سلامـ عليكمـ ورحمة الله
الغارة على الإسلام وقيمه
مفكرة الإسلام: ما أكثر السهام التي وجهها ــ ويوجهها ــ أعداء الإسلام إليه: عقائد، ومباديء، وقيما، وسلوكيات. ويتمثل ذلك في كتب مستقلة، أو فصول في دوائر المعارف، أو مقالات. ومعروف أن "اليونسكو" (منظمة الثقافة والتربية والعلوم) تشرف على موسوعة "تاريخ الجنس البشري" وتقدمه الثقافي والعلمي، والمجلد الثالث من هذه الموسوعة عن "الحضارات الكبرى في العصر الوسيط". والفصل العاشر من هذا المجلد خاص بالعرب، وهو خاص بالمفتريات وتشويه قيم الإسلام، وتاريخ النبي (صلى الله عليه وسلم) وخلفائه الراشدين بتعصب بشع ذميم.
مع أن المكتبة الإسلامية ضمت مئات من الكتب تصدت لنقض ادعاءات أعداء الإسلام، مثل كتب العقاد، أحمد جمال الدين، وسيد قطب، وأحمد ديدات.
ومن الذين تصدوا لنقض هذه المفتريات الأستاذ محمد عبد الله السمان بكتاب عنوانه "مفتريات اليونسكو على الإسلام". ومن هذه المفتريات :
1 ـ الإسلام تركيب ملفق من المذاهب اليهودية والمسيحية، بالإضافة إلى التقاليد القومية الوثنية العربية التي أبقى عليها كطقوس قبلية تجعلها أكثر رسوخا في العقيدة.
2 ـ القرآن ليس أكثر من مجوعة مقتطفات خطابية موجهة ــ لا للقراء ــ ولكن للمستمعين.
3 ـ دور المرأة في المجتمع الإسلامي على جانب كبير من الضآلة، وضآلة مرتبتها كانت أمرا مسلما به في جميع مظاهر الحياة … حتى إنه في مسألة الميراث لم يكن نصيبها إلا نصف نصيب الرجل.
4 ـ الإسلام لم ينصف أهل الذمة، وقد عمل على أن يظل الوضع الاجتماعي للذميين وضعا سيئا مهينا، ويدل على ذلك الجزية التي فرضت على الذميين، وهي ضريبة باهظة أثقلت كواهلهم… وإن إقبال الذميين على الإسلام سببه التخلص من الضرائب الباهظة، أو لكي يحظوا بحقوق المواطنة أسوة بالمسلمين.
5 ـ الألوف المؤلفة من الأحاديث هي من وضع أصحاب رسول الله، ونسبوها إليه ليجعلوا من شخصيته مثالا يحتذى.
وهذه الأحاديث الضعيفة صنعت حول الخلفاء الأربعة ( أبي بكر وعمر وعثمان وعلي) هالة من القداسة.
**********
ولا نقف أمام هذه الافتراءات؛ فقد تكفل الأستاذ السمان ـ كما ألمحنا ـ بنقضها واحدا واحدا.
وفي السطور الآتية أكتفي بمواجهة موقف واحد من مواقفهم الشائنة الحاقدة وهو موقفهم من عقيدة التوحيد:
يرى رينان الفرنسي أن عقيدة التوحيد في الإسلام تؤدي إلى حيرة المسلم، كما تحط به كإنسان إلى أسفل الدرك، وترفع الإله عنه في علاء لا نهاية له.
أما عقيدة المسيحية ـ في نظره ـ فلأنها قائمة على التثليث ـ أي أن الإله الأب أوجد الإله الابن، واتصل الاثنان بصلة مع روح القدس، وعليه فسيكون يسوع المسيح إلها وبشرا ـ هذه العقيدة تؤدي إلى ترقية شأن الإنسان بتقريبه من الحضرة الإلهية.
فالثالوث مشتقة أصوله من ضرورة إله بشري يمحو ذنب الجنس البشري، ويفديه من الخطيئة التي اقترفها.
وهذا الاعتقاد هو أخف وأعلى، وأجلب للثقة؛ إذ يحمل المسيحيين على إتيان الأعمال التي تقربهم إلى الله حيث الوسائط بينهم وبين ذاته العلية موصولة، في حين أن المسلمين تجعلهم ديانتهم كمن يهوي في الفضاء بحسب ناموس لا يتحول ولا يتبدل، ولا حيلة فيه سوى متابعة الصلوات والدعوات، والاستعانة بالله الأحد الذي هو مستودع الآمال ، ولفظة الإسلام معناها الاستسلام المطلق لإرادة الله.
