تخطى إلى المحتوى

وقفات مع الدعيِّ الجهول " شمس الدين بوروبي " للشيخ أبو يزيد المدني 2024.

الحمد لله الذي أقام للدين صروحاً، ودكَّ بشهب اليقين من رام لهذا الدين تحريفاً، وأصلي وأسلم على المبعوث للعالمين بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى ربه وسراجاً منيراً.
أما بعد:
فلي وقفة مع مقال بعنوان: "الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم سنـّة حسنة" لكاتب مغمور, أراد أن يلمع جرمه, أما شُمُس الدجى, وأعلام الهدى – وأنى له ذلك-.
ولست بصدد تعداد إفك وافتراءات هذا الدعيِّ – وهي كثيرة – والذي ما فتئ التجنِّي على السلف رحمهم الله, وعلماء أهل السنة والجماعة.
وحسبي أن أبين عوار ما جاء في مقاله, الذي بنبي عن ضحالة علمه, وقلّة فقهه, بل وجهله المركّب الذي لا يرجى من ورائه شفاء من عيّه إلا أن يشاء الباري جلّ وعلا.
وهذه وقفات سريعة مع مقال هذا الدعيِّ.
أولاً: تسميته أتباع السلف الصالح: "حشوية".
لا ينفك هذا الدعيّ الجهول عن اطلاق لفظة "الحشوية" على أهل السنة والجماعة أتباع السلف الصالح, وأنا أكاد أجزم أنه من أجهل الخلق بمعنى هذه اللفظة لغة واصلاحاً – فهو بمثابة الببغاء المقلّد لغيره- والغرض من هذا النبز معلوم غير خاف, وهو تنفير الناس من اتِّباع منهج السلف الصالح.
وهذا ديدين أهل البدع في كلّ زمان ومكان.
وهذه وقفة سريعة مع هذه اللفظة الآثمة.
– إنّ أوّل من تكلم بهذا اللفظ عمرو بن عبيد المعتزلي، فقال: كان عبد الله بن عمر رضي الله عنه حشوياً.
وذلك أنّ المعتزلة معطّلة لصفات الباري جلّ وعلا, وابن عمر والصحابة رضوان الله عليهم مثبتون للصفات.
فمصطلح: "الحشوية" ينبز به المعطلة أهل السنة (مثبتي الصفات)، وتبعهم في ذلك أهل الكلام.
قال الإمام عبد القادر الجيلاني رحمه الله: "واعلم أنّ لأهل البدع علامات يعرفون بها، فعلامة أهل البدعة الوقيعة في أهل الأثر، وعلامة الزنادقة، تسميتهم أهل الأثر بالحشوية، ويريدون إبطال الآثار"]الغنية لطالبي الحق, ص 80 [.
فهنيئاً لهذا الدعيِّ انتسابه للمعتزلة والمعطلة, ومعاداته ومفارقته للصحابة رضي الله عنهم.
وهل يملك الجرأة فيعلنها صراحة أنّ مالكاً والشافعي وأبا حنيفة وأحمد حشويّة؟؟؟!!!.
– ومراد المعتزلة وأذنابهم بلفظ: "الحشوية":
إما من حشو الناس, أي: عامة الناس, الذين ليس لهم فهم, وهذا كتسمية الرافضة أهل السنة والجماعة بالجمهور.
أو من: الحشو في الكلام, يعني أنّ أهل السنة والجماعة ما عندهم إلا قال الله، قال الرسول، ما عندهم قواعد عقلية، ما عندهم مقدمات منطقية.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهؤلاء يعيبون منازعهم إما لجمعه حشو الحديث من غير تمييز بين صحيحه وضعيفه، أو لكون اتباع الحديث في مسائل الأصول من مذهب الحشو، لأنها مسائل علمية والحديث لا يفيد ذلك، لأن اتباع النصوص مطلقاً في المباحث الأصولية الكلامية حشو، لأن النصوص لا تفي بذلك" ]مجموع الفتاوى 4/88[.
