المحطة الكونية الثانية (الكواكب): للأرض ثماني أخوات هي الكواكب، وتكون المنظومة الشمسية، وهي تحتل المركز الثالث في تسلسل البعد عن الشمس. ويبدأ هذا التسلسل بكوكب عطارد، ثم الزهرة، ثم الأرض، ويليها المريخ، ثم المشتري، ثم زحل، فأورانوس، ونبتون، ثم بلوتو. وكل الكواكب تدين بولاء الجاذبية للشمس، في أفلاك متباعدة أو مدارات بيضاوية
(Ellipse
)، بحيث تكون الشمس في إحدى بؤرتي هذا الشكل البيضاوي أو الإهليلجي. وأقرب الكواكب للأرض هو الزهرة (41 مليون كيلو متر)، ويليه المريخ (78 مليون كم) وآخر الكواكب بلوتو الذي اكتشف عام 1930م يبعد عن الشمس (5900 مليون كم). وأكبر هذه الكواكب حجماُ هو المشتري؛ إذ يبلغ قطره قدر الأرض 11 مرة، وبالتالي فإن حجمه قدر حجم الأرض 1295 مرة، ويجذب إليه 12 قمراً، واكتشف صور سفن
" فواياجير ـ 2 " أنها (16) قمراً. ومن أن الآخر يتردد أخبار عن اكتشاف الكوكب العاشر في المنظومة الشمسية، ولكن لم يرسخ هذا الكشف بعد. المحطة الكونية الثالثة (الشمس): وفي وقفتنا التالية نجد الشمس، وهي دعامة الحياة الإنسانية والنباتية والحيوانية على الأرض، فلولاها لما اكتملت دورة الحياة الإنسانية والحيوانية والنباتية، والتي تعتمد على الماء كأساس؛ مصداقاً لقوله تعالى:
)وجعلنا من الماء كل شئ حي (30) ([سورة الأنبياء]، )خلق السماوات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار (5) ([سورة الزمر]، )ألم تروا كيف خلق الله سبه سماوات طباقاً * وجعل القمر فيهن نوراً وجعل الشمس سراجاً (15 ، 16) ([سورة نوح]. طبيعة الشمس: الشمس أقرب نجوم السماء إلى الأرض، فبعدها يبلغ 150 مليون كيلو متر (= 92.9 مليون ميل). وهي تبدو لنا ضخمة الحجم؛ إذ يعادل قطرها قطر الأرض 109 مرة، ويبلغ 864.000 ميل؛ لذلك فإن حجمها يبلغ 1.3 مليون مرة حجم الأرض. وتبدو هذه الكرة النارية محدودة للناظر إليها من الأرض لأن بعدها كبير عنا. غير أنه رغم هذه الضخامة البادية في حجمها، فإنها ليست إلا نجماً متواضع الحجم بالقياس إلى النجوم الأخرى، فكل من هذه النجوم يمكن اعتباره شمساً مع فارق أن بعض هذه النجوم يفوق شمسنا في الحجم مئات أو آلاف المرات. ولكن من رحمة الله أن أبعادها عنا مهولة وشاسعة، ويزيد عن بعد الشمس مئات بل آلاف ملايين المرات فيجعلها تبدو لنا صغيرة، ولا يصل لنا من حرارتها إلا النزر اليسير. ولقد تركز كثير من أبحاث الفضاء حول الشمس، باعتبارها نواة لمدارات كواكب المجموعة الشمسية، ولإجراء القياسات العلمية اللازمة عن إشعاعاتها والسنة اللهب التي تنطلق من سطحها، وقد قامت عدة أقمار صناعية بهذه القياسات خير قيام، ونقلت للعلماء على الأرض المؤثرات الشمسية على الأرض. وسر اتقاد الشمس أنه يحدث انصهار عدد (68) عنصراً، أهمها الأيدروجين والهيليوم تحت ضغط (40 مليون ضغط جوي) ويتوالى انصهار هذه العناصر ذرياً، وتصدر عنها الحرارة والإشعاع الضوئي مكبلاً بالضغط المهول عليها.