**********
وتمضي مسيرة الافتراء والكذب والتضليل، فتأتي مجلة "The Muslim world" ( عدد أكتوبر سنة 1955، وهي مجلة تصدرها مؤسسة HARFORD للدراسات الدينية والشرقية) فتردد هذا المعنى، وتؤكده في شرح آية " إلى الله المصير"آل عمران 28. فتقول ما ترجمته:
"إن إله الإسلام متكبر جبار، مترفع عن البشرية ، يطلب أن يسير العابد نحوه، بينما إله المسيحية عطوف متواضع يتودد للناس، فظهر في صورة بشر، وذلك هو الإله الابن، فعقيدة التثليث في المسيحية قربت الإنسان من الإله، وأعطته نموذجا رفيعا واقعيا في حياته ليسعى كي يقترب منه. أما عقيدة التوحيد فباعدت بين الإنسان والإله، وجعلت الإنسان متشائما من شدة الخوف منه، ومن جبروته وكبريائه".
إنه ــ كما يقول الدكتور محمد البهي ــ "اتهام متهافت غريب؛ لأن عقيدة التوحيد مزية الإسلام، وآية على أنه الرسالة الكاملة الواضحة لخالق الكون في كونه، كما أنها الطريق السليم والوحيد إلى رفع شأن الإنسان وتكريمه ؛ لأن صاحب هذه العقيدة لا يخضع في حياته لغير الله ولا يتوجه في طلب العون إلى غير الله سبحانه وتعالى".
وقد ررد هذه الافتراءات نفسها السياسي الفرنسي "جابرييل هانوتو" في عدد من المقالات ، وقد تكفل الإمام محمد عبده بالرد عليها وخصوصا فيما يتعلق بعقيدة التوحيد، ومما قاله: "يظن هانوتو أن الإسلام بعقيدة التوحيد قطع الصلة بين العبد وربه، ولكنه وهم في ذلك؛ فإن الإسلام أفضى بالعبد إلى ربه، وجعل له الحق أن يقوم بين يديه وحده بلا واسطة تبيعه رضاءه. قضى الإسلام بألا يكون للكون إلا قاهر واحد، يدين له بالعبودية كل مخلوق، وحظر على الناس مقامين لا يمكن الرقي إليهما : مقام الألوهية التي تفرد بها، ومقام النبوة التي اختص بمنحها من شاء، ثم أغلق بابها. وما عدا ذلك من مراتب الكمال فهي بين يدي الإنسان ، وينالها باستعداده لا يحول دونها حجاب إلا ما كان من تقصيره في عمله أو قصوره في نظره.
إذا اعتقدت بقصور فضل الله عنك، وقفت نفسك حيث وضعتها، ولن تستطيع إلى التقدم سبيلا، هكذا يرفع الإسلام الصحيح نفس صاحبه ، وهذا هو معنى الإسلام والاستسلام الذي أخطأ في فهمه مسيو هانوتو، فهل بقي الإنسان مع هذا المعنى من الإسلام في درك من الحيوانية، وفي هجرة عن التوسل إلى مسبباتها في كسب الفضائل والكمالات.
ومما قاله الإمام محمد عبده عمن اتخذوا بينهم وبين الله وسيطا : "ماذا أصاب هؤلاء من سر ما اعتقدوا، استعبدوا للسادن، والكاهن، والزعماء، ووارثيهم، واستسلموا لهم في جميع شئونهم، فكانت علومهم من أوهامهم وأفهامهم واقفة عند خيالاتهم، ينكرون الأوليات من المعلومات إذا توهموا أنها تخالف تلك الموهومات التي تلقوها عن زعمائهم، ثم كانوا يتركون وسائل العلى اتكالا على ما يستمدونه منهم، ولا يزال التاريخ يشهد على ما قاسته الإنسانية من بلايا هذه العقائد، والعيان يؤيده في كثير من الأمم في الشرق والغرب إلى اليوم.
والكلام عن "عقيدة التوحيد" ومزاياها، وأثرها في تقدم المسلمين في كل المجالات يطول شرحه مما لا يتسع له المقام، ولكننا نفسح المجال لسطور من كتاب لأوروبي مسيحي منصف هو كتاب "الرسول حياة محمد" الذي كتبه (ر.ف .بودلي). يقول في تصدير كتابه : "سمعت القرآن في اللغة العربية المكية العظيمة وأحسست ـــ دون أن أصبح مسلما ـــ روعة هذا الدين الذي يخلي بين العبد وخالقه في الصحراء، وسمعت عن محمد الرجل الذي وحد حفنة من القبائل المتنافرة المتنافسة، وجعلهم دعامة امبراطورية من أعظم امبراطوريات العالم قوة، وسمعت عنه أنه الرجل ذو القلب الحار الذي حول الوثنيين، وعبدة الأصنام إلى مؤمنين صادقين يؤمنون بإله واحد، وباليقين والبعث في حياة أخرى.
إن البدو الذين عاشوا في الصحراء لا يتحدثون عن محمد كما يتحدثون عن شخص غامض بعيد عنهم ـــ كما يتحدث المسيحيون عن المسيح ـــ وإن المرء لايحس أبدا ذلك الغموض، ولا تلك العزلة التي يحسها إنسان يرتدي ثيابا تختلف عن ثياب القوم، ويعيش في أرض غريبة بين أناس غرباء"
بارك الله فيك
وجزاك ربي كل خير