– وأما عن القصد من وراء ذلك فهو التنفير من اتباع ما يزعمون بطلانه جهلاً منهم بالحق.
قال الألوسي رحمه الله: "وخصوم السلفيين يرمونهم بهذا الاسم – أي: الحشوية-، تنفيراً للناس عن اتباعهم والأخذ بأقوالهم"]مسائل الجاهلية, ص 182 [..
ولهذا أخي الحبيب لا تتعجب من طعن هذا الدعيّ لكلّ سنّة غراء, وتأييده لكل بدعة بتراء, فهو على منهج أهل التعطيل والتجهيل سائر, ولمنهج السلف من الصحابة مفارق.
ثانياً: ادعاؤه أنّ السلفيين لا ينكرون الأعياد المحدثة, بل ويشاركون في بعضها.
– هذا محض الافتراء والتدجيل على الخلق, فالناظر في كتب السلف رحمهم الله يشهد بحقّ أنهم أنكروا هذه الأعياد المبتدعة بجملتها.
بل وألفوا في ذلك كتباً صغاراً وكباراً, قديماً وحديثاً.
أذكر منها تمثيلاً لا حصراً.
– الأعياد وأثرها على المسلمين, للدكتور: سليمان بن سالم السحيمي.
– البدع الحولية, لعبد الله بن عبد العزيز بن أحمد التويجري.
– اقتضاء الصراط المستقيم, لشيخ الإسلام ابن تيمية.
– الإبداع في مضار الابتداع, لعلي محفوظ.
– الحوادث والبدع, لأبي بكر الطرطوشي.
– عشرات الكتب في البدعة وأحكامها.
– مئات الفتاوى والمقالات في بيان حكم الأعياد المبتدعة.
– أقرّ هذا الدعيّ أنّ الأعياد أكثر من أن تعدّ, وفي كل فترة ينشيء الناس عيداً جديداً, وأغلبها مغمور لا يعرفه إلا أصحابه.
فهل من الحكمة والعقل, أن ننتبع كلّ عيد مجهول مغمور لا يعتقده إلا أصحابه بالبيان والإيضاح والإنكار.
إنما يكفي البيان العام, ليندرج ما كان في شكالته من الأشباه والنظائر كما هو معلوم.
ثم ألم تكتحل عيون هذا الدعيّ بمؤلفات أهل السنة والجماعة ومقالاتهم, بل وفتاويهم في إنكار كثير من الأعياد المحدثة, كعيد رأس السنة الميلادية, وعيد الحبّ وغيرها, مما عمّت به البلوى ؟؟!!.
بل لم يقف هذا الإنكار عند اللسان فقط, بل تعداه للإنكار الحسيّ, وذلك من خلال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في بلاد الحرمين, التي ما فتئت تلاحق المحتفلين بهذه الأعياد المنكرة.
– ومن جهة أخرى هناك فروق شاسعة بين هذه الأعياد, وبيان عيد المولد النبويّ, وهذه الفروق تقتضي مزيد البيان والنصح, لحقيقة الاحتفال بالمولد النبويّ.
وبيان ذلك كالآتي:
أ- يتّخذ المحتفلون بالمولد النبويّ هذا العيد عبادة يتقرَّبون بها إلى الله جلّ وعلا, بخلاف أغلب الأعياد الأخرى فليس فيها نيّة التعبّد مطلقاً.
وغير خاف خطورة التعبّد بما لم يشرعه الله جلّ وعلا.
ب- أنّ عيد المولد النبويّ من الأعياد التي عمّت بها البلوى, حتى اعتقد حلّها الصغير والكبير, بينما أغلب الأعياد الأخرى مجهولة لا يعرفها إلا أصحابها.
– أما قوله: "بل ببعض الأعياد مقرّون ومشاركون".
فليسم لنا هذه الأعياد, وليعطنا الدلائل البينات, على مشاركة السلفيين لهذه الأعياد المنكرة.
إنّها تالله دعوى لا زمام لها ولا خطام, محض تجنٍّ وافتراء, وهذا ليس مستغرباً على هذا الدعيّ.
