماء الحشرات، وكذلك فإن «الشوارب» الطويلة في وجه القطة يكفيها أن تتحرك جزءاً بسيطاً من الملمتر حتى يستشعر الحيوان بفضلها الحركة التي تلامسه.
وتوجد قنوات الاتصال اللمسي في جميع المجموعات الحيوانية. فبعض معائيات الجوف Coelenterata البحرية يعيش في مستعمرات من بولبات polyps دقيقة، يحتفظ كل بولب منها باتصال عضوي مع البولبات الباقية. فإذا لُمِسَ أحدُها فإنه ينكمش، ولكن لا تلبث البولبات الباقية أن تستشعر المنبه وتنكمش هي أيضاً على الرغم من أن المنبه لم يتناولها مباشرة. وبالانتقال من هذه الجملة الاتصالية اللمسية البسيطة إلى جملة نظيرة راقية، كتلك التي لدى نحل العسل، يرى أن النحلة، إذا ما اكتشفت مصدراً للرحيق، فإنها تدل على موقعه وبعده وقيمته بفضل ما تقوم به من الجري بنسق محدد داخل خليتها. وهنا تلتقط النحلات الأخريات المعلومة الاتصالية باستشعار إيقاع حركات النحلة الكشافة وتوجهاتها.
ومن أمثلة استخدام المنبهات اللمسية في الاتصال عند الثدييات ما تقوم به الخنازير من دفع بالجسم وحك بالأنف في سلوكها الغزلي، وما يقوم به ذكر الزراف من إثارة لأنثاه في عملية «معانقة"، إذ تلتوي رقبتاهما الطويلتان الواحدة حول الأخرى وتفرك كل رقبة رقبة شريكها، وما تقوم به ذكور القطط والخيول من عض حقيقي للإناث يثيرها ويحثها على التقبل الجنسي من جانب الذكر. وإذا ما أخذ بالحسبان دور الشفاه «تلمظاً وتقبيلاً» لدى الرئيسات Primata، كما عند القردة في عمليتي الغزل والاقتران، تبينت أهمية القنوات اللمسية في لغة الاتصال الجنسي لديها.
الجمل الكيمياوية: تعد الحواس الكيمياوية أكثر قنوات الاتصال استخداماً في عالم الحيوان. ومن المعروف أن للإنسان حاستين كيمياويتين هما الشم والذوق. ولكن يصعب، بل يستحيل فصل هاتين الحاستين الواحدة عن الأخرى في العديد من الحيوانات. وعلى العموم تعد خاصة الاستقبال الكيمياوي البعيد أو حاسة الشم هي الحاسة الأهم شأناً في الاتصال الحيواني.
ويمكن أن تؤثر الإشارات الكيمياوية من مسافات بعيدة، لكنها قد لا تعطي إلا القليل من المعلومات عن جهة مصدرها، ما لم يكن هناك حركة للماء أو الهواء الذي يحملها. ولما كانت مثل هذه الحركة متوافرة في كثير من الأحيان، فإن تلك الإشارات الكيمياوية تستخدم استخداماً واسعاً في جذب الأقران من الذكور والإناث بعضها إلى بعضها الآخر.
وتتصف الروائح بخاصة الديمومة مدة من الزمن فلا يمكن استخدامها مؤشراً لتواتر الإشارة الكيمياوية (حضوراً أو غياباً) مثلما هي حال اللمس والضوء والصوت.
إصدار الإشارات الكيمياوية: قد تصدر الإشارات الكيمياوية عن جسم الحيوان، بمعنى كونها رائحة الجلد نفسه. ولكن ما يعد إشارات كيمياوية حقيقية في الاتصال الحيواني هو تلك المواد الكيمياوية التي تفرزها غدد خاصة لهدف معين، كالروائح الجنسية لدى بعض الحيوانات، فهذه الغدد تفرز كيمياويات نوعية specific تدهن بها الحيوانات أجسامها، ثم تتبخر هذه الكيمياويات أو تُطْلَق في الهواء أو الماء مباشرة.
ويُذْكَر على سبيل المثال أن بعض الأساريع caterpillars تُخرج عند الإنذار «قروناً» تنفث حولها روائح خاصة. قد يدوم إنتاج الرائحة طويلاً، كما في الروائح المميزة للأنواع الحيوانية، أو يقتصر إنتاجها على اندفاعات قصيرة، كما في الروائح الجنسية وروائح الإنذار.
استقبال الإشارات الكيمياوية: يتم استقبال الإشارات الكيمياوية بما يسمى المستقبلات الكيمياوية chemical receptors التي تؤلف أعضاء الشم والذوق. وغالباً ما تقع أعضاء الذوق في الفم أو بالقرب منه، كما هو متوقع، ما دامت تُستخدم في الغالب في تعرف الطعام قبل ابتلاعه. ولكن بعض الأسماك يضم، إلى جانب أعضاء الذوق حول الفم، نظائر لها على الزعانف والذيل. كما أن بعض الحشرات تحوي أعضاء للذوق على قرون استشعارها حتى على أرجلها. قد يصعب في كثير من الحالات، التفريق بين أعضاء الذوق وأعضاء الشم. فاللافقاريات المائية تتحسس بالكيمياويات على امتداد أجسامها دونما تفريق بين أعضاء للشم وأعضاء للذوق. ولئن كان للحشرات، في الغالب، أعضاء للشم على قرون الاستشعار المتحركة، مما يتيح لها إدراك الروائح على نحو مجسم (إذا جاز التعبير)، فإن أعضاء الشم هذه لا تقتصر في الحشرات على تلك القرون، إذ إن لبعض أنواع الحشرات نظائر لها بالقرب من الفم أو في أجزاء أخرى من الجسم.