المحطة الكونية الرابعة (النجوم): تبعد النجوم عن الأرض بمسافات شاسعة، وقد تعدد ذكرها في القرآن في آيات كثيرة، وأبلغها دلالة هي:
)والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره (54) ([سورة الأعراف]، )فلا أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم لو تعلمون عظيم (75 ، 76) ([سورة الواقعة]. كما ورد ذكر بعض حالات ظواهر خاصة تتعلق بالنجوم مثل النجوم التي تتهاوى:
)والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى (1 ، 2) ([سورة النجم]، )والسماء والطارق * وما أدرك ما الطارق * النجم الثاقب ( 1 ـ 3) ([سورة الطارق]. إشارة إلى حركة الشهب وسقوط النيازك.
طبيعة النجوم: لو شئنا عد نجوم السماء لعجزنا عن ذلك، فعددها لا يقدر بالملايين ولا بالبلايين، ولكن بلايين البلايين. ومن عجب أن تكون شمسنا وهي أحد هذه النجوم منفردة بتكوينها أسرة من تسعة كواكب هي المجموعة الشمسية حولها. وماذا يمنع أن يكون لكل من هذه النجوم ـ أي الشموس ـ أسرها المحيطة بها كذلك؟ وما يمنعنا من رؤيتها إلا أبعادها المهولة عنا، وعجز وسائل القياس المتوفرة لدينا عن التغلغل إلى هذه الأبعاد السحيقة.
إن الملايين من هذه النجوم موغلة في الفضاء اللانهائي، إلى حد أن ضوءها يصل إلينا عبر ملايين السنين. ولقد أصبحت وحدات القياس الطولية غير ذات جدوى في قياس هذه المسافات، فاستخدمت وحدات قياس كبيرة هي " السنة الضوئية " التي تعادل المسافة التي يغطيها الضوء خلال سنة بسرعته الكبيرة، والتي تساوي 186.000 ميل في الثانية. وبذلك فإن السنة الضوئية تعتبر وحدة قياس للمسافات الطويلة تعادل 6 : 10 12 ميل، أي 6 مليون ميل (= 6 بليون ميل) تعادل (9.5 بليون كم).
وعلى سبيل المثال فإن ضوء الشمس يصل إلى الأرض خلال ثمانية وثلث دقيقة. بينما أقرب النجوم الأخرى إليها يبلغ 4.2 سنة ضوئية، أي : يقع على مسافة 25 بليون ميل، ومعنى ذلك أن هذا النجم القريب المعروف باسم
" الأقرب القنطوري " ألفاسنتوريس يبلغ بعده عن الأرض قدر بعدها عن الشمس 300.000 مرة. والنجم المسمى " الطائر " يصل إلينا ضوءه خلال 14.5 سنة ضوئية، أي أنه يبعد عنا 87 بليون ميل. والنجم المعروف باسم " النسر " يبلغ بعده 180 بليون بليون ميل، ونجم " السماك " يصل ضوءه خلال خمسين سنة ضوئية، أي: يبلغ بعده 300 بليون ميل. ولا شك أن هذه المسافات ـ التي يمكن أن ننعتها بأنها خيالية ـ ثمرة قياسات علمية متوالية عبر أجيال طويلة، وهبي تصور لنا مبلغ تواضع الشمس في حجمها بالنسبة لهذه النجوم. فنجم مثل
" ألف الجبار " يبلغ قدر حجم الشمس 25 مليون مرة، بينما يكبر نجم" القيطس " عن حجم الشمس 30 مليون مرة، وكثير من النجوم الأخرى يبلغ من الكبر حداً بحيث يمكن أن يبتلع بداخله ملايين مثل شمسنا. ولا ريب أن ذلك يصور لنا مبلغ ضآلة أرضنا، وشمسنا، ومجموعتنا الشمسية في الفضاء عدداً وبعداً وحجماً، ويرسم لنا من ناحية أخرى مقدار اتساع المجرة الذي يحوي كل هذه النجوم.