ثالثاً: استدلاله بوجوب الفرح بمولده صلى الله عليه وسلم على جواز الاحتفال بالمولد, واتهامه للسلفيين بأنهم جفاة لا يحبون نبيهم صلى الله عليه وسلم.
خبط هذا الدعيّ في هذه الجزئية وجمع بين المتناقضات, ولم يصنع شيئاً, غير أنه أبان عن سفهه وضحالة علمه, وإليك البيان والبرهان:
1- أوهم هذا الدعيّ القرّاء, بأنّ الخلاف بين السلفيين, والمجيزين للاحتفال بالمولد, هو خلاف بين فئة محبةّ للنبي صلى الله عليه وسلم فرحت بمولده, وبين فئة مقابلة ليست محبة له, ولم تفرح بمولده.
وهذا والله قمة في السفاهة والسفالة.
– أيعقل أن يكون السلف من الصحابة وأتباعهم إلى يوم الدين غير محبين للنبي صلى الله عليه وسلم, وهم الذين نذروا أوقاتهم, وبذلوا مهجهم نصرة لنبييهم صلى الله عليه وسلم ؟؟.
وأخبار السلف التي تدلّ على حبهم وفرحهم بمولد النبي صلى الله عليه وسلم أشهر من نار على علم, ورغم ذلك لم يجعلوا من هذا الحبّ العظيم ذريعة للاحتفال بالمولد.
سئل علي رضي الله عنه:"كيف كان حبّكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال:كان والله أحبّ إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ".
وقال عمرو بن العاص رضي الله عنه: "ما كان أحد أحبّ إليَّ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أجلَّ في عيني منه، وما كنت أطيق أن أملأ عيني منه إجلالا له ، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت لأني لم أكن أملأ عيني منه" ]رواه مسلم[.
ورغم حبهم العظيم لنبيهم إلا أنهم لم يجعلوا ذلك مصوّغاً للاحتفال بمولده صلى الله عليه, فهل نتهم -كما فعل هذا الدعيّ- الصحابة بأنهم غير محبين لنبيهم, وأنهم لم يفرحوا بمولده صلى الله عليه وسلم ؟؟!!.
2- ثمّ لا ريب أنّ ولادة النبي صلى الله عليه وسلم وبعثته للأمة، إنما هي من فضل الله ورحمته على الناس كافة، ولكن ما دخل هذا بالاحتفال بذكرى المولد ؟ ومن قال إن الفرح بمولده لا يحصل إلا بإحياء مثل هذه البدع ؟ ولِمَ لم يفهم الصحابة من هذه الآية هذا المعنى الذي فهمه هذا الدعيّ الجهول, هل هو أعلم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم, أم هو أشدّ حباً لنبينا صلى الله عليه وسلم من الصحابة رضوان الله عليهم.
فمحبة النبي صلى الله عليه وسلم والفرح بمولده وبعثته يكون باتباع شريعته وسنته, والاقتداء بهديه, لا بالابتداع في الدين.
قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
لَو كانَ حُبُّكَ صادِقاً لأَطَعتَهُ إِنَّ المُحِبَّ لِمَن يُحِبُّ مُطيعُ.
– ثم ما هي علامات المحبة الصادقة بمولده وبعثته, حتى نميّز بين المحبّ الصادق, وبين المدّعي الكاذب, والجواب: أنّ لمحبة النبي صلى الله عليه وسلم علامات هاك بعضها:
ا- الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، واستعمال سنته، واتباع أقواله وأفعاله، وامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابه، في عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه، وشاهد هذا قوله تعالى :{ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
ب- إيثار ما شرعه عليه الصلاة والسلام، وحض عليه، على هوى نفسه، وموافقة شهواته، قال تعالى :{وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}.
ج- كثرة الذكر له صلى الله عليه وسلم فمن أحب شيئاً أكثر من ذكره، قال تعالى :{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}.
