تخطى إلى المحتوى

سلسلة تفسير أسماء الله الحسنى( تعريج حول اسمي الضار النافع، تفسير العزيز، القوي، المتين القدير ) 2024.


الضّار: (النّافع الضّار)(1)

قال رحمه الله تعالى: "من أسمائه الحسنى ما يؤتي به مفرداً ويؤتى به مقروناً مع غيره وهو أكثر الأسماء الحسنى، فيدلّ ذلك على أن لله كمالاً من إفراد كلّ من الإسمين فأكثر وكمال من اجتماعهما أو اجتماعها.

ومن أسمائه مالا يؤتى به إلاّ مع مقابلة الإسم الآخر لأن الكمال الحقيقي تمامه وكماله من اجتماعهما، وذلك مثل هذه الأسماء وهي متعلقة بأفعاله الصّادرة عن إرادته النّافذة وقدرته الكاملة وحكمته الشّاملة .

فهو تعالى النّافع لمن شاء من عباده بالمنافع الدّينيّة والدُّنيويّة،

الضّار لمن فعل الأسباب التي توجب ذلك،.

وكلّ هذا تبعًا لحكمته وسننه الكونية وللأسباب التي جعلها موصلة إلى مسبباتها، فإن الله تعالى جعل مقاصدًا للخلق وأموراً محبوبة في الدّين، والدّنيا، وجعل لها أسباباً، وطرقاً، وأمر بسلوكها ويسّرها لعباده غاية التّيسير، فمن سلكها أوصلته إلى المقصود النّافع،ومن تركها أو ترك بعضها أو فوّت كمالها أو أتاها على وجه ناقص ففاته الكمال المطلوب فلا يلومنّ إلاّ نفسه وليس له حجّة على الله، فإن الله أعطاه السّمع، والبصر، والفؤاد، والقوّة، والقدرة، وهداه النّجدين وبيّن له الأسباب، والمسبّبات ولم يمنعه طريقاً يوصل إلى خير ديني، ولا دنيوي، فتخلّفه عن هذه الأمور يوجب أن يكون هو الملوم عليها المذموم على تركها(2).

———–

(1) لم أقف على دليل صحيح يدلّ على تسمية هذين الإسمين لله تعالى، والله أعلم.

(2) توضيح الكافية الشافية (ص130-131).

[ الصّفحات من: 211 إلى 214 ]


القعدة

العزيز: (العزيز- القويّ(1)- المتين(2)- القدير(3))

قال رحمه الله تعالى: "هذه الأسماء العظيمة معانيها متقاربة فهو تعالى كامل القوّة عظيم القدرة شامل العزّة {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً}(4) (5).

العزيز الذي له العزّة كلّها عزّة القوّة، وعزة الغلبة وعزة الامتناع، فممتنع أن يناله أحد من المخلوقات وقهر جميع الموجودات، ودانت له الخليقة وخضعت لعظمته(6).

فمعاني العزّة الثّلاث كلّها كاملة لله العظيم

عزّة القوّة الدّال عليها من أسمائه القويّ المتين، وهي وصفه العظيم الذي لا تنسب إليه قوّة المخلوقات وإن عظمت،

– وعزّة الامتناع فإنّه هو الغنيّ بذاته فلا يحتاج إلى أحد، ولا يبلغ العباد ضرّه فيضرّونه، ولا نفعه فينفعونه بل هو الضّار النّافع المعطي المانع،

عزّة القهر والغلبة لكلّ الكائنات فهي كلّها مقصورة لله خاضعة لعظمته منقادة لإرادته، فجميع نواصي المخلوقات بيده، لا يتحرك منها متحرك ولا يتصرف متصرف إلا بحوله وقوته وإذنه، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا به،

فمن قوّته واقتداره أنه خلق السّماوات، والأرض، وما بينهما في ستّة أيام، وأنّه خلق الخلق ثمّ يميتهم ثمّ يحييهم ثمّ إليه يرجعون {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ}(7).

{وَهُوَ الَّذِي يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْه}(8).

– ومن آثار قدرته أنك ترى الأرض هامدة، فإذا أنزل عليها الماء اهتزّت وربت وأنبتت من كلّ زوج بهيج،

– ومن آثار قدرته ما أوقعه بالأمم المكذّبين، والكفّار الظّالمين من أنواع العقوبات وحلول المثلات، وأنه لم يغن عنهم كيدهم، ومكرهم، ولا أموالهم، ولا جنودهم، ولا حصونهم من عذاب الله من شيء لمّا جاء أمر ربّك، وما زادوهم غير تتبيب، وخصوصاً في هذه الأوقات فإنّ هذه القوّة الهائلة، والمخترعات الباهرة التي وصلت إليها مقدرة هذه الأمم هي من أقدار الله لهم وتعليمه لهم، ما لم يكونوا يعلمونه،

فمن آيات الله أن قوّاهم، وقدّرهم ومخترعاتهم لم تغن عنهم شيئاً في صدّ ما أصابهم من النّكبات، والعقوبات المهلكة مع بذل جدّهم واجتهادهم في توقّي ذلك، ولكن أمر الله غالب، وقدرته تنقاد لها عناصر العالم العلوي، والسفلي.

من تمام عزّته وقدرته وشمولهما أنّه كما أنه هو الخالق للعباد فهو خالق أعمالهم وطاعتهم ومعاصيهم، وهي أيضاً أفعالهم، فهي تضاف إلى الله خلقاً وتقديراً وتضاف إليهم فعلاً ومباشرة على الحقيقة ولا منافاة بين الأمرين، فإن الله خالق قدرتهم وإرادتهم، وخالق السّبب التّام خالق للمسبّب قال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}(9).

من آثار قدرته ما ذكره في كتابه من نصرة أوليائه على قلّة عددهم وعُددهم على أعدائهم الّذين فاقوهم بكثرة العدد، والعُدة، قال تعالى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ}(10).

ومن آثار قدرته ورحمته ما يحدثه لأهل النار، وأهل الجنة من أنواع العقاب، وأصناف النعيم المستمر الكثير المتتابع الذي لا ينقطع، ولا يتناهى"(11).

——

(1) قال الله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} (هود: 66).

(2) قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (الذاريات: 58).

(3) قال الله تعالى: {وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الممتحنة: 7).

(4) يونس (65).

(5) الحق الواضح المبين (ص44) وتوضيح الكافية الشافية (ص119).

(6) التفسير (5/624).

(7) لقمان (28).

(8) الـروم (27).

(9) الصافات (96).

(10) البقرة (249).

(11) الحق الواضح البين (ص44- 45- 46) وانظر أيضاً: التفسير (1/356 و5/563).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.