الكوكبات: تتجمع النجوم في مجموعات متقاربة نسبياً، يطلق على كل مجموعة منها اسم كوكبة Constellation، أو
" القرى النجمية ". ولقد أولع القدماء برصد التجمعات النجمية، أي: الكوكبات، حيث يسهل رصد كثير منها بالعين المجردة في الليالي غير القمرية عندما تكون السماء صافية. وليسهل عليهم تصورها تخيلوها على هيئة حيوانات أو أبطال، ونسجوا لها الأساطير الخرافية. وهذا هو السر في أن كثيراً من الكوكبات تحمل أسماء حيوانات: كالجدي، والسرطان، والدجاجة، والدب، والفرس، والأسد، والعقرب. كما أن بعضها الآخر يحمل أسماء أبطال الأساطير العربية أو الرومانية مثل " ذات الشعور " و " إبط الجوزاء " و " أوريون " و " هرقل " و " فرساوس ". وأنت إذا نظرت إلى السماء في ليلة صافية الأديم ترى الآلاف من النجوم ترصع قبة السماء، بدرجات متفاوتة من اللمعان. ويمكنك الإطلاع على أحد أطالس النجوم لمعرفة أسماء الكوكبات التي تراها وتمييز أشهر نجومها.
دائرة البروج: مجموعات النجوم ـ أي: الكوكبات ـ التي تظهر خلف مدار الشمس الظاهري " Ecliptic" الذي يميل على خط الاستواء بمقدار 23.5ْ تسمى البروج. ويحدها شريط عرضه (9ْ) على جانبي مدار الشمس. ولو قسمنا هذا الشريط إلى (12) قسماً تحتل الشمس كل شهر قسماً منه، ويظهر في كل شهر برج ذو شكل مميز على الترتيب من اليوم (21) إلى اليوم (20) من الشهر التالي: (برج الحمل من 21 مارس إلى 20 أبريل، ثم الثور، ثم الجوزاء، السرطان، الأسد، العذراء، الميزان، العقرب، القوس، الجدي، الدلو، الحوت).
مجرة درب التبانة: يمكن أن نقول بأن الشمس وما حولنا من نجوم تقع داخل " جزيرة نجمية " يطلق عليها اسم "
المجرة " " Galaxy
".ولكي نتصور جزيرتنا النجمية " درب التبانة " نشبهها بقرص عظيم القطر، منتفخ عند المنتصف، فيشبه بذلك القرص المستخدم في الألعاب الرياضية. أو هي كصفحتين متعاكستين من صحاف الطعام. ولهذا الشكل الخيالي محوران، المحور الطولي يبلغ طوله 100.000 سنة ضوئية، أما المحور الرأسي قيبلغ طوله 10.000 سنة ضوئية. ولك أن تتخيل مقدار اتساع هذه المجرة بتحويل كل سنة ضوئية إلى 6 مليون مليون " بليون " ميل. وتقع الشمس على المحور الطولي بعيداً عن مركز هذه المجرة على مسافة 30.000 سنة ضوئية من هذا المركز، أي أن موقعها يقسم المحور الطولي بنسبة 4 : 1.
صورة لأحد المجرات في الكون
ولك أن تتخيل عدد النجوم التي تحويها هذه الجزيرة النجمية أو المجرة. إن هذا العدد يقرب من مليون بليون نجم. ولقد ظن القدامى أن حشد النجوم الذي يشبه الوشاح هو نهاية الكون، لكن عندما كبرت المراصد تبين خطأ هذا الظن، وتبين وجود مئات بل آلاف المجرات الأخرى خارج مجرتنا. وشبه القدامى نجوم هذا الوشاح بطريق سقط عليه اللبن، أو تناثرت عليه حبات التبن فلمعت، وأسموه " درب التبانة ".