د- بُغض من أبغض الله ورسوله ومعاداة من عاداه، ومجانبة من خالف سنته، وابتدع في دينه، واستثقاله كل أمر يخالف شريعته، قال تعالى: {لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}.
وإذا استعرضنا هذه العلامات، وجدنا أن الذين ابتدعوا الاحتفال بالمولد النبوي، لم تظهر عليهم أي علامة من هذه العلامات، ولم يتَّصفوا بإحداها، بل كانوا يتصفون بضدها.
أ- فلم يقتدوا به صلى الله عليه وسلم في القول والفعل، ولم يمتثلوا أمره بلزوم السنة، ونهيه عن الإحداث في الدين ، بل اطرحوا سنته جانباً، وقدموا ما تهوى أنفسهم وما يشتهونه على ما أمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم.
ب- واشتغلوا بالمعاصي والملذات عن ذكره صلى الله عليه وسلم.
ج- أنهم لم يذكروا النبي صلى الله عليه وسلم إلاّ قليلاً, ثم هجروا ذكره سائر العام.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -عند حديثه عن بدعة المولد-: "وأكثر هؤلاء، الذين تجدهم حراصاً على أمثال هذه البدع، مع مالهم فيها من حسن القصد والاجتهاد، الذي يُرجى لهم بهما المثوبة، تجدهم فاترين في أمر الرسول عما أمروا بالنشاط فيه"[اقتضاء الصراط المستقيم 1/295].
3- أما ادعاؤه أنّ السلفيين لا يجيزون تخصيص الفرح القلبي بليلة مولده صلى الله عليه وسلم.
فهذا عين الجهل بمذهب السلف وبفهم السلف رحمهم الله وأتباعهم إلى يوم الدين.
إذ لم يقل أحدٌ من السلف أنّ الفرح بليلة المولد غير جائزة, وإنما جلّ كلامهم عن الاحتفال بهذه الليلة وباتخاذ هذه الليلة عيداً.
ولو أنّ المسلم كلما فرح بأمر اتخذه عيداً, لصار للعبد آلاف الأعياد.
– ثمّ أي ليلة نفرح بها, هل هي معيّنة ثابتة, أم أنها مبهمة مختلف فيها.
الجواب: نحن نفرح بعموم مولده, وإن كنّا نجهل عين هذه الليلة المباركة.
إذ لم يثبت بأي وجه صحيح, وسند معتبر أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم 12 من ربيع الأول بل وقع في هذا اختلاف كثير بين العلماء, فقيل: 2 ربيع الأول, وقيل: 8 ربيع الأول, وقيل: 10 ربيع الأول, وقيل 12 ربيع الأوّل.
ولكن الثابت قطعاً أنه صلى الله عليه وسلم مات يوم 12 ربيع الأول.
فلا ندري أنفرح بميلاده أم نحزن لموته ؟!!.
رابعاً: تناقضات الدعيِّ الجهول.
فهو يقرّ -بعد أن جلب بخيل شبهه الواهية وأدبر-, أنّ: "الفرح بمولد النبي صلى الله عليه وسلم واجب, أما طريقة إظهار هذا الفرح والتعبير عنه، فهنا تدخل السنـّة والبدعة".
وهذا عين كلام السلفيين لو عقل, ولكن أنى له ذلك.
فنحن ننكر على من جعل من هذا الفرح مصوِّغاً لاتخاذه عيداً, لأنّ العيد هو اسم لكل ما يعود من الاجتماع، فلا يصحّ تخصيص يوم للاجتماع للحزن، أو للذكر، أو للفرح والسرور، إلا بدليل شرعي ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أو إجماع الصحابة ، ولا يتوفر ذلك الدليل إلا ليومي: الفطر والأضحى من كل عام، وليوم الجمعة من كل أسبوع.
فعن أنس رضي الله عنه أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قدمت المدينة ولأهل المدينة يومان يلعبون فيهما في الجاهلية وإن الله قد أبدلكم بهما خيرا منهما يوم الفطر ويوم النحر"]رواه أبو داود وصححه الألباني[.
