الفرق بين تنزيه الرسل وتنزيه المعطلة أن الرسل نزهوه سبحانه عن
النقائض والعيوب التي نزه نفسه عنها وهي المنافية لكماله وكمال ربوبيته وعظمته كالسنة والنوم والغفلة والموتواللغوب والظلم وإرادته والتسمي به والشريك والصاحبة والظهير والولد والشفيع بدون إذنه وأن يترك عباده سدى هملا وأن يكون خلقهم عبثا وأن يكون خلق السموات والأرض وما بينهما باطلا لا لثواب ولا عقاب ولا أمر ولا نهى وأن يسوى بين أوليائه وأعدائه وبين الأبرار والفجار وبين الكفار والمؤمنين وأن يكون في ملكه مالا يشاء أن يحتاج إلى غيره بوجه من الوجوه وأن يكون لغيره معه من الأمر شيء وأن يعرض له غفلة أو سهو أو نسيان وأن يخلف وعده أو تبدل كلماته أو يضاف إليه الشر اسما أو وصفا أو فعلا بل أسماءه كلها حسنى وصفاته كلها كمال وأفعاله كلها خير وحكمة ومصلحة فهذا تنزيه الرسل لربهم وأما المعطلون فنزهوه عما وصف به نفسه من الكمال فنزهوه عن أن يتكلم أو يكلم أحدا ونزهوه عن استوائه على عرشه وأن ترفع إليه الأيدي وأن يصعد إليه الكلم الطيب وأن ينزل من عنده شيء أو تعرج إليه الملائكة والروح وأن يكون فوق عباده وفوق جميع مخلوقاته عاليا عليها ونزهوه أن يقبض السموات بيده والأرض باليد الأخرى وان يمسك السموات على إصبع والأرض على إصبع والجبال على إصبع والشجر على إصبع ونزهوه أن يكون له وجه وأن يراه المؤمنون بأبصارهم في الجنة وأن يكلمهم ويسلم عليهم ويتجلى لهم ضاحكا وأن ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول من يستغفرني فأغفر له من يسألني فأعطيه فلا نزول عندهم ولا قول ونزهوه أن يفعل شيئا لشيء بل أفعاله لا لحكمة ولا لغرض مقصود ونزهوه أن يكون تام المشيئة نافذ الإرادة بل يشاء الشيء ويشاء عباده خلافه فيكون ما شاء العبد دون ما شاء الرب ولا يشاء الشىء فيكون مالا يشاء ويشاء مالا يكون وسموا هذا عدلا كما سموا ذلك النزيه توحيدا ونزهوه عن أن يحب أو يحب ونزهوه عن الرأفة والرحمة والغضب والرضا ونزهة آخرون عن السمع والبصر وآخرون عن العلم ونزهه آخرون عن الوجود فقالوا الذي فر إليه هؤلاء المنزهون من التشبيه والتمثيل يلزمنا في الوجود يلزمنا في الوجود فيجب علينا أن ننزهه عنه فهذا تنزيه الملحدين والأول تنزيه المرسلين
و آفة القوم( المعطلة ) كما ذكر أكثر العلماء هو المنطق و الفلسفة التي أدخلت العقل في النقل و جعلت من العقل ميزان للشرع فما يقبله العقل فذاك هو الشرع و ماخالفه فهو مردود و اما ماجاء في الشرع ما يخالف العقل فنؤوله و لا نرده
و ستكون لنا مواضيع إن شاء الله نتكلم فيها عن الفرق الضالة شرح و تبسيطا بحول الله تعالى
أما بعد
فإن من الناس من هو مفتاح للخير مغلاق للشر، ومنهم من هو مفتاح للشر مغلاق للخير !!
وشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام رحمه الله، ممن نحسبه من الصنف الأول، ولا نزكي على الله أحدا.
فقد جاء كتابه هذا ( درء تعارض العقل و النقل) أو ( موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول ) شامة في جبين الزمن، لا يدانيه في بابه كتاب آخر، بل لا يكاد يوجد أصلا في بابه كتاب، كما قال ابن القيم:
واقرأ كتاب العقل والنقل الذي …………. ما في الوجود له نظير ثان
– الحيدة لعبد العزيز الكناني
– الرد على الجهمية والزنادقة للإمام أحمد
– النقض على المريسي لعثمان بن سعيد الدارمي
وكل هذه الكتب لم تستعمل قواعد المتكلمين في الرد عليهم.
