وجرت سنة الله تعلى في الأنبياء والمرسلين عليهم السلام منذ آدم عليه السلام، إلى نبينا الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم، أن يوصي كل مفارق منهم للدنيا، بمن يراه الوحي أهلا لحفظ الشريعة، وقيادة الأمة وتوجيهها وهدايتها، قال تعالى:" ووصى بها إبراهيم وبنيه يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون."(2)
وقد بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهميتها بما جاء في هذه الرواية:
عن عبد الله بن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه( وآله) وسلم قال:" ما حق إمرئ مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده ."(3)
وجاء الحفاظ والفقهاء بعد ذلك، فخصصوا في كتبهم بابا للوصية، باعتبارها عملا واجبا، منصوصا عليه من الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم،وبذلك لم يعد هناك أدنى شك في وجوب الوصية على جميع المكلفين.
إلا أن الذين مضوا في طريق إنكار تعلق وصايا الأنبياء عليهم السلام ، والنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ،بمن سيلي الحكم من بعد رحيلهم عن دار الدنيا، فالتجئ رواتهم وحفاظهم إلى إنكار كون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى مطلقا، وارتبكوا في إخراج الروايات فخلطوا خلطا وخبطوا خبطا كانوا يريدون من ورائهما حجب الحقيقة عن المسلمين ، وإظهار أول من أنكر الوصية مظهر الصادق، بينما هو كاذب مفتر على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
محور الكلام متعلق بالسؤال الذي جعلته عنوانا للبحث وهو: هل يوجد في كتاب الله، ما يفيد أن الأنبياء مكلفون بالتنصيص على من سيلي أمور أممهم بعد رحيلهم؟ وهل أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، بعدما أكد على وجوب الوصية؟
الاستخلاف والوصية في الأمم السابقة
لا يمكن الحديث عن الوصية دون ذكر الاستخلاف ،لأن مقصدنا من الحديث عن الوصية، منصرف إلى مسألة استخلاف الأنبياء عليهم السلام عموما، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم على وجه الخصوص.
لقد دل لجوء الملإ من بني إسرائيل إلى أحد أنبيائهم، بأن يختار لهم قائدا بعده ،على مشروعية التنصيص الإلهي للقيادة، من بعد الأنبياء عليهم السلام، ولما جاء اختيار الوحي لطالوت عليه السلام ، تمرد من تمرد وتذمر من تذمر، واعترض من اعترض على ذلك الاختيار ، بسبب لم يكن كما كانوا يتوقعونه من مقايساتهم وترجيحاتهم .
قال تعالى :"ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال أن لا تقاتلوا قالوا وما لنا لا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين* وقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال قال إن الله قد اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم". (4)
وقد بين النبي عليه السلام في رده على المعترضين بأن المسألة ليست من مشمولاته وإنما هي اصطفاء من الله تعالى واختيار منه ، لعلمه بسرائر مخلوقاته وحقائقهم الباطنة التي لا يستطيع أحد أن يدركها إلا هو جل شأنه ، واختياره الذي أراده وأمضاه، ما هو في حقيقته إلا لطف من ألطافه به يأمن الناس من الانحراف والزيغ والضلال .
عصمة المستحفظين شرط في الاستخلاف
لا شك أن الكتاب العزيز وحده يحتاج إلى ترجمان، يرفع اللبس عن كثير من الآيات المبهمة، التي تحتمل وجوها عدة في معانيها، وقد أشار إلى تلك النقطة، باب مدينة علم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله لابن عباس، عندما أرسله إلى محاججة الخوارج : يا ابن عباس لا تخاصمهم بالقرآن،فإن القرآن حمال ذو وجوه ، تقول ويقولون، ولكن حاجهم بالسنة، فإنهم لن يجدوا عنها محيصا ." (5)
لذلك نجد من خلال هذه القاعدة أن هناك من استعمل عددا من الآيات المتشابهة لضرب الإسلام ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم، اعتمادا على حملها على غير محملها ، لذلك نستطيع أن نجزم ،أنه لا يمكن فهم الكتاب العزيز إلا عن طريق ثقله، الذين هم أهل البيت عليهم السلام، ودور النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيان معاني كلام الله ،ومقاصد آياته، وغايات وحيه، واضح في قوله تعالى:" ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه وقل ربي زدني علما."(6)
واضح لا يحتاج إلى بيان ، ودور آله الأطهار في تحمل مسؤولية البيان والتعليم والإرشاد والهداية التي كان يمارسها سيدهم الأكبر صلى الله عليه وآله وسلم ، واضحة كذلك من خلال النصوص التي تجمعت لدينا ، والتي كشفت بشكل عملي ما قدموه للأمة الإسلامية على مدى القرون الثلاثة الأولى ، والتي عاش فيها خلفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم الاثني عشر عليهم السلام، حيث تجلى دورهم الكبير في حفظ الشريعة كتابا وسنة نبوية ،والاستحفاظ على المكاسب التي تركها الأنبياء عليهم السلام دور لا يمكن للوحي أن يهمله ويتركه للناس ، لأنه الضمان الوحيد الذي يمنع التحريف من مخالطة الدين النقي الصافي.