خامساً: استدلاله على جواز الاحتفال بالمولد بوجود الأعمال المشروعة فيه من صلاة ومدارسة للسيرة وغيرها. بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سن سنة حسنة فله أجرها…ومن سنَّ سنة سيئة … "]رواه مسلم[.
الجواب على هذه الشبهة:
أ- أنّ المراد من الحديث ليس تحسين الإحداث في الدين, وإنما المقصود الثناء على من بادر إلى فعل مشروع, فكان سباقاً إليه, فهو محمود في سبقه.
يدل على ذلك ما جاء في سبب ورود الحديث السابق, وهو أنّ النبي صلى الله عليه وسلم حثّ أصحابه على الصدقة, فجاء رجل من الأنصار بصرّة كادت كفه تعجز عنها, ثم تتابع الناس على الصدقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة", فالصدقة مشروعة في أصلها, والمقصود بالسنة هنا هي: المبادرة والسبق إلى الفعل المشروع.
ب- أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل بدعة ضلالة" ولم يستثن من ذلك شيء, فدلّ على أنّ البدع كلها مذمومة.
ج- أنّ وجود الأعمال المشروعة من تلاوة القرآن والذكر ومطالعة السيرة لا تحسن هذه البدعة, لأنّ هذه الأمور وإن كانت مشروعة, إلا أنّ تخصيص يوم أو مكان لها مما لم يخصصه الشرع يدخل في الابتداع.
بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تختصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي, ولا تختصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام"]رواه مسلم[.
فالصيام والقيام مشروعان في الأصل ولكن صار هذا الفعل مذموماً لتخصيصها بيوم لم يخصه الشرع بذلك.
سادساً: قياس عجيب, وفهم سقيم.
يعيب هذا الدعيِّ على السلفيين استدلالهم لتحريم الاحتفال بالمولد بترك السلف رحمهم الله لهذا الاحتفال.
ولم يكتف بهذا الإنكار, بل أتى بداهية دهياء, وطامة صماء, حين قال: "نقول له ولكن السلف أيضاً لم يحرموه فيبقى على أصل جوازه حتى تدخل عليه الأحكام، ثم لا يشترط لأي عمل كي يكون مشروعا أن يعمله السلف، بل يكفي فيه أن يندرج تحت أصل شرعي".
ولي وقفة موجزة مع هذا الفهم الأعوج:
– كيف ينكر السلف من أصحاب القرون الثلاثة المفضّلة -أيها الجهول- شيئاً لم يشهدوه ولم يعايشوه, وإنما أتى بعدهم؟؟!!.
أو ما علمت أنّ بدعة الاحتفال بالمولد أحدثها سلفك من العبيديين القرامطة المجوس, في منتصف القرن الرابع للهجرة.

– أما قوله: "فيبقى على أصل جوزاه حتى تدخل عليه الأحكام".
كيف حكمت على أنّ أصل هذا العمل الجواز؟ أما علمت أنّ الاحتفال بالمولد – وهو عبادة- الأصل فيه المنع حتى يأتي الدليل على جوازه.
– أما قوله: "ثم لا يشترط لأي عمل كي يكون مشروعاً أن يعمله السلف، بل يكفي فيه أن يندرج تحت أصل شرعي".
الجواب:
نحن لا نقول أنّ عمل السلف حجة على مشروعية الشيء على إطلاقه.
وإنما نقول: أنّ السلف الصالح إذا تركوا فعل عبادة من العبادات مع كون موجبها وسببها المقتضي لها قائمًا ثابتًا، والمانع منها منتفيًا؛ دلّ ذلك على أنّ فعلها بدعة ]انظر: مجموع الفتاوى (6/172) [
فمقتضى الذين ابتدعوا بدعة الاحتفال بالمولد هو محبة النبي صلى الله عليه وسلم وإظهار الفرح بمولده, وهذا المقتضى كان موجوداً زمن السلف -فهم أشد الناس حباً للنبي وأشدهم فرحاً لمولده-.