المحطة الكونية الخامسة (المجرات):
ومن مجموعات النجوم، تتكون المجرات، أو الجزر الكونية أو " لبنات الكون "، ولقد تحقق رصد كثير من المجرات خارج مجرتنا " المنتهية بسكة التبانة " على مسافات تتراوح بين مليون وبليون سنة ضوئية. ثم زادت هذه المسافات بفضل زيادة عدسات ومرايا المراصد الفلكية، وزادت أكثر بفضل إطلاق المراصد الفلكية عام 1973م على متن معمل السماء الأمريكي " سكاي لاب " ثم المرصد الفلكي الفضائي " هابل " عام 1990م، وأقرب المجرات إلينا هي مجرة السديم الأعظم في كوكبه " المرأة المسلسلة " Andromida"وتبعد عنا 700.000 سنة ضوئية. وبها عدد من النجوم يقرب من عدد نجوم مجرتنا. والمجرات أشكال مختلفة بعضها عدسي، وبعضها حلزوني أو لولبي، وبعضها دائري. ولقد حفز اكتشاف مزيد من المجرات كثيراً من العلماء إلى التفكير في نهاية الكون، وانجراف بعضهم إلى القول بأنه يمتد إلى " وهم " تصوروه وأطلقوا عليه " ما لا نهاية Infinity". فكان مثلهم كمثل من وصف الماء بأنه الماء. إلا أن أينشتين أعطى في عام 1961م تصوراً لشكل الكون بأنه محدودب على نفسه كمثل الكرة، وإننا عاجزون حالياً عن إدراك نهايته الثابتة. وحدد لذلكم معاملاً أطلق عليه ( ثابت إينشتين ). وكان ذلك مبنياً على افتراضات نظرية وليس على قياسات أو أسس عملية.
صورة لسديم الجوزاء كما صورته أحد المراصد الفلكية الأوربية
غير أن ( أدوين هابل ) الفلكي الأمريكي طلع على العالم في عام 1925م بملاحظات ذكية عن المجرات قوضت نظرية الكون الثابت، واعتمد على قياسات قام بها من " مرصد جبل ويلسون " الذي قطر مرآته 100 بوصة. وقال بأن الكون يتمدد ويتسع. وقد اعتمد في ذلك على رصد هدد كبير من السحب الكونية المسماة " السدم " (Nebulae).فقد اكتشف أنها تتألف من نجوم متقاربة؛ ولذلك تبدو لنا متلاحقة، وقد كان صبوراً ومثابراً ونجح في رصد (103) سديم، حدد مواقعها بدقة، وصنفها، وحدد شدة إضاءتها وأبعادها في أطلس خاص، وحلل بجهاز الطيف (Spectroscope)أضواءها لمعرفة مادتها.
وقد تحقق " هابل " من ظاهرة " ابتعاد المجرات " بزيادة المسافات بينها. أي: اتساع الكون أو تمدده، برصد (40) مجرة.
وتحقق قول الحق في القرآن: )والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون (47) ([سورة الذاريات].
وبذلك أطاح هابل بنظرية الكون الثابت لإينشتين والتي استنام لها العلماء مدة طويلة. وأصبح لديه الإجابةالشافية عن وجود الظلام الذي يضرب أطنابه على 99% من الفضاء الكوني بين المجرات. إذ أن مادة هذه الجزر الكونية لا تمثل أكثر من 1% من حجم الكون !! وبالتالي يمكن تصور حجم هذا الكون المهول الذي خلقه الله.
واستطاع هابل أن يحدد بحسابات رياضية أن هناك " معاملاً رياضياً لتمدد الكون واتساعه، وأطلق عليه الرياضيون اسم " معامل هابل ". واستطاع بذلك أن يرجع إلى الماضي وحدد عمر الكون بأنه بين 15 ، 20 مليار سنة.
وعلى درب هابل انطلق علماء آخرون وأعطوا تفسيراً لاستمرار تمدد واتساع الكون بأن كل مجرة يتولد منها " جنين " ينطلق من رحم " المجرة الأم " ويبتعد عنها بعد حين في صورة سحابة دخانية. واستطاع بعضهم بواسطة المرصد الأريوي في " نيومكسيكو " اكتشاف مجرات في طور التكوين يبلغ حجمها ثلاثة أمثال حجم مجرتنا، وقاسوا عمرها فوجدوه 12 بليون سنة. وتأيد أن عمر الكون يقرب من 15 بليون سنة. وأن الكون ماض في الاتساع والتمدد. وفي كل عام تفرز ملايين النجوم وتتشكل من مادة أصلها " الدخان السحابي من السدم ".
