ولهذا يراعي الأديب ذلك في مضموناته، وفي لغته، وفي كل تفاصيل الجنس الأدبي الذي يقدمه للطفل.
وبرزت القصة الطفلية كأحد أهم الأساليب المهمة ضمن إطار التربية الثقافية للطفل , وذلك لانفرادها بصفات مميزة عن سائر أنواع الفنون الأدبية الأخرى , فالقصة تمتلك المقدرة الفاعلة للتأثير في مشاعر وأفكار الطفل ، وتحمل الكثير من عناصر الإثارة والإغراء له , كما إنها تنسجم بسهولة مع الطبيعة التي يولد بها , فالطفولة كتلة من الحيوية والحركة ، وعالم مليء بالخيال والأحلام ومجموعة من الرغبات في البحث والاكتشاف ، والانبهار بالحكايات والقصص والشخصيات المثالية
يدرك الأدباء، أن القصة غذاء العقل والخيال عند الأطفال، ومن ورقها يصنعون اجنحة تحلق بهم في عوالم شتى ويتجاوز الأطفال في قصصهم أبعاد الزمان والمكان، فيجدون أنفسهم في يومهم هذا، أو يجدونها في عصور غابرة، أو عصور لم تأت بعدُ، ويقفون عند حوادث حصلت بالأمس، أو قد لا تحدث مطلقاً، ويتعرّفون على قيم وأفكار وحقائق جديدة. وهم شديدو التعلّق بالقصص، يحبون أن يستمعوا إليها، أو يقرؤوها بشغف، يحلقون في أجوائها،، فيتجاوزون من خلالها أجواءهم الاعتيادية، ويندمجون بأحداثها، يتعايشون مع أفكارها، ، إضافة إلى أنها توفر لهم فرصاً للترفيه ، وتشبع ميولهم إلى اللعب، وهي بذلك ترضي مختلف المشاعر والأمزجة والمدارك والأخيلة.
قصص الاطفال لمحة تاريخية
انشغل الأدب العالمي بأدب الطفل، وعلى الرغم من مرور هذا الأدب بالعديد من المراحل التاريخية، إلاّ أن الاهتمام به جاء في ثلاثة القرون الماضية؛ بمعنى ابتدائه منذ عصر النهضة في أوروبا.. ناقلاً مرحلةً كان يسيطر فيها سابقاً أدب الشفاهية، على شكل حكايات وأساطير تناقلتها الألسن جيلاً بعد جيل.
وظلّت الحكاية الشعبيّة في ألمانيا موجّهة للكبار حتّى أصدر “الأخوان جريم” (يعقوب 1785 ـ 1863، وفلهلم ـ أو ـ وليم 1786 ـ 1859) الجزء الأوّل من كتابهما “حكايات الأطفال والبيوت” عام 1812 وفي نهاية عام 1914 ظهر الجزء الثاني. ولم يجدا أيّ صعوبة في تقديم الحكايات الشعبيّة للأطفال، ثم كانت النقلة النوعية بظهور كتاب “أليس في بلاد العجائب” عام 1846 الذي عدّه النقاد (البركان الروحي) لأدب الأطفال.
وفي وطننا العربي تشير المراجع التاريخية إلى أن أدب الطفل قد تأخر كثيراً جداً مقارنةً مع انتشاره وتطوره في أوروبا.
في عام 1930 بدأ الحديثُ عن "أدبيات الطفل" يتردد على ألسنة المربين العرب والكتّاب في الدوريات العربية، وظهرت إلى الوجود ملامح تأصيل جنس أدبي للطفل، وقبل هذا التاريخ، كانت كتب الأطفال تقتصر اقتصاراً ـ يكاد يكون تامَّاً ـ على الأغراض التعليمية "مادةً للقراءة المدرسية"
مراحل النمو وعلاقتها بأدب الطفل
يؤكد الاختصاصي النفسي الدكتور عبد الرؤوف أبو السعد على ضرورة التوافق بين المضامين
والتوجهات لادب الاطفال مع المراحل المختلفة لنموهم ،
أولاً: مرحلة المهد، والتي تبدأ من اللحظة الجنينية ـ حتى سن ثلاث سنوات. وفي هذه المرحلة، تكفي أغنيات الأم، وهز المهد بطريقة إيقاعية، وحكايات الجدة، وحواديتها الخيالية، وقصص الحيوانات، التي تتجمع، وتتعاون وتتساند لتقدم العون للآخرين، ويقوم كل حيوان أو طير بتقديم ما يقدر عليه .. وقد تستغني الأم بشريط التسجيل ليحل محلها، أو محل الجدة .. لكن هذا البديل ليس مقبولاً دائماً …
ثانياً: مرحلة الطفولة المبكرة، وهي تبدأ من (3- 6)، أي سن دخول المدرسة، وفي هذه المرحلة، يبتعد الطفل عن إطار الوالدين، والأسرة قليلاً، ويبدأ في التعرف على المجتمع حوله، والكون المحيط، والطبيعة الممتدة، ويأخذ في تكوين صداقات، وتنمو بداخله غريزة حب الاستطلاع، والتعرف على ما وراء النهر، أو البيوت في أطراف المدينة، أو ما وراء السماء، وما تحت الأرض، ويأخذ في إثارة الأسئلة، طلباً للإجابة، وبدءاً للتأمل الذاتي، والخارجي الذي سيستمر معه إلى النهاية، وهو لهذا يميل إلى الأدب في إطاره الجماعي، وإلى القصص الخرافي، والحكايات الشعبية والحواديت (الفلوكلورية) لكن في إطار البيئة، وواقعها.
