السلام عليكم ورحمةُ الله وبركاته
يقول السَّائل:ما الذي يعمله العبد إذا ابتُليَ بالذّنبِ يتوب منه توبةً توفَّرت فيها هذه الثَّلاثة الأُمور، ولكن يُنازِعُ قلبه في ذلك الذَّنبِ ولا يجد نفسه إلا قد وقع فيه؟
[ الجواب ]
هذا هو -بارك الله فيك-، أقولُ التوبةُ النَّصُوحَةُ تحتاج مجاهدة !الآن ما مِن أمرٍ أو نَهيٍ -كما يقول الإمامُ ابن القيم رحمه الله – إلاّ وللشَّيطانِ فيه نزغتان :إمّا إلى إفراطٍ ،وإمّا إلى تفريطٍ ،لا يُبالي بأيِّهما ظفر المُهم أن تخرُج عنِ الصِّراط المُستقيم.
كذلك مِن مَسالكِه :أنَّه لا يريد لك أن تستقيم على التّوبةِ ؛ هو لا يُريد ،لأنّك إن اِستقمتَ على التّوبةِ النّصُوح ولَزِمْتَ الطّاعةَ ،نعم !خَسِر مَن كان قد أضَلَّهُ وأوقعَه فِي الذَّنب ،أليس كذلك ؟!وهُو يتَحَسَّفُ على ذَلك كثيرًا لأنّه أقسَم على الله { لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ .إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ } [ ص : 82 – 83 ]
الذَّنبُ -بارك الله فيكم- يُزيِّنهُ الشَّيطان ،لذلك جاء في الصّحِيحين أنَّ :الجَنَّة حُفَّت بِالمكارهِ والنَّارُ حُفَّت بالشَّهوَات ،ويحتاج الأمرُ إلى مُجاهدةٍ { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } [العنكبوت: 69]، فلابُدَّ ! لابُدّ أنْ تُريَ الله مِن نفسكَ الصِّدقَ،وهذا نوعُ امتِحانٍ ؛أنْ تتُوبَ التَّوبةَ النَّصُوح ثمَّ النَّفسُ الأمَّارةُ بالسُّوء تُراوِدُك ،فتقفُ أنتَ مع نفسك الأمَّارة ،ومع النَّفس اللّوّامة فِي صِراعٍ ،هنا اِختبارٌ لِصدقِ التَّوبةِ وصلاحِ النِّيةِ والإِخلاصِ لله في التَّركِ،كما أنَّه يجبُ أنْ تُخلِصَ لله في الأمرِ ؛يجبُ أن تُخلِصَ لله في التَّركِ ،يجبُ أن تُخلص لله في الترك.
وانتبه أيُّها المُحِبُّ !أنّ مِن أعظَمِ أسبابِ حِرمانِ العَبدِ للتَّوفيقِ اقتِرافُه للمَعصيةِ
نَحنُ ندعِي الإله في كُلِّ كربٍ *** ثمّ ننْساهُ عِند كشفِ الكُروبِ
كيفَ نرجُوا إجابةً لدُعاءٍ *** وقدْ سَدَدْنا طَريقَهَا بِالذُّنُوبِ
يقول ابنُ مَسعودٍ -رضي الله تعالى عنه-:" إنِّي لأحْسِبُ الرَّجُلَ ينْسَى العِلْمَ يَتعلَّمُه، بالذِّنبِ يَعملُه "كمَا في الحِليةِ لأبِي نُعَيمٍ.
ولهذا يجِبُ الإنسان أنْ ينتبه ،ولهذا كانت النَّظرةُ سهمٌ من سِهامِ إبليس ،فلا يسترسِلُ الإنسان لا في النَّظرات ولا في الوَساوس ولا في الخَطرات ولا في السَّماع ولا غير ذلك ،فكُلَّما اِسترسَل المرءُ زاد ،ويُخشَى عليهِ مِن أَن يَلُّفَ القَلب الرَّان ؛الذي قال الله فيه :{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ } [المطففين :14] نعوذُ باللهِ،فانتَبه !الذُّنوب خطيرةٌ واللهِ يا إخوان، خطيرةٌ وعَظِيمةٌ ولا تَستَصغِر! تقول:هذا ذنبٌ يسيرٌ، هو مِنَ الصَّغائِر أو مِنَ الكبائر ؟!انتبه! في البُخاري عن أنَسٍ رضي الله عنه :" إنَّكم لتعْمَلُون أعمالًا هِي فِي أعْيُنِكُم أدقُّ مِنَ الشَّعر ،كنَّا نعُدُّها فِي عهدِ رسُولِ الله صلَّى الله عليه وسلَّم مِنَ المُوبِقَات" يعني المُهلِكات.
ثِقْ تمَامًا أنَّهُ كُلَّما صَدَقْتَ مع اللهِ فِي اللَّجَأ إليهِ والإطِّراحِ بينَ يديهِ فِي التَّوبةِ والأوْبَةِ والرُّجوع ثَبَّتكَ وأعانكَ ووفَّقك وصرف عنك شرَّ الأشرارِ وكيدَ الفُجَّار وشرّ طوارقِ اللّيل والنَّهار ،ولكن كُلَّما اِسترسَلْتَ إلى الوَسَاوِسِ والخَطراتِ اِستزَلَّك الشَّيطانُ ،فانتبه!