صورة توضح كيفية الانفجار الكوني الكبير وتكون المجرات
وتحقق أيضاً قول الحق تبارك وتعالى:
)ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سماوات في يومين، وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير العزيز العليم (11 ، 12) ([سورة فصلت].
وعلى ضوء هذه الحقائق عادت إلى أذهان العلماء نظرية الانفجار العظيم (Big Bang)التي أعطت تصوراً قديماً عن نشأة الكون في بدايته نتيجة حدوث انفجار هائل في كتلة من المادة، تفرقت منها كتل سحابية ضخمة في مختلف الاتجاهات، بدأت تتشكل منها النجوم، وتتكون من مجموعاتها المجرات.
وفي عام 1989م أطلقت أمريكا القمر الصناعي كوب (Cobe Cosmic Background Explorer)على مدار ارتفاعه 650 كيلو متر فوق الأرض، لإجراء قياسات قرارية غاية في الحساسية، للأضواء الصادرة من النجوم والمجرات، واستطاع أن يسجل فروقاً في درجات الحرارة حتى 1/30000 من الدرجة المئوية بين نجمين مختلفين. فالفرق في درجتين بين نجمين يعطي الدلالة بنظرية " دوبلر " (Doppler) على اتجاه حركة كل منهما بالنسبة للآخر.
صورة لمركبة الفضاء الأمريكية كوب
ومنذ إطلاق القمر " كوب " حتى مايو 1992م استطاع إجراء زهاء (450) مليون عملية قياس ورصد لدرجات حرارة النجوم أخضعت وكالة " ناسا " أغلبها لمجموعات من العلماء لتحليلها، فوجدوا أن المعلومات الحرارية لأجرام كونية على بعد (9.4 × 10 21) مليون كيلو متر، أي : حوالي 10 تريليون كيلو متر. ومعنى ذلك أن المادة التي تشكل أجرام الكون تمتد إلى هذه المسافة الشاسعة، وتتألف منها المجرات البعيدة. ومعنى اختلاف درجات الحرارة أن هناك فروقاً زمنية بين بدء تشكيل كل منها، وهذا برهان دامغ على أن الكون يتمدد.
صورة لخليفة الإشعاع الكوني التي صورته مركبة الفضاء الأمريكية كوب حيث يشير اللون الأحمر إلى المادة الحارة التي يتكون منها الكون وتدرجات اللون الأحمر إلى اختلاف في درجات الحرارة أما اللون الأزرق فيشير إلى المادة الباردة طبعاً هذه الصورة تشير إلى أن الكون يتوسع بلا شك وهذا دليل على الانفجار الكوني العظيم
وما زالت الاكتشافات تتوالى ، ففي 17 يناير 1996م أعلنت " ناسا " أن تلسكوب الفضاء هابل ما زال يكتشف مئات المجرات الجديدة التي لم يسبق رؤيتها؛ لأنها شديدة الشحوب، وذلك بالتوغل إلى أعماق سحيقة وصلت إلى أكثر من 500 سنة ضوئية بعداً عن الأرض. وصرح عالم متخصص أن لدينا صوراً عن (1500) مجرة على الأقل في مراحل مختلفة من التكوين. وهذا ما دعا الفلكي الأمريكي الملحد " اسموت " إلى الإيمان بالله بعد أن رجع القمر " كوب " القهقري بالزمن 300 ألف سنة وعشر دقائق وثانية واحدة. إلى لحظة بدء نشأة الكون، إلى لحظة بدء الخلق، أي لحظة إرادة الله التي كانت (كن فيكون).
قضايا كونية
العقلاء في الفضاء:
ولقد تعرض القرآن إلى وجود الحياة على الأرض وعلى الكواكب الأخرى، مما شجع الكثيرين على القول بوجود الحياة على أجرام سماوية أخرى:
)تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم (44) ([سورة الإسراء].
)ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير([سورة الشورى].
بل هناك استنكار للقول بعكس ذلك:
)أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم * إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون (81 ، 82) ([سورة يس].
