بسم الله الرحمان الرحيم.
و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده محمد و على آله و صحبه أجمعين.
من أعظم من درجة الصيام و الصلاة و الصدقة؟ هو "إصلاح ذات البين و فساد البين هي الحالفة".
و لآثار الخطيرة لفساد ذات البين و لأهمية السعي لإصلاح ذات البين كان الإصلاح منهج النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه الكرام" اذهبوا بنا نصلح بينهم"
انظروا كيف اقترن الوصف بالسيادة مع الإصلاح بين المسلمين و دلك فيما ذكره النبي صلى الله عليه و سلم في الحسن بن علي رضي الله عنه "ابني هدا سيد، و لعل الله يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" رواه البخاري.
و لهدا كثرت النصوص التي تحث عليه و ترغب فيه منها:
"لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدفة أو معروف أو إصلاح بين الناس و من يفعل دلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما" النساء:114.
"فاتقوا الله و أصلحوا ذات بينكم" الأنفال:01.
"و الصلح خير" النساء:128.
"إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم و اتقوا الله لعلكم ترحمون" الحجرات:10.
و لأهمية الصلح بين المسلمين أباح الإسلام لمن يحمل دينا في إصلاح ذات البين، أن يأخذ من الزكوات ما يعينه على قضاء هدا الدين ترغيبا في الإصلاح…
و كان عمر بن الخطاب عليه السلام يكتب إلى عمالة إدا جاءهم الخصوم أن يردوهم حتى يصطلحوا و لا يعجلوا بإصدار أحكامهم. و كان يقول: إن فصل القضاء يورث بينهم الضغائن.
و الصلح في الشرع أنواع:
* صلح بين المسلمين و أهل الحرب.
* صلح بين أهل الحق و أهل البغي.
* صلح بين الزوجين إدا خيف الشقاق بينهما.
* صلح لقطع التنازع في الحقوق، و هو المقصود هنا خصوصا. و انظر أخي المسلم أختي المسلمة كيف رخّص الإسلام في الكذب من أخل الإصلاح، رغم أنه يحرّم الكذب و يجعله من أقبح الذنوب و يعتبره آفة لا تصدر إلا من جبان ضعيف الإيمان فاقد الرجولة، و هذا الكلام لا شك فيه إذ يقول الله تعالى: "إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون" النحل:105.
"إن الله لا يهدي من هو مسرف الكذب".
" و يوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة" الزمر:59.
و في حديث:" إن الكذب يهدي إلى الفجور و إن الفجور يهدي إلى النار و أن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا" رواه البخاري و مسلم.
رغم هذا رخّص الرسول صلى الله عليه و سلم في الكذب عند إصلاح ذات البين، إذا لم يحصل الإصلاح بين المتخاصمين إلا بالكذب بعد استعمال كل الوسائل المشروعة " ليس الكذب الذي يصلح بين الناس فينمي خير أو يقول خيرا". رواه البخاري و مسلم.
و في رواية عن أم كلثوم « و لم أسمعه يرخّص في شيء مما يقول الناس إلا ثلاث: تعني الحرب، و الإصلاح بين الناس، و حديث الرجل امرأته و المرأة زوجها". رواه مسلم.
و هنا أجدني مضطرة للتوقف معكم عند نقطة حساسة…و جريمة خطيرة… إذا كان الإصلاح مهما إلى هذه الدرجة يباح فيها الكذب لأجله، فما حكم من الكذب لإفساد ذات البين، و ما موقف من يسعى لفساد ذات البين:•
بالنميمة: "لا يدخل الجنة نمام" البخاري و مسلم.
• أو بالغيبة: " و لا يغتب بعضكم بعضا" آية.
• أو بالتسمع إلى كلام الناس بغير رضاهم " ومن استمع إلى حديث قوم و هم عليه كارهون أو يفرون منه، صبّ في أذنه الأنك يوم القيامة" رواه البخاري. و الأنك: الرصاص المذاب.
• بشهادة الزور و قول الزور " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثا قالوا بلى يا رسول الله، قال: الوالدين، و جلس و كان متكئا، فقال: " ألا و قول الزور" فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت". رواه البخاري و مسلم.
• أو بالخيانة و الخذلان: " المسلم أخو المسلم لا يخونه و لا يكذبه و لا يخذله: كل المسلم على المسلم حرام عرضه و ماله و دينه". رواه الترمذي و حسنه.
• أو بالكيد و المكر و الخداع قال تعالى: " إن الله لا يهدي كيد الخائنين" يوسف:52. و قال أيضا: " يخادعون الله و الذين آمنوا و ما يخادعون إلا أنفسهم و ما يشعرون" البقرة:8.
• أو بالغش: "من غشنا فليس منا". رواه مسلم.
• بالفتنة و الاضطرابات: قال الله تعالى: "و اتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة…". إلى غيرها من وسائل الشر و الخبث التي حرّمها الإسلام ابتداء، فكيف إذا استعملت في إفساد ذات البين آفة مرض القلوب و صفة أعداء الخير و السلام.
أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم فاستغفروا إنه هو الغفور الرحيم.
جزاكم الله خيرا على النصيحة الطيبة