السؤال:
شيخَنا الفاضل، إني أستاذٌ في قطاع التربية، وفي الأيام المقبلة سيدخل عمَّاله في إضرابٍ من أجل مطالب موضوعية، فما حكم الشرع في الإضراب ؟
الجواب:
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، أمّا بعد:
فالإضراباتُ بمختَلَف أنواعها من أساليب النُّظُم الديمقراطية التي يُمارس فيها الشعب مظاهر سيادته المطلقة، وتُعَدُّ الإضرابات والمظاهرات على الأوضاع القائمة -في عُرْفِ الديمقراطيين- ظاهرة صحَّة، يُصحَّح بها الوضع السياسي أو الاجتماعي أو المهني من السيِّئ إلى الحسن، أو من الحسن إلى الأحسن، أمَّا المنظور الشرعي للنُّظُم الديمقراطية بمختلف أساليبها فهي مخالِفةٌ لمنهج الإسلام في السياسة والحكم، بل هي معدودة من صور الشرك في التشريع، حيث تقوم هذه النظم بإلغاء سيادة الخالق سبحانه وحقِّه في التشريع المطلق لتجعله من حقوق المخلوقين، وهذا المنهج سارت عليه العِلمانية الحديثة في فصل الدين عن الدولة والحياة، والتي نقلت مصدرية الأحكام والتشريعات إلى الأمة بلا سلطانٍ عليها ولا رقابةٍ، والله المستعان.
وهذا بخلاف سلطة الأمة في الإسلام، فإنَّ السيادة فيها للشرع، وليس للأمة أن تشرع شيئًا من الدِّين لم يأذن به الله تعالى، قال سبحانه: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ﴾ [الشورى: ٢١].
وعليه، فإنَّ الإضراباتِ والاعتصامات والمظاهرات وسائرَ أساليبِ الديمقراطية هي من عادات الكفَّار وطُرُق تعامُلهم مع حكوماتهم، وليست من الدِّين الإسلامي في شيءٍ، وليس من أعمال أهل الإيمان المطالبةُ بالحقوق -ولو كانت مشروعة- بسلوكِ طريقِ تركِ العملِ ونَشْرِ الفوضى وتأييدها، وإثارة الفتن، والطعن في أعراض غير المشاركين فيها، وغيرها ممَّا ترفضه النصوص الشرعية ويأباه خُلُق المسلم تربيةً ومنهجًا وسلوكًا.
وإنَّما يُتوصَّل إلى الحقوق المطلوبة بالطُّرُق المشروعة، وذلك بمراجعة المسؤولين وولاة الأمر، فإن تحقَّقت المطالبُ فذلك من فضل الله سبحانه، وإن كانت الأخرى وجب الصبر والاحتساب والمطالبة من جديد حتى يفتح اللهُ وهو خير الفاتحين، فقد صحَّ من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه ما يؤيِّد ذلك، حيث يقول فيه: «دَعَانَا رَسُولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم فَبَايَعْنَاهُ فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ»، قال: «إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنَ اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ»(١)، وزاد أحمد: «وَإِنْ رَأَيْتَ أَنَّ لَكَ»(٢)، أي: «وإن اعتقدتَ أنَّ لك في الأمر حقًّا، فلا تعمل بذلك الظنِّ، بل اسمعْ وأطعْ إلى أن يصل إليك بغير خروجٍ عن الطاعة»(٣)، وفي رواية ابن حبَّان وأحمد: «وَإِنْ أَكَلُوا مَالَكَ، وَضَرَبُوا ظَهْرَكَ»(٤)، وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا»، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ: «أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ، وَسَلُوا اللهَ حَقَّكُمْ»(٥).
وأخيرًا، نسألُ اللهَ أن يُرِيَنَا الحقَّ حقًّا ويرزقَنَا اتِّباعَه، ويُرِيَنَا الباطلَ باطلاً ويرزقَنَا اجتنابه.
وآخر دعوانا أنِ الحمد لله ربِّ العالمين، وصَلَّى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا.
الجزائر في: ١٦ من ذي الحجة ١٤٢٦ﻫ
الموافق ﻟ: ١٦ جانفي ٢٠٠٦م
(١) أخرجه البخاري في «الفتن» (٧٠٥٦)، ومسلم في «الإمارة» (١٧٠٩)، من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
(٢) أخرجه أحمد برقم: (٢٢٧٣٥). وصحَّحه الألباني في «ظلال الجنة» (١٠٢٨).
(٣) «فتح الباري» لابن حجر (١٣/ ١٠).
(٤) أخرجه ابن حبان (٤٦٤٥)، كتاب «السير» باب طاعة الأئمّة، وابن أبي عاصم في «السنة» (٨٥٧)، وصحَّحه الألباني في تخريج «السُّنَّة» (١٠٢٦). أمَّا رواية «أحمد» (٢٣٤٢٧) فهي بلفظ: «وَإِنْ نَهَكَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ» من حديث حذيفة رضي الله عنه.
(٥) أخرجه البخاري في «الفتن» (٧٠٥٢)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
منقول من موقع شيخ فركوس
كثر الله من أمثالك.
|
بارك الله فيك