وفي 20 يناير 1996م أعلن عن كشف كوكبين جديدين خارج المنظومة الشمسية على بعد 35 سنة ضوئية من الأرض، باعتبار أن بيئتهما دافئة بدرجة تسمح بوجود الماء سائلاً، يقع الأول في كوكبة العذراء، والثاني في كوكبة الدب الأكبر. وهذا كشف عالمي، " ستوجه إليهما المراصد لاستكشاف صور الفراغات منها ".
التصوير القرآني ليوم القيامة:
وفي القرآن تصوير علمي ليوم القيامة بأنه اليوم الذي يتحقق فيه وجود الخلل في روابط الجاذبية التي بين الكوكب والشمس وعدم انتظام دورانها، وتفجر مكوناتها، وكلها تشير إلى أنها تعني تفكك الاتزان الموجود في الكون.
* )فإذا برق البصر * وخسف القمر * وجمع الشمس والقمر * يقول الإنسان يومئذ أين المفر * كلا لا وزر * إلى ربك يومئذ المستقر (7 ـ 12) ([سورة القيامة].
* )إذا الشمس كورت * وإذا النجوم انكدرت * وإذا الجبال سيرت * وإذا العشار عطلت * وإذا الوحوش حشرت * وإذا البحار سجرت * وإذا النفوس زوجت * وإذا الموءودة سئلت * بأي ذنب قتلت * وإذا الصحف نشرت * وإذا السماء كشطت * وإذا الجحيم سعرت * وإذا الجنة أزلفت * علمت نفس ما أحضرت (1 ـ 14) ([سورة التكوير].
* )إذا السماء انفطرت * وإذا الكواكب انتثرت * وإذا البحار فجرت * وإذا القبور بعثرت * علمت نفس ما قدمت وأخرت (1 ـ 5) ([سورة الانفطار].
* )إذا السماء انشقت * وأذنت لربها وحقت * وإذا الأرض مدت * وألقت ما فيها وتخلت * وأذنت لربها وحقت * يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه * فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حساباً يسيراً * وينقلب إلى أهله مسروراً (1 ـ 9) ([سورة الانشقاق].
* )يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين (104) ([سورة الأنبياء].
بصمات الفكر الإسلامي على الحضارات:
ومن الإنصاف القول بأن الحضارة العلمية الإسلامية قد تركت آثارها حتى على صفحة السماء، فإلى جانب الإسطرلاب والكزولة التي عرف بها العرب المقاييس والمواقيت ضبطاً لمواعيد الصلاة والصيام، فما زالت آثار الحضارة العربية في رصد النجوم باقية في كل المراجع الأجنبية بشتى اللغات حتى اليوم مع تحريف في النطق، وعلى سبيل المثال نجد أسماء النجوم التالية في هذه المراجع حتى اليوم شاهداً على ذلك:
آخر النهار
Acer ner
الراعي
El rai
أقمار
Acmer
أنف " الفرس "
Enif
العذارى
Adara
فم الحوت
Fam el haut
الدبران
Aldebaran
جناح
Genah
الغول
Algol
حمل
Hamel
الغراب
Algorab
قوس
Kaus
الجنب
Algenib
مركب
Markeb
القائد
El Kaid
منقار
Menkar
الكأس
Alkes
منطقة (الحبل)
Mintaka
الطرف
Alterf
مرفق
Mirfak
الفرس
Al Pharaz
رجل (قدم)
Rigel
الفرد
Alpherd
صدر (الدجاجة)
Sadr
الفكة
Al Phecca
سيف (الجبار)
Saif
إبط الجوزاء
Bet El Geuse
شولة
Shaula
قيطس
Cetus
سبيكة
Spica
الدنب
Dencb
سهيل
Suhail
ظهر (الأسد)
Duhr
ثعبان
Thuban
الدلفين
Delphine
عنق الحية
Unuk El Hay
الدب
Dubhc
الزبان الجنوبي
Zcben El Genubi
لكن ما يمكن للمسلمين أن يفخروا به هو التحرر الفكري والعقلي الذي اقترن بتفسير الكونيات، دون أن يرموا أي مجتهد في هذا المجال بالكفر والضلالة.
