الجواب: الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين أمّا بعد:
فاعلم – وفّقك الله – أنّه لا تجوز النيابة على الحي القادر لأنّه هو المكلّف بأداء الواجبات ابتلاءً وامتحانًا، كذلك لا تجوز النيابة في الحجّ على من ترك الواجبات التي عليه من مباني الإسلام، وفرّط في الحجّ ولم تنهضه هِمَمُهُ لأداء الفرائض، وكذلك الحي القادر الذي ترك واجبَ الحجّ مع القدرة عليه، وتعمّد على عدم الحجّ الواجب عليه، فهذا لا نيابةَ عنه في الحجّ، ولكن الذي يناب عنه هو ذلك القادر العاجز الذي أراد أن يحجَّ ولكن منعه مانع العجز أو توفي وأوصى بالحجّ عنه أو كان متأمّلاً في أن يحجّ لكن اخترمه الموت، فهؤلاء الذين تجوز النيابة في الحجّ عنهم، ومن شرط النائب أن يكون قد حجّ عن نفسه لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث شُبرُمة لَمّا سمع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الرجل يقول: "لبيك عن شُبرُمة"، قال: "وَمَنْ شُبْرُمَة؟" قال:"أخٌ لي"، قال: "أَحَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟"، قال:"لا"، قال:"فَاحْجُجْ عَنْ نَفْسِكَ ثمّ عَنْ شُبْرُمَةَ"(١- أخرجه أبو داود في المناسك (1811)، وابن ماجه في المناسك (2903)، وابن حبان (3988)، وابن خزيمة (3039)، والطبراني في "المعجم الصغير" (613)، والبيهقي (8766)، والدارقطني (148)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه. قال البيهقي في "السنن الكبرى" (4/336): "هذا إسناد صحيح ليس في هذا الباب أصح منه". وقال ابن حجر في "الفتح" (12/398): "سنده صحيح". وصححه الألباني في "الإرواء" (994)، والوادعي في "الصحيح المسند"(629)).
والظاهر من الحديث عدم جواز حجّ الإنسان عن غيره قبل أن يحجّ عن نفسه إلاّ أنّ القول بجواز الحجّ عن غيره لمن لم يحجَّ عن نفسه إذا لم يكن مستطيعًا عن الحجّ عن نفسه أصحّ نظرًا، وهو مذهب أحمد في رواية عنه وبه قال الثوري، وبناءً على هذا الرأي فالحديث محمول على أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلّم كان يعلم من حال الـمُلَبِّي أنه قادر على الحجّ عن نفسه، ولو كان غير قادر لاعتذر له بعدم الاستطاعة ولم ينقل ذلك، ومع ذلك فالأولى بالنيابة في الحجّ أن يحجّ عن نفسه أولاً، ثمّ عن غيره ثانيًا.
والعلم عند الله تعالى، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين وسلَّم تسليمًا.
جزاك الله كل خير
بانتظار جديدك