وذلك الدور يستوجب أن يكون المضطلع به معصوما من الخطا منزه عن الزلل لحاجة القائم به إلى ملكة تكون أساسا للحفظ ودعامة للتطبيق، وتتجلى هذه الخاصية بالنسبة للنبي طالوت عليه السلام في قوله تعالى : وزاده بسطة في العلم والجسم. أي إن طالوت عليه السلام كانت له بسطة في العلم والجسم ، ولكي يتأهل للقيام بالدور المناط به زاده الله تعالى بسطة أخرى ، وفي ذلك دليل على ضرورة العصمة في حالة الاصطفاء.
أما بالنسبة لأمتنا الإسلامية ،فقد ظهرت أدلة عصمة أهل البيت عليهم السلام في مواضع عديدة من الكتاب والسنة ، زادتها وضوحا سيرتهم العطرة في الأجيال الإسلامية التي عاشوا بين ظهرانيها .
أما في الكتاب العزيز فقد دلت آية التطهير على عصمتهم عليهم السلام ، وهي قوله تعالى :" إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا."(7)
فإذهاب رجس الشيطان وشدة تطهير النفس عاملان يفيدان عصمتهم عليهم السلام
كما دل قوله تعالى:" أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ."(8) على عصمتهم ،
فطاعة أولي الأمر الذين أمرنا الله تعالى بها تفيد عصمتهم لانتفاء وجود النقيضين في أوامر الله تعالى ، كأن يأمرنا بطاعة غير المعصوم ثم يحاسبنا على أخطائه ، لذلك فإن من أمرنا الله تعالى بطاعتهم معصومين من الخطا ، ولقوله تعالى أيضا في بيان من هم أولي الأمر:" وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف ذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول والى أولي المر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم."(9)
وقد ثبت في التاريخ والسيرة بما لا يدع مجالا للشك من أن عليا عليه السلام كان الوحيد الذي كان الصحابة يرجعون إليه كلما أشكل عليهم أمر وعسرت عليهم مسألة ، حتى إن الخليفة الثاني كان يردد في كل مرة لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن، وتصدى الأئمة من ولده لنفس الدور ، وقاموا مقامه في الذب عن الدين والشريعة ، واستحقوا بحق لقب أئمة وهداة ومعلمي الأمة الإسلامية ، ومستحفظي دستورها من التحريف والتأويل المخالف لروح النصوص.
أما ما جاء مخبرا على عصمة أهل البيت عليهم السلام في السنة المطهرة ، فحديث الثقلين الذي دل مضمونه في التقاء الكتاب بالعترة وعدم افتراقهما على عصمة علي عليه السلام وأهل بيته الطاهرين .
كما دل حديث المنزلة على أن عليا معصوم من الخطا، تماما كعصمة هارون عليه السلام ،لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يستثن من المنازل غير النبوة.