ولم يكن في زمن السلف مانع للاحتفال بالمولد النبوي, رغم ذلك لم يحتفلوا به, فدلّ ذلك على أنّ الاحتفال بالمولد بدعة.
– أما استدلاله بجواز رمي الجمرات من الجسر, وإن لم يفعله السلف.
الجواب:
أنّ قياس جواز بدعة المولد على جواز الرمي من الجسر قياس مع الفارق.
لأنّ أصل الرمي مشروع, هذا من جهة.
ومن جهة ثانية, أنّ الجسر ملحق بالأصل, لأنّ من ملك أرضاً ملك سماءها, فالسماء تلحق بالأرض, كالشأن في الإحرام في الطائرة عند مسامتة الميقات جواً.
ومن جهة أخرى الرامي فوق الجسر محقق للمقصود شرعاً, وهو دخول الحصى في الحوض.
وأما ترك السلف رحمهم الله لها, لأنّه لم يكن ثمة موجب لها في زمنهم, ونحن قلنا أنّ السلف الصالح إذا تركوا فعل عبادة من العبادات مع كون موجبها وسببها المقتضي لها قائمًا ثابتًا، والمانع منها منتفيًا؛ دلّ ذلك على أنّ فعلها بدعة.
أما إذا لم يكن الموجب عندهم قائماً, فإنه لا يستدل بتركهم على بدعية هذا الأمر.
– كذلك الشأن في جمع عثمان للقرآن في المصحف, فإنّ موجب ذلك لم يكن موجوداً في عهد صاحبيه.
أما بدعة الاحتفال بالمولد, فهي غير مشروعة أصلاً.
والموجب لها كان قائماً في عهد السلف الصالح, والمانع منتفياً رغم ذلك تركوا الاحتفال به فدلّ ذلك على بدعية الاحتفال بالمولد.
سابعاً: استدلاله بقصة أبي لهب وفرحه بمولده صلى الله عليه وسلم.
الجواب:
كعادة هذا الدعيّ الجهول, فقد حملت كلماته الكثير من التضليل والتدجيل, وإليك البرهان:
1- أوهم هذا الدعيُّ القارئَ أنّ الرواية التي أوردها صحيحة لا غبار عليها, وذلك حين ادعى أنّها من رواية البخاري في صحيحه.
والحقّ على خلاف ذلك.
فرواية البخاري في صحيحه هي من طريق عروة بن الزبير عن زينب بنت أبي سلمة عن أم حبيبة رضي الله عنها، وجاء فيه: "أن ثويبة أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا سلمة".
ثم قال الراوي -أي: عروة بن الزبير- " وثويبة مولاة لأبي لهب، وكان أبولهب أعتقها فأرضعت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما مات أبو لهب أُريَه بعض أهله بشر حِيبة، قال له: ماذا لقيت ؟ قال أبولهب: لم ألق بعدكم، غير أني سُقيت في هذه بعتاقتي ثويبة "[انظر فتح الباري 9/140 ].
وإذا أمعنت النظر أخي الحبيب فإنك لا تجد فيها ذكراً للعباس ولا لغيره.
فهذه القصة ليست من قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا من إقراره، وليست من قول الصحابي، حتى يحتج بها من يحتج بأقوال الصحابة، وإنما هي حكاية منام أوردها التابعي عروة بن الزبير، ولم يوردها محتجاً بها، وهي حكاية عن مجهول، وإسنادها مرسل منقطع.
– أما الرواية التي أوردها هذا الدعيُّ الجهول-مدلساً على العامة بأنها من رواية البخاري في صحيحه- هي في الحقيقة مما نقله السهيلي في الروض الأنف, وفيها:
"أن العباس قال: لما مات أبو لهب رأيته في منامي بعد حول في شر حال، فقال: ما لقيت بعدكم راحة، إلا أن العذاب يخفف عني كل يوم إثنين، قال: وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم ولد يوم الإثنين، وكانت ثويبة بشرت أبا لهب بمولده فأعتقها" [الروض الأنف 3/96].
