1- قوله تعالى : {غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} : أي غير صراط المغضوب عليهم : المغضوب عليهم : هم الذين فسدت إرادتهم فعلموا الحق وعدلوا عنه .
2- وغير صراط الضالين : وهم الذين فقدوا العلم هائمون في الضلالة ، لا يهتدون إلى الحـق وأكد الكلام بـ (لا) ليدل أن ثم مسلكين فاسدين وهما : طريقة اليهود وطريقة النصارى .
3- وإن طريقة أهل الإيمان مشتملة على العلم والعمل به، واليهود فقدوا العمل والنصارى فقدوا العلم، ولهذا كان الغضب لليهود، والضلالة للنصارى، لأن من عَلِم وترك استحق الغضب بخلاف من لم يعلم.
4- والنصارى كما كانوا قاصدين شيئاً لكنهم لا يهتدون إليه لأنهم لم يأتوا الأمر من بابه وهو اتباع الحق فضلوا، وكل من اليهود والنصارى ضال مغضوب عليهم.
لكن أخص أوصاف اليهود الغضب عليهم : قال تعالى عنهم : {مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ} .
5- وأخص أوصاف النصارى الضلال كما قال تعالى : {قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ} .
6- روى حماد بن سلمة عن عدي بن حاتم قال : ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى :
{غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} قال اليهود.
{وَلاَ الضَّالِّينَ} قال النصارى هم الضالون.
7- وروى ابن مردويه عن أبي ذر قال : ( سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن {المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} قال : اليهود ، قلت : {وَلاَ الضَّالِّينَ} قال : النصارى.
من هداية الآية :
1- التحذير من صراط المغضوب عليهم ، وهم اليهود الذين فسدت إرادتهم فعرفوا الحق وعدلوا عنه ، ولـم يعملوا به ، لأن من علم الحق وتركه استحق الغضب من الله تعالى .
2- التحذير من صراط الضالين : وهم النصارى الذين فقدوا العلم ، فهاموا في الضلال ، لا يهتدون إلى الحق ، فعلى المسلمين ألا يتركوا العلم والعمل ، حتى لا يكونوا مثل النصارى واليهود .
3- التحذير من طريقة اليهود والنصارى ، والترهيب من سلوك سبيل الغاوين والبراءة منهم .
4- التحذير من ترك العمل الذي وقع فيه اليهود، والتحذير من ترك العلم الذي وقع فيه النصارى .
5- لا بُد من العلم والعمل معاً ، وهذا هو سبيل المؤمنين ، قال الله تعالى :
{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} .
قال ابن كثير : كلما كان العلم بالله أكمل ، كانت الخشية لله أعظم وأكثر .
6- على المسلمين : أن يدعوا الناس جميعاً إلى العلم والعمل معاً لهدايتهم إلى الصراط المستقيم .
التحذير من صفات المنحرفين :
1- قال الله تعالى : {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ}
قال رسول الله صلى الله عليه وسلام : {المَغضُوبِ عَلَيهِمْ} اليهود و{وَلاَ الضَّالِّينَ} النصارى .
2- قال الله تعالى : {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} – الرغد : سعة العيش ، حطة : حُط عنا ذنوبنا وأغفرها.
أ- ( قيل لبني إسرائيل : {وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ} فبدلوا ، فدخلوا الباب يزحفون على أستاهم ، وقالوا : حبة في شعرة ، أستاهم : أدبارهم) .
ب- وفي رواية الترمذي في قول الله تعالى : {وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً} ، قال : ( دخلوا متزحفين على أوراكهم) .
قال : وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم : {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} .
قال : قالوا : حبة في شعرة ، وفي رواية : حبة في شعيرة .
ج- قال الحافظ في (الفتح) : والحاصل أنهم خالفوا ما أُمروا به من الفعل والقول ، فإنهم أُمروا بالسجود عند انتهائهم شكراً لله تعالى ، وبقولهم (حطة) فبدلوا السجود بالزحف وقالوا حنطة بدل (حطة) أو قالوا : حطة ، وزادوا فيها حبة شعيرة .
ويستنبط منه أن الأقوال المنصوص إذا تُعبد بلفظها لا يجوز تغييرها ولو وافق المعنى.
من فوائد الآيات والأحاديث :
1- الترغيب في سلوك سبيل المؤمنين، والترهيب من سلوك سبيل اليهود المغضوب عليهم لكفرهم وإفسادهم وقد تركوا العمل، ومن النصارى الضالين الذين فقدوا العلم ، أما المؤمنون فقد جمعوا العلم مع العمل .
2- التحذيـر من تحريف النصوص الشرعية للخروج بها عن مراد الشارع كما فعلت اليهود .
لقد أمر الله اليهود أن يقولوا (حطة) فقالوا (حنطة) تحريفاً ، وأخبرنا الله أنه (استوى) على العرش ، فقال المتأولون : (استولى) فانظر ما أشبه لامهم التي زادوها بنون اليهود التي زادوها : (في حطة : فقالوا حنطة) .
3- لقد تجرأ بعض المفسرين كالصابوني في (صفوة التفاسير) والقاضي أحمد كنعان في كتابه (قرة العينين على تفسير الجلالين) فقد قالا عند تفسير قول الله تعالى : {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} .
فقالا : وفي الحديث : ( يسجد لله كل مؤمن ومؤمنة) ، الحديث رواه البخاري ، فقد بترا أول الحديث :
(يكشف ربنا عن ساقه) : ولم يلتزما نص الحديث :
(فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة) ، لأن الفاء للعطف ، و (له) يعود على الله .