ولكن كَونُ العبد دائما يُحدِّثُ نفسهُ ويُراقِبُ الله فِي كلِّ أفعَالهِ وسكنَاتهِ وحَركاتِه ،ويتَقرَّبُ إليه للابتعاد عَن المعاصي ،هذا دليلُ صِدقٍ -بإذن الله- ،هذه الحَرارةُ الَّتي تلمَسُها أو تَجدُها مِن هذا الصِّراعِ الَّذي فِي الدَّاخل سيُوَرِّث لك بردًا ويقينًا وسَلامةً إنْ صَدقْتَ معَ الله.
ولهذا يقول الله جل وعلا :{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِين }[التوبة: 119] لابُدَّ من الصِّدق في القَول والفِعل ،ومِن أعظم ذلك أنْ نَصدُقَ مع اللهِ عِندمَا نَستغفرُ اللهَ ،وعندمَا نرجِعُ إليه جلَّ وعزَّ ،واضحٌ يا إخوتاه؟!
فانتبه أنْ تسترسلَ !جاهد نفسكَ، ثِقْ تمَامًا هِي أيَّامٌ يَسِيرةٌ، النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- يقولُ كما في الصَّحيح:"إنَّما النَّصرُ صبرُ ساعةٍ " هذا الشَّيطانُ يحتاجُ إلى جِهادٍ؛ صحيح !يحتاجُ إلى جهادٍ عظيمٍ ،تُجَاهدُهُ ليلاً ونهارًا ،والنَّبيُّ -عليه الصَّلاة والسّلام- قد أخبر :" إِذا نام أحدُكُم عقدَ الشَّيطانُ على قَافِيَتهِ ثلاثَ عُقدٍ ويقولُ:نَمْ وراءَك ليلٌ طويلٌ " فالشَّيطانُ معكَ ويُحارِبُكَ مِن كُلِّ مكانٍ ،لا يُمكنُ أنْ تنجُو مِنهُ إلاَّ باللَّجأ إلى الله ،ولهذا أمركَ اللهُ -جلَّ وعلا- بالاستعانةِ والاستعاذةِ بهِ :{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} وأوصَاك النَّبيُّ الكريم الرَّحيم الّذي أرسلهُ الله رحمةً للعالمين ،هداك وأرشدك وبيَّن لك سَبيل النَّجاةِ وذلِك بلُزوم السُّنةِ من أذكارِ الصّباح والمَساء ،أذكار دُخول الخلاء والخُروج ،النّوم ،الأكل ،الشُّرب …إلى آخره.
راجِعْ نفسك !أقول :راجِع نفسَك !وقلِّب فيها ،فهل أنتَ مِمَّن اِستقامَ على السُّنَة أم فرَّط فيها ؟!كيف تكون المُحاسبةُ إلا بهذا ؟!واحمدِ الله انك حَيٌّ !احمدِ الله انك حَيٌّ !وقد ذكرتُ هذا للطّلَبة ،للإخوةِ هنا أو فِي درسٍ مضى لا أدري ،كيف يكون هذا ؟
معك الدَّفترُ أو القَلمُ وتريدُ أن تعرِفَ، حاسب نفسك قبل أن تُحاسبَ ،معك الدَّفتر :بِسم الله الرَّحمن الرَّحيم ،اليوم السّبت أو الأحد ،نبدأُ مِنَ الفجر ،قُمتَ قبلَ الفجرِ أو بعدَ الفجرِ -بينك ليس في الإذاعةِ !- ،استيقظتُ في الوقت ،أدركتُ سُنَّةَ الفجرِ أم لم أُدرِك ؟طبعًا قبلَ هذا هل أوْترْتُ أم لم أُوتِر ؟نعم / لا ،صلَّيتُ الفجر جماعةً ؟نعم ،أدركتُ تكبيرةَ الإحرام ؟نعم / لا ،حَافظتُ على أذكارِ الصَّلاةِ ؟نعم /لا ،أذكارُ الصَّباح والمساء ؟نعم /لا ،الوِردُ من القرآن؟ ،الـ…،الـ….،الـ….،اغتبتُ ؟ارتكبتُ محرَّمًا ؟ٱكتبْ ،ستجدُ أنَّه في خَتْمِ اليوم صفحات ،نعم / لا ،نعم /لا ،راجعْ !
نعم:الحَقُّ مستَمِّرٌ عليه، لا:راجعهُ في اليوم الثَّاني، هل أنت على ذلك أو أنّك تركتَ ؟
يا إخوتاه ،الأمرُ عظيمٌ ليسَ بالهَيِّن { فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:4] على كلِّ حالٍ لابُدَّ أن نُعِدَّ لهذَا اليومِ جوابًا.
نسألُ الله أن يلطُفَ بنا وبكم، وأن يَختِمَ لنا ولكم بخير، وأن يُثبِّتنا جميعًا على الإسلامِ والسُّنةِ، وصلَّى الله على رسول الله وآله وصحبه وسلَّم.
والله الموفق
لم ألتفت اليه الا الساعة.