فالسهيلي لم يذكر مستنده في تلك الرواية عن العباس، وإنما علّقها عنه، وتعليق السهيلي لا يحتج به أحد من أهل العلم باتفاق.
2 – ثم نقول أيضاً: إن أبا لهب، لم يتخذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيداً وذكرى يحتفل به كل عام.
ثامناً: احتجاجه بتجويز بعض العلماء للاحتفال بالمولد.
نقل هذا الدعي جملة من أعلام العلماء – وإن دسّ في أوساطهم ما ليس منهم كما لا يخفى حتى يدلّس على العامة-, بأنّ السلف كانوا يحتفلون بالمولد النبويّ.
وادعى أنهم ألوف مؤلفة حتى يوعز أّنهم الأكثرية الساحقة.
والجواب:
1 – أن الاحتجاج بالكثرة، من العامة والعلماء، ليس دليلاً شرعياً معتبراً، ولم ينقل عن أحد من علماء الملة، الاستدلال بالكثرة في مسائل الخلاف.
2- ثم إن عدد الذين لم يحتفلوا " بالمولد " من العلماء، يزيد على المحتفلين به، وهم، وإن لم يصرحوا بالإنكار، فإن لسان الحال يغني عن لسان المقال.
وإلا فما الذي يمنع أولئك عن الحضور، ولو مرة كل عام، خاصة وأنّ الواحد منهم كان حريصاً على العبادة والخير، وحضور مجالس العلم والذكر؟.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله – رداً على المحتجين بكثرة المؤيدين للبدع-: "إذا فعلها قوم ذوو فضل فقد تركها قوم في زمان هؤلاء معتقدين لكراهتها وأنكرها قوم كذلك وهؤلاء التاركون والمنكرون إن لم يكونوا أفضل ممن فعلها فليسوا دونهم في الفضل ولو فرضوا دونهم في الفضل فتكون حينئذ قد تنازع فيها أولو الأمر فترد إذن إلى الله والرسول وكتاب الله وسنة رسوله مع من كرهها لا مع من رخص فيها" [اقتضاء الصراط, ص 291].
3- أنّ الدعيّ الجهول, لم يأتنا بأحد أعلام السلف من القرون الثلاثة المفضلة ممن احتفل بالمولد النبويّ, ولا شكّ أن آلاف العلماء من القرون الثلاثة الأولى, هم أسمى فضلاً ومكانة, ولم ينقل عن أحدهم احتفاله بالمولد.
تاسعاً: افتراؤه على الشيخ محمد حاج عيسى:
كعادة هذا الدعيِّ الجهول في الغمز واللمز, فقد رمى الشيخ محمد حاج عيسى بكذب وبهتان, هو من براء, حينما ادعى أنّ الشيخ أطلق على ليلة المولد بأنها: "الليلة المشؤومة".
وبالرجوع إلى مطوية الشيخ, نجد أنّ هذا الدعي بتر الكلام, إمعاناً في التضليل, على مذهب: "ويل للمصلين".
والحقيقة أنّ الشيخ محمد عنى بذلك: أنّ ليلة المولد النبويّ المباركة تحوّلت بفعل بعض السفلة -ممن آذوا الخلق بهذه المفرقعات- إلى ليلة مشؤومة أزهقت فيها بعض الأنفس وأتلفت بعض الممتلكات.
فالوصف بالشؤم ليس على ذات الليلة منفردة, وإنما هو باعتبار ما يفعله بعض الناس من تجاوزات.
وهذا نظير قولنا مثلاً: تحوّل شهر رمضان الكريم من شهر للرحمة والتآزر إلى شهر للجشع واستغلال الناس.
فهل يفهم من هذا الكلام أنّ رمضان شهر الجشع؟؟!!.

هذا ما تيسّر كتابته في هذه العجالة.
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
كتبه وحرّره: أبو يزيد المدني.
منتديات تبسة الإسلامية

ما اروع هذه الوقفات مشكور اخي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.