ولما سألت الصابوني عن سبب بتره لأول الحديث : وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( يكشف ربنا عن ساقه ….) الحديث ، أجاب بقوله : كل المفسرين أولوا الآية .
ثم قال : الذي أريده من الحديث أخذته .
و الجواب على الصابوني و كل المأولة:
أ- وهذا خطأ كبير إذ أن المفسرين جُلهم لم يتأولوا الآية : كالطبري وابن كثير ، وذكروا الحديث بتمامه ، حتى قال العلامة صديق حسن خان ، والشوكاني أيضاً عند تفسير {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ} الآية : "إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل" ويقصدان الحديث الذي فسر الآية ، وهو خير مفسر لكلام الله تعالى ، وذلك لا يستلزم تجسيماً ولا تشبيهاً فليس كمثله شئ ، ثم ذكرا قول الشاعر :
دعوا كل قول عند قول محمد فما آمن في دينه كمخاطر
ب- أما قوله : أخذت من الحديث ما أريده ، لا يجوز لمفسر أن يقوله ، لأنه غَيَّر معني الآية التي تثبت الساق لله تعالى على ما يليق به ، فظهر من حذفه لأول الحديث لئلا يثبت الساق ، ولأنه لو ذكره لبطل مراده وهو التأويل ، وهذا نوع من التحريف والتبديل والتلاعب بالنصوص الذي حذرت منه الآيات السابقة ، وسيأتي تحذير الرسول صلى الله عليه وسلم لمثل هذا العمل الذي وقعت فيه اليهود والنصارى .
ج- وقد فسر الصابوني آية {وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ} :
أي تدعوهم الشدة إلى السجود لله ، وخالف تفسير الطبري الذي اختصره حينما قال الطبري :
( ويدعوهم الكشف عن الساق إلى السجود لله) .
4- ومن هذا التحريف ما سمعته من أحد الخطباء يوم الجمعة حيث قال : جاء رجل أعمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلب منه أن يرد له بصره ، فرد له بصره ، ولما انتهى لحقته ، وقلت له : هذا الذي ذكرته نص الحديث ؟
إن نص الحديث يقول : جاء أعمى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : يا رسـول الله أدع الله أن يعافيني ، فقال : ( إن شئت صبرت ، وإن شئت دعوت) ، فقال : بل أدعه ، فأمره أن يتوضأ ويصلي ركعتين ويدعو …
فقال لي : الذي أريده من الحديث أخذته ، فقلت : هذا تدليس ، لأنه أوهم الناس أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي رد بصره ، بينما الحديث ينص على أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا له حينما طلب منه الأعمى الدعاء ، وهي معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم ، فرد الله له بصره ، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يملك رد البصر ولا غيره .
5- هذا التحريف الذي ذكره ابن القيم في تبديل النصوص ، وهذا البتر لأول الأحاديث الذي غيَّر المعنى هو من عمل أهل الكتاب ، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن أمته سيقعون فيه ، فقال محذراً :
(لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه ، قالوا : اليهود والنصارى ؟ قال : فمن؟) – أي : فمن غيرهم- .
معنى آمين :
ويستحب لمن يقرأ الفاتحة أن يقول بعدها : آمين ، ومعناه : اللهم استجب ، والصحيح : أنه يستحب ذلك لمن هو خارج الصلاة ، ويتأكد في حق المصلي سواء كان منفرداً أو إماماً أو مأموماً وفي جميع أحوال الصلاة.
1- عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا أمّن الإمام فأمنّوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه) .
2- ولمسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا قال أحدكم في الصلاة آمين والملائكة في السماء آمين فوافقت إحداهما الآخر غفر له ما تقدم من ذنبه) .
3- وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أُعطيت "آمين" في الصلاة وعند الدعاء لم يُعط أحد قبلي إلا أن يكون موسى ، كان موسى يدعو وهارون يؤمن فاختموا الدعاء بـ "آمين" فإن الله يستجيبه لكم) .
4- ومن هنا نزع بعضهم في الدلالة بهذه الآية الكريمة وهي قول الله تعالى :
{وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ}
فذكر الدعاء عن موسى وحده ومن سياق الكلام ما يدل على أن هارون أمن فنزل منزلة من الدعاء ، لقوله تعالى : {قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا} فدل ذلك على أن من أمّن على دعاء فكأنما قاله : فلهذا قال من قال : إن المأموم لا يقرأ لأن تأمينه على قراءة الفاتحة بمنزل قراءتها ، فدل هذا المنزع أيضاً على أن المأموم لا قراءة عليه في الجهرية ، والله أعلم .
5- قلت : وهذا هو الحق الموافق لما جاء في القرآن :
{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} فالاستماع والإنصات أمر من الله تعالى حتى نُرحم ، فإذا استمعنا وأنصتنا تفرغ القلب للفهم ، وإذا فهمنا مراده تعالى ، عملنا بمقتضاه ، فيرحمنا الله جزء ما عملنا بما فهمنا .
أما إذا قرأ الإمام جهراً ونحن قرأنا معه فلا نستطيع في آن واحد فهم ما نقرأ وفهم ما نسمع ، وإذا لم يحصل الفهم لا يحصل العمل ، وإذا لم يحصل العمل فلا نُرحم .
وكذلك فانه موافق لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله :
( إنما جُعِل الإمام ليؤتم به فإذا كبر ، فكبروا ، وإذا قرأ فأنصتوا …) الحديث .
هذا في الصلاة الجهرية أما في الصلاة السرية فتجب قراءة الفاتحة وراء الإمام وهاهنا يأتي دور الحديث :
( لا صلاة لمن لام يقرأ بفاتحة الكتاب) . والله تعالى أعلم .