تضارب الروايات عند العامة بشان الوصية والاستخلاف
الروايات التي أخرجها حفاظ خط السقيفة متناقضة فيما بينها، فقسم نفى أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى مطلقا، أهم رواته عائشة التي قالت بعدم وجود وصية مستدلة في ذلك بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد مات بين سحرها ونحرها ولم يوصي:
عن الأسود قال ذكر عند عائشة أن النبي صلى الله عليه( وآله) وسلم أوصى إلى علي، فقالت: من قاله؟ لقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، وإني لمسندته إلى صدري، فدعا بالطست فانخنث فمات، فما شعرت، فكيف أوصى إلى علي ؟(10)
عن عائشة قالت: ما ترك رسول الله صلى الله عليه( وآله) وسلم دينارا ولا درهما ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشيء .(11)
وقسم جاءت رواياته نافية للوصية، ومتراجعة بعد المحاجة بوجوب الوصية، بأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى بكتاب الله:
حدثنا طلحة قال سألت عبد الله بن أبي أوفى :أوصى النبي صلى الله عليه ( وآله) وسلم؟ فقال: لا. فقلت: كيف كتب على الناس الوصية أمروا بها ولم يوص؟ قال :أوصى بكتاب الله .(12)
وقسم آخر أقر بالوصية ولكنه أسقط منها المهم بدعوى النسيان:
عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بثلاثة فقال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب،وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم، قال ابن عباس: وسكت عن الثالثة أو قال: فأنسيتها .و قال الحميدي عن سفيان قال سليمان: لا أدري أذكر سعيد الثالثة فنسيتها أو سكت عنها .(13)
عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس يوم الخميس وما يوم الخميس ثم بكى حتى بل دمعه الحصى قلنا يا ابن العباس وما يوم الخميس؟ قال اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا. فتنازعوا ولا ينبغي عند نبي تنازع، فقالوا: ما شأنه أهجر؟ قال سفيان يعني هذى استفهموه، فذهبوا يعيدون عليه، فقال: دعوني فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه. وأمر بثلاث، وقال سفيان مرة أوصى بثلاث قال أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وسكت سعيد عن الثالثة، فلا أدري أسكت عنها عمدا، وقال مرة أو نسيها و قال سفيان مرة وإما أن يكون تركها أو نسيها .(14)
وقسم أخير، جاءت رواياته مقرة بالوصية، ومتحدثة عنها بألفاظ مختلفة، تتفاوت بحسب الانتماء المذهبي للناقل، خلاصتها تقول، بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يغادر الدنيا إلا بعد أن أوصى ، ووضع جميع الأمور التي يحتاجها الدين، وتحتاجها الأمة مواضعها، وقد استدلوا أولا على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى، من خلال النصوص المعتمدة في كتب مخالفيهم ، زيادة على النصوص المتواترة والصحيحة التي بحوزتهم ، أما النصوص التي احتجوا بها من كتب مخالفيهم فهي كالآتي:
حديث الثقلين :
عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إني أوشك أن أدعى فأجيب وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما (15)
عن زيد بن أرقم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: يا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيبه وإني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فتمسكوا بكتاب الله وخذوا به فحث عليه ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي ثلاث مرات.(16)
حديث الثقلين من الأحاديث التي اتفق على نقلها أوعية العلم وجهابذة الحديث من أمثال مسلم والترمذي والنسائي أحمد بن حنبل عند مخالفي خط الإمامة الإلهية، وهو وان كان يتضمن تصريحا شفويا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بوصيته في الأمة ، فان من نقله كمسلم لم يشأ إدراجه في مكانه الطبيعي من باب الوصية فجعله في باب الفضائل وحذا حذوه بقية الحفاظ ، ما عدا الدارمي الذي لم يجد غير باب فضائل القرآن، ليكتب فيه الحديث.
حديث الثقلين وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
إذا نحن تتبعنا متن الحديث ، وأمعنا النظر في ألفاظه، وجدنا ضالتنا التي نبحث عنها، وهي الوصية في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقوله في الحديث الأول الذي أخرجه أحمد: "إني أوشك أن أدعى فأجيب."
وقوله في حديث الدارمي:" إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيبه."
إخبار منه للأمة بقرب رحيله،وإشعار لها بأهمية ما سيقوله، الذي يتضمن الوصية الواجبة عليه تجاهها، وقد فعل ذلك، فقال كما في رواية أحمد والدرامي :" وإني تارك فيكم الثقلين كتاب الله عز وجل وعترتي."
وفي رواية أخرى :" إني مخلف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ."