ورغم فارق الزمن نجد على الجانب الآخر أن بعض علماء الفلك المسيحيين رماهم رجال الكنيسة بالكفر والإلحاد؛ لمجرد تجاسرهم على مخالفة رأي رجال الدين فيما تناقلوه عن حركة الأجرام السماوية؛ لأن علم الفلك كانت دراسته حكراً عليهم، ومحرمة على غيرهم، ومثال ذلك ما حدث للعالم الفلكي البولندي كوبرنيكس عام (543 ميلادية) عندما تجاسر وقال بأن الأرض تدور حول الشمس، وأن الأرض ليست مركزاً للكون، بخلاف ما كان يقول رجال الكنيسة. ولقد ظل خائفاً ثلاثة عشر عاماً قبل أن يجرؤ ويعلن هذا الرأي على الملأ في أحد كتبه، وعندما نشر الكتاب جمع وأحرق.
ولقد حوكم الفلكي الفيزيائي الإيطالي " جاليليو " أمام مجمع الكرادلة، وحكم بإحراق مؤلفاته، والزج به في السجن؛ لأنه جوؤ على التطلع إلى السماء بمنظار مقرب صنعه بنفسه، وقال بنفسه ما قال به كوبرنيكوس من أن الأرض والكواكب الأخرى تدور حول الشمس، وكان كل جريمته أنه قال بأن الأرض تدور حول محورها، وظل في السجن حتى كف بصره.
بدعة التنجيم وربطها بالنجوم:
ولق تمثلت المهزلة الكبرى في استغلال رجال الكنيسة علوم الكونيات للارتزاق بعقول البسطاء بالربط بين برج السماء وبعض الظاهر الكونية، وبين حظوظ الناس، فنشأ علم التنجيم Astrologyوكأنه مشتق من علم الفلك Astrononyالأمر الذي انحدر من بعدهم وما زالت آثاره باقية في كثير من الصحف والمجلات؛ سعياً وراء التلاعب بغزيرة الفضول وحب التطلع إلى المستقبل لدى كثير من الناس.
وفي المقابل نجد الإسلام ينهي عن ذلك .. بقوله تعالى: )وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت (34) ([سورة لقمان].ويقول: «كذب المنجمون ولو صدقوا».
ولقد نهى ـ صلى الله عليه وسلم ـ جماهير المسلمين عندما رأى بعضهم يقول بعد موت ابنه إبراهيم بأن كسوفاً حدث للشمس حزناً على إبراهيم، فقال: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينكسفان لموت أحد أو لحياته، فإن رأيتموهما فادعوا وصلوا حتى ينجلي».
وكان نتاج ذلك كله، أن الفكر الإسلامي المتفتح ـ والذي لم يقيد الاجتهاد ـ سجل على صفحة التاريخ أعظم مفخرة للعلم والعلماء، فأتت الجامعات الثلاث الأولى التي عرفتها البشرية مهداً للعلم وحصناً للعلوم والاجتهاد على أيدي المسلمين، وهي: جامعات فاس، والقيروان، ثم الأزهر الشريف، ومن بعد هذه الجامعات الإسلامية أتت كل جامعات الدنيا الأخرى. ويكفي المسلمين فخراً أن جامعة الأزهر " هي الجامعة الوحيدة التي ما زالت ترسل بنور العلم والمعرفة على مدى أكثر من ألف عام في عطاء متواصل، لم يتوقف ولم ينقص، بل يتحسن مع الأيام، ويكفي الإسلام فخراً أن رجال العلم في شتى بقاع العالم قد أخذوا عن علماء المسلمين لفظ (أستاذ كرسي) وتقليد (روب الجامعة) من كرسي حلقات الأزهر، وجبة عالم الأزهر.
فهم القرآن أهم من حفظه:
وختاماً فإن التربية الإسلامية التي دعت الناس لتدبر قدرة الخالق من خلال قراءة صفحات الكون المحيط بنا، هي في حقيقتها دعوة للمسلمين لكيلا يكتفوا يحفظ القرآن دون تدبر، بل يحفظه وفهم معانيه.