ويمكن لطفل هذه المرحلة، أن يتعرف، ويتقن مفردات لغته العربية خلال أغنيات، وأشعار عربية سليمة، وذلك مثل ((حوارات الأزهار)) أو ((الطيور))، أو ((الحيوانات الأليفة)) .. حيث تجري اللغة طيعة جميلة، صحيحة متدفقة.
ثالثاً: مرحلة الطفولة من (6 -10)، وهي مرحلة تشد انتباه الطفل إلى ما وراء الأشياء، وتذهب به إلى آفاق فسيحة من الخيال، وتعمق له الظاهر، وتدعوه إلى كشف الباطن الخفي.
وفي هذه المرحلة، يحاول الطفل التركيب، والتجميع، وتفسير كل الظواهر وعقله عندئذ، أقرب إلى الخيال، واصطناع الحلول الخرافية للمشكلات، ودورنا يتمثل في تقديم، أدب يشبع خياله، ونهم وجدانه نحو الرؤى الحالمة، مع أخذه بمنهج عقلاني يمجد الفعل الإنساني، بديلاً لغيبية الحل الخرافي والاتجاه به عبر أدب قصصي إبداعي، المهم أن يكون هذا النوع من الأدب الخيالي، وسيلة لا غاية .. أما الغاية، فهي تقوية الإرادة، والفعل، وإثراء المرحلة بالخبرة، وتزويد الشخصية بالمعرفة، وإشباع الحاجة، وبث الفضيلة، مع قوة التصور الذي ننميه، لدى كل مرحلة، من مراحل عرض الدرس الأدبي …
رابعاً: مرحلة الطفولة من (10 – 14)، وهي المرحلة التي تتحدد فيها معالم الشخصية، متأثرة بمختلف وكلاء التربية كالأسرة، والمجتمع، والنظام الاجتماعي وفلسفته السائدة، ومن المناخ العام الثقافي والحضاري والاقتصادي، والسياسي، ويظهر في هذه المرحلة، النزوع نحو الفردية (الأنا) وحب السيطرة، وشدة التملك، وحب الظهور، ولذا فإن الأدب الاكثر ملاءمة لهذه المرحلة بكل تعقيداتها، وتركيبها، هو أدب البطولات: الشعرية، والقصصية، والمسرحية، وهو الأدب الملتزم بقضايا الحرية، والدفاع عن الأوطان والمعتقدات، والتغني بالأبطال الحقيقيين، ومع هذا اللون، يمكن الاهتمام بالأدب الاجتماعي، والإنساني، وفي التاريخ القديم، والمعاصر، والمشكلات الحضارية والاجتماعية الحديثة، معين خصب لإرواء ظمأ أطفال هذه السن،
وينبغي لمن يعمل في تدريس مادة الأدب لأطفال هذه المرحلة الاهتمام بما يلي:
1 ـ توجيه النزوع إلى السيطرة وحب المقاتلة، إلى الحوار العقلاني الهادف، والدعوة إلى السلام باعتباره قاعدة الحياة العامة، إلا إذا هدد الوطن، أو الأمة، أو المعتقد فلا بديل للسلام، إلا الشجاعة والإقدام، والبسالة في سبيل الأوطان، والشعوب، والمعتقدات.
2 ـ توجيه مرحلة المغامرة، والبطولة، التي يعيشها الأطفال، نحو التفوق، والخدمة العامة، والانخراط في معسكر العمل والإنتاج، وتعلم فنون الدفاع عن الأوطان.
إننا بالفن، وبالشعر خاصة، نحمل الطفل على البوح لنا بكل ما يعانيه، ويحس به، وحينئذ، نكون أكثر إنصافاً له وقدرة على حل مشكلاته، وفي سبيل هذا ينبغي أن ننوع له في التجارب الشعرية، ونأخذ بيده نحو شعر الطبيعة، وشعر الانتماء للوطن وشعر التسامح الديني، وشعر الإيمان .. وشعر الحماسة في اتجاه المثل العليا، وأن ننوع له أيضاً في الفن القصصي فنختار له، قصصاً اجتماعية، وآخرى إنسانية، وتاريخية كما لا نحرمه من القصص ، التي تفسر نشأة العلوم وتوضح اجتهاد البشرية، لتفسير الكون، واللحاق بالعلم واكتشافاته، والحدوتة، والحكاية، التي يسترجع عن طريقها طعم الحياة الشعبية، التي عاشها، ويعيشها مجتمعه الصغير والكبير.
جزاك الله خيرا
يعطيك العافية
تقبل شكري وتقديري
مشكور وبارك الله فيك