أما ما قيل بأن النبي أوصى بكتاب الله وسنة نبيه ، فان الخلاف ليس في السنة ، وإنما عمن نأخذها؟
هذا مضاف إلى أن المصدر الوحيد للرواية هو مالك الذي رواها بلاغا في كتابه (17)
ورواية لا يكون فيها سند وتروى بلاغا، دليل على أن الذي أخرجها لم يأنس لسنده فقطه، أو يكون قد اختلقها من عنده، وفي الحالتين فالرواية لا يعتد بها عند أرباب علم الحديث .
وما تمسك من تمسك بالرواية المقطوعة السند إلا لإطلاق عنان السنة إلى كل راكب، فلا تكون حصرا على الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، مما يتيح المجال للوضع والاختلاق ، ويوسع دائرة القيادة والحكم في بقية الناس.
فتبين من خلال ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أوصى فعلا ولم يترك الأمة بلا قيادة بعده، تاركا لها ثقلين هامين: الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ،شريعة الباري تعالى في الأمة، والأئمة الإثني عشر من أهل بيت النبوة عليهم السلام حفظة الكتاب والقائمون على الشريعة وهداة الأمة.
وبالرجوع إلى بقية الروايات ، نرى أن الذين أنكروا وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لم يكن إنكارهم مستندا على إثبات، فعائشة التي استفزها قول القائل : إن عليا وصي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكلامه كان تقريرا وليس استفسارا ، فأرادت إنكار ذلك بالادعاء باطلا، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مات بين سحرها ونحرها، أو على صدرها في رواية أخرى ، وقد فهم جميع العقلاء من خلال الروايات التي حكت وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أنه قد مات بين يدي علي عليه السلام، فكان آخر الناس عهدا به ، وهو الذي أخبر بذلك ،وحالات الموت عادة ما تستبعد منها النساء، لقلة صبرهن من جهة،ولاحتمال كونهن على غير طهر فيؤذي ذلك الميت،كما هو منهي عنه في كتب الفقه،
وتصوير النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الشكل الذي نقله لنا حفاظ العامة ، من أنه متيم بعائشة إلى درجة إلغاء بقية نسائه والحيف عليهن ، وبأبيها إلى درجة عدم اعتبار أحد معه غير صاحب السقيفة، هي شوائب من إرهاصات ظلم وشيطنة العصر الأموي ،وكل ما قيل، من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقدمهما على بقية الناس، كذب وافتراء لا أصل له في الواقع.
وحقد عائشة، وبغضها وضغينتها لعلي وفاطمة والحسنان عليهم السلام، أوضح من أن نبسط فيهم المقال ، وحربها المسماة باسم جملها ،دليل مادي كبير يؤيد دعوى كراهيتها لعلي عليه السلام وأهل بيته،ليس هذا فقط ،بل نقل عنها أنها سجدت شكرا لله، لما بلغها مقتل الإمام علي عليه السلام. ولم تنته إلى ذلك الحد، فخرجت على بغلة، معترضة مع بني أمية ،على دفن الإمام الحسن بن علي عليهما السلام، في حجرة جده صلى الله عليه وآله وسلم، كل هذه الأدلة توهن كلامها ، ولا تترك له قيمة، وتشدد على من بقي يحسب لكلامها ولا لشخصها حسابا أن تلحقه سمة موالاة مبغضي علي عليه السلام وفي ذلك من خطورة الخروج من الإيمان ما فيها.
وبالتفاتنا إلى قول ذلك القائل، من أن عليا وصي ، يتراءى لنا تعبير واضح الدلالة ،على سريان ذلك الاعتقاد بين الصحابة في العصر النبوي ، وما النصوص التي حاول من حاول إلباسها على الناس وتمييعها ، وتأويلها على غير وجهها ،وحملها على غير محملها، إلا معاني مفهومة قديما وحديثا، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن عليا وصي، ومؤتمن على الدين والأمة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومن قال غير ذلك فهو مبتدع ومتبع سنن المحرفين الكلم عن مواضعه.
نقل ابن عقدة بسنده عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله لفاطمة عليها السلام:"… إنا أهل بيت أعطينا ست خصال لم يعطها أحد من الأولين ولا يدركها أحد من الآخرين: منا نبيا خير الأنبياء وهو أبوك، ووصيا خير الأوصياء وهو بعلك وشهيدنا خير الشهداء وهو حمزة عم أبيك، ومنا سبطا هذه الأمة وهما ابناك ، ومنا مهدي هذه الأمة الذي عيسى بن مريم يصلي خلفه .(18)