وبعد ذلك تأتينا مسألة عظمى وهي أننا نعلم علماً يقينياً أن هذا الدين العظيم لا يقوم إلا على أصلين اثنين، أما الأصل الأول فهو التأصيل نؤصل في الناس العقيدة الصحيحة، ونؤصل في الناس الإتباع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم على فهم سلف الأمة، وأن لا يقدم العبد قولا على قول النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال الشافعي رحمة الله عليه : أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس كائنا من كان " الله اكبر، أبداً كائناً من كان، لو كان أبو بكر وعمر؟ ولو كان أبو بكر وعمر.
ولذلك لما ناقش بعض الصحابة ابن عباس رضي الله عنه في مسألة المتعة وأن المتعة (الحج)طبعاً، وأن بعض الصحابة استدل على ابن عباس وقالوا: أن عمر رضي الله عنه كان ينهى عن المتعة، فقال ابن عباس رضي الله عنه: الله أكبر! أخشى أن تنزل علينا حجارة من السماء، أقول لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون : قال أبو بكر وعمر .
إذن فما بالك بمن قدم قول أحد من الناس على سنة النبي صلى الله عليه وسلم من لا يصل إلى رمل أو تراب يسير عليه أحد التابعين فضلاً أن يصل إلى قول عمر أو أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه، إذن نعتصم بالسنة، ونعرف أن الأصل الأول هو التمسك بالسنة، نتمسك بالسنة كما أراد الله عز وجل كما بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم وندعو إلى ذلك دعاء حقيقي ونسأل الله عز وجل في كل وقت وحين أن يثبتنا على هذه السنة وأن يقبضنا عليها، هذا دعاء المخلص المخبت الذي يريد نصرة الدين ، هذا الأصل الأول : أننا نتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم . والأصل الثاني أن نحذر من ضد ذلك من الأهواء والبدع والمحدثات ، فإذا وردت محدثة أو بدعة ننتبه منها ونحذرها في أنفسنا ونحذر إخواننا المسلمين من الوقوع في ذلك، نريد بذلك وجه الله عز وجل لا نريد به شيئاً من الدنيا أو علواً في الأرض أو إفساداً، بل نريد ما عند الله سبحانه، ويدل على ذلك العرباض بن سارية رضي الله عنه في الحديث :"وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون، فقلنا يا رسول الله: كأنها موعظة مُودع فأوصِنا، فقال: أوصيكم بتقوى الله ، والسمع والطاعة ، وإن تأمر عليكم عبد ، وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجد" الناجد : هو الناب ، وذلك أن الإنسان إذا أراد أن يعظ على شيء فإن أقوى ما في أسنانه هذا الناجد، فإنه لا يكسر إذا عض على الشيء وأمسك به مسكاً شديداً. عضوا عليها بالنواجد إذن هنا أصلوا . عليكم بسنتي : النجاة من الفتنة والنجاة من الزيغ والنجاة من الهلاك أن يتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجد" .
ثم جاء إلى الأصل الثاني وهو التحذير ، قال : " وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة " ولا يقوم الدين هذا الدين العظيم إلا على هذين الأصلين . نؤصل بالناس الاعتقاد الصحيح وأوله إفراد الله عز وجل بالتوحيد وإفراد النبي صلى الله عليه وسلم في المتابعة، ألا يقدم عليه قول أحد كائناً من كان، وهذا أمر لابد أن يعلمه كل واحد ولا سيما من كان يريد الدعوة إلى سبيل الله القويم وإلى سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك تأتينا مرحلة أخرى وهي بعد أن نتعلم هذه الأصول، تأتي مسألة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق فيما بيننا فإننا نأمر الناس بلزوم سنة النبي صلى الله عليه وسلم . لماذا؟ لأنه لا يمكن أن تتوحد القلوب إلا بلزوم السنة ،وأما الآراء والأهواء فكل واحد يحمل على ما لاقى له وعلى ما حسن عنده من رأيه، فربما يرى ما ليس بحسن هو الحسن ويريد أن يقود الناس إليه، ويأتي من يريد أن يحمل الناس على اتباع لواء معين غير اللواء الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم وهو أن النجاة باتباعه صلوات ربي وسلامه عليه والأخذ بأمره وترك نهيه والحذر من ذلك كله .