العوائق والآفات عثرات أمام مواصلة سير الطلب، فالحفظ والمدارسة لا تحمدان بحضرة الشواغل والصوارف.
وفي الملهيات الحضارية المحذورة، والمحطات الفضائية، إشغال للأفكار وعيش في الأوهام، وهدر للأوقات، وفي مجانبتها صيانة للدين وصفاء الأذهان وحفظ الأزمان ومسابقة الأقران، فنزه سمعك وبصرك عما يلوث فكرك ويسيء إلى سلوكك، ويفسد أخلاقياتك ، وآفة العلم الإعجاب، وحليته الحلم والتواضع، والسعيد من عرف الطريق إلى ربه وسلكه قاصداً الوصول إليه، والمحروم من عرف الطريق ثم أعرض عنه.
* هل في طلب العلم مشقة؟
طلب العلم شاق، ولكن له لذة ومتعة، والعلم لا ينال إلا على جسر من التعب والمشقة، ومن لم يتحمل ذل العلم ساعة يتجرع كأس الجهل أبدا.
والعلم والعمل لا مناص من الصبر عليهما، والصابر موعود بالجنان: }سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ{ [الرعد: 24]، ولا ينال العلم إلا بالصبر على المكاره، وبذل النفوس في طلبه والتفاني فيه، قال ابن الجوزي ([1]): "ولقد كنت في حلاوة طلب العلم ألقى من الشدائد ما هو عندي أحلى من العسل، لأجل ما أطلب وأرجو، كنت في زمان الصبى آخذ معي أرغفة يابسة فأخرج في طلب الحديث، وأقعد على نهر عيسى فلا أقدر على أكلها إلا عند الماء، فكلما أكلت اللقمة شربت عليها وعين همتي لا ترى إلا لذة تحصيل العلم".
وقال ابن كثير عن نفسه وهو يؤلف كتاب جامع المسانيد: "لا زلت أكتب فيه في الليل والسراج ينونص ([2]) حتى ذهب بصري معه" ([3]).
ويقول أبو حاتم الرازي: "أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سبع سنين، أحصيت ما مشيت على قدمي زيادة على ألف فرسخ ([4])، ثم تركت العدد بعد ذلك، وخرجت من البحرين إلى مصر ماشياً، ثم إلى الرملة ماشياً، ثم إلى دمشق، ثم إلى أنطاكية، ثم إلى طرسوس، ثم رجعت إلى حمص، ثم منها إلى الرقة، ثم ركبت إلى العراق، كل هذا وأنا ابن عشرين سنة" ([5]).
وبالنظر إلى عواقب الأمر يهون الصبر عن كل ما تشتهي وتكره.
ومن أنفق عصر الشباب في العلم، فإنه في زمن الشيخوخة يحمد ما جنى من غرس، ويلتذ بتصنيف ما جمع، ولا يرى ما يفقد من لذات البدن شيئاً بالإضافة إلى ما يناله من لذات العلم. قيل للإمام أحمد: "متى الراحة؟ قال: عند وضع أول قدم في الجنة". والله معك على قدر صدق الطلب وقوة اللجأ وخلع الحول والقوة.
([1]) صيد الخاطر ص151.
([2]) ينونص: أي يرتفع ضوؤه وينخفض.
([3]) المصعد الأحمد في تم مسند الإمام أحمد ص23، لمحمد بن الجزري.
([4]) الفرسخ: 5.5 كيلومتر تقريباً أي أنه قطع 5.500 كيلومتر على قدميه في تلك الرحلة في طلب العلم ثم بعد ذلك توقف عن حساب ما قطعه من المسافات.
([5]) طبقات الشافعية الكبرى 2/208.
و فيكم بارك الله.
حقيقة ما أنا الا صعلوك انقطع به الطريق في أول الطلب، فهو يسعى لينتفع و ينفع اخوانه بما يسر الله ووفق سبحانه، و ما توفيقي الا بالله عليه توكلت و اليه أنيب، هو مولانا نعمة الحسيب و نعمة الرقيب.
جعله الله في ميزان حسناتك
أحسن الله اليك.
ﺣﺴﻨﺎﺗﻚ