أنا امرأة متزوجة ولي أولادٌ، ووالدهم محدود الدخل لا يقدر على الإنفاق عليهم وتوفيرِ ما يحتاجونه من المطعم والملبس ونحو ذلك، فهل يجوز لي أن أَقْبل الزكاة من والدي الغني؟ لأنه قيل لي إن والدَك يجب عليه أن ينفقَ عليك لا أن يُعطيك الزكاة؟ فأرشدني –حفظكم الله- إلى الجوابِ الذي أهتدي به في هذه المسألةِ. وجزاكم الله خيرا.
الجـواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمّا بعد:
فالأصل المتقرر -فقهًا- أنّ كلّ قريبٍ سواء من جهة الأصول كالآباءِ أو الأمهاتِ وإن عَلوا، أو من جهة الفروع كالأولادِ وإن نزلوا ممن يكون المزكي هو المسئولُ عنهم في الإنفاق، لا يجوزُ له أن يدفعَ إليهم زكاتَه من أجل النفقة، وإن كانوا فقراء، لأنهم أغنياء بغناه، ودفعُ الزكاة إليهم مجلبة للمزكي وتحصيلُ النفع بتوفير ماله، لذلك لا تجتمع زكاةٌ ونفقةٌ.
ومعيارُ النفقة الواجبةِ تتلخص في: أنّ كلّ من يرثه المزكي لو افترِض موته، فإنه تلزمه نفقته إذا تولى أمره، أمّا إذا استقلَّ بنفقتِه على نفسِه، أو تولّى مسئوليةَ الإنفاق عليه إلا أنّه عاجزٌ عن النفقةِ عليه، أو صرف الزكاةَ إليه من غير باب النفقة، كسهم «الغارمين» أو «في سبيل الله» أو «ابن السبيل» فإنّ هذه الأحوالَ تخوِّل له -شرعًا- صرفهَا إليهم، ودفعها إلى أقربائه أولى ولو كان هو المسئول عنهم في الإنفاق. لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: « الصَّدَقَةُ على المسْكِينِ صَدَقَةٌ وهِيَ على ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ: صدَقَةٌ وصِلَةٌ»(١).
ولا يخفى أنّ المسئول عن المرأة المتزوجة في الإنفاق -كما في السؤال- إنما هو زوجها لقوله تعالى: ﴿وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ [البقرة: 233] وقوله تعالى: ﴿ لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللهُ لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا﴾ [الطلاق: 7]، ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «وَلهنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالمعْرُوفِ»(٢).
فإن كان الزوجُ صاحبُ الدخلِ المحدودِ لا يسعُه المالُ للإنفاق، ولا يكفيه راتبُه للقيام بمصارفه ومصارف عياله، فإنّ أبَ الزوجةِ الغني إنْ أعطى زكاته للزوج تمكينًا له للقيامِ بما يلزمُه من النفقة على عِياله كانَ حسنًا.
أمّا إنْ صرفَها الأبُ على ابنته فإنها تصح بالأحروية: صدقةً وصلةً –كما تقدَّم في الحديث- لعدمِ وجوب النفقة عليه، وقد روى ابن خزيمةَ في «صحيحه» بإسنادِه حديثَ عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه: أنّ رجلا تصدّق على ولده بأرضٍ فردَّها إليه الميراث، فذُكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: «وَجَبَ أَجْرُكَ وَرَجَعَ إِلَيْكَ مُلْكُكَ»(٣).
هذا، ولوالدِ الزوجةِ إن رأى عدمَ كفايةِ الزكاةِ المصروفةِ إليها، وأرادَ أن يُكرمها بعطيةٍ زائدةٍ عن الزكاة لسدِّ مزيدِ حاجتها، فيجوز له ذلك، ويدخلُ فعله في باب الهبةِ والعطية، ولا يُشترط عليه فيها العدلُ بين أولاده لقيام سلطانِ الحاجة فيها دونهم، وهم أغنياءُ بغناه إن كانوا تحت مسئوليتِه في الإنفاق.
والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.
الموافق ﻟ: 22 جانفي 2024م
١- أخرجه الترمذي كتاب «الزكاة»، باب ما جاء في الصدقة على ذي القرابة: (658)، والنسائي كتاب «الزكاة»، باب الصدقة على الأقارب: (2582)، وأحمد: (15794)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث حسّنه الألباني في «الإرواء»: (3/387).
٢- جزء من حديث جابر رضي الله عنه في صفة حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أخرجه مسلم كتاب «الحج»: (2950).
٣- أخرجه ابن خزيمة كتاب «الزكاة»، باب صدقة المرء على ولده: (2465)، من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه. والحديث حسّنه الألباني في «صحيح ابن خزيمة»: (2465).
المصدر ..موقع الشيخ فركوس حفظه الله
هدا الخطا يقع فيه الكثيرين
وبارك فيك على هذا
الموضوع الرائع