فالمزية التي تميز بها هذا الكتاب أنه استعمل قوانين المتكلمين والفلاسفة نفسها في بيان بطلان مذاهبهم، ولذلك قال ابن القيم رحمه الله:
ومن العجائب أنه بسلاحهم ……………. أرداهم تحت الحضيض الداني
فالكتاب قابل للاختصار والتنقيح والترتيب، وهذا مشروع بحث لو قام عليه بعض الدارسين لكان جيدا؛ وذلك كما يلي:
– ترتيب الأوجه واختصار المكرر منها
– تنقيح العبارات الغامضة وصوغها بطريقة أسهل فهما
– استكمال كلام شيخ الإسلام الذي أشار إليه بقوله (بسطناه في موضع آخر)
وأسأل الله أن يجزي عنا شيخ الإسلام خير الجزاء.
وأن يستعملنا وإياكم في طاعته، ويوفقنا لما يحبه ويرضاه
القانون الكلي للتوفيق عند المبتدعة
قول القائل: إذا تعارضت الأدلة السمعية( الكتاب و السنة ) والعقلية( النظر و الإجتهاد) أو السمع والعقل أو النقل والعقل أو الظواهر النقلية والقواطع العقلية أو نحو ذلك من العبارات
1- فإما أن يجمع بينهما وهو محال لأنه جمع بين النقيضين
2- وإما أن يردا جميعا
3- وإما أن يقدم السمع وهو محال لأن العقل أصل النقل فلو قدمناه عليه كان ذلك قدحا في العقل الذي هو أصل النقل والقدح في أصل الشيء قدح فيه فكان تقديم النقل قدحا في النقل والعقل جميعا فوجب تقديم العقل ثم النقل إما أن يتأول وإما أن يفوض
4- وأما إذا تعارضا تعارض الضدين امتنع الجمع بينهما ولم يمتنع ارتفاعهما
وهذا الكلام قد جعله الرازي وأتباعه قانونا كليا فيما يستدل به من كتب الله تعالى وكلام أنبيائه عليهم السلام وما لا يستدل به ولهذا ردوا الاستدلال بما جاءت به الأنبياء والمرسلون في صفات الله تعالى وغير ذلك من الأمور التي أنبأوا بها وظن هؤلاء أن العقل يعارضها وقد يضم بعضهم إلى ذلك أن الأدلة السمعية لا تفيد اليقين وقد بسطنا الكلام على قولهم هذا في الأدلة السمعية في غير هذا الموضع
وأما هذا القانون الذي وضعوه فقد سبقهم إليه طائفة منهم أبو حامد وجعله قانونا في جواب المسائل التي سئل عنها في نصوص أشكلت على السائل كالمسائل التي سأله عنها القاضي أبو بكر بن العربي وخالفه القاضي أبو بكر العربي في كثير من تلك الأجوبة وكان يقول: شيخنا أبو حامد دخل في بطون الفلاسفة ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر وحكي هو عن أبي حامد نفيه أنه كان يقول: أنا مزجي البضاعة في الحديث. ووضع أبو بكر بن العربي هذا قانون آخر مبنيا على طريقة أبي المعالي ومن قبله كالقاضي أبي بكر الباقلاني
ومثل هذا القانون الذي وضعه هؤلاء يضع كل فريق لأنفسهم قانونا فيما جاءت به الأنبياء عن الله فيجعلون الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه هو ما ظنوا أن عقولهم عرفته ويجعلون ما جاءت به الأنبياء تبعا له فما وافق قانونهم قبلوه وما خالفه لم يتبعوه
وهذا يشبه ما وضعته النصارى من أمانتهم التي جعلوها عقيدة إيمانهم وردوا نصوص التوراة والإنجيل إليها لكن تلك الأمانة اعتمدوا فيها على ما فهموه من نصوص الأنبياء أو ما بلغهم عنهم وغلطوا في الفهم أو في تصديق الناقل كسائر الغالطين ممن يحتج بالسمعيات فإن غلطه إما في الإسناد وإما في المتن وأما هؤلاء فوضعوا قوانينهم على ما رأوه بعقولهم وقد غلطوا في الرأي والعقل
فالنصارى أقرب إلى تعظيم الأنبياء والرسل من هؤلاء ولكن النصارى يشبههم من ابتدع بدعة بفهمه الفاسد من النصوص أو بتصديقه النقل الكاذب عن الرسول كالخوارج والوعيدية والمرجئة والإمامية وغيرهم بخلاف بدعة الجهمية والفلاسفة فإنها مبنية على ما يقرون هم بأنه مخالف للمعروف من كلام الأنبياء وأولئك يظنون أن ما ابتدعوه هو المعروف من كلام الأنبياء وأنه صحيح عندهم