تخطى إلى المحتوى

في " الحديث " و " الوضع " ، الأسانيد والمتون : 2024.

في الكوجيتو الديكارتي يحتل الشك المنهجي مكان الصدارة ، وكان أن أعلن ، الرجل ، قولتَه الشهيرة " أنا أفكر إذن أنا موجود ". ما لفت أنظارنا إلى ضرورة الشك في الأفكار التي جاءتنا .
ومع هذا ، وبرغمه ، نقول – مطمئنين – إن الأفكار ، والأخبار ، من العناصر الأساس التي تشكل عقل ، ووجدان ، أفراد الأمة . ولذا فقد صح القول : " إن رجال الحديث هم أصحاب الفضل الأكبر في لفت أنظارنا إلى أهمية الشك في الأخبار " .
ولعل أن يكون هذا الاهتمام بالأخبار ، ثم بالرجال ، مرده إلى أن " أكثر الأحكام الشرعية مدارها على السنة ؛ لأن كثيراً من الآيات جاءت مجملةً ، فكان تفصيل المجمل في السنة " .
ومعروف ، تاريخياً ، أن السنة ( = الأحاديث ) لم تُدوّن في عصر النبي ، صلى الله عليه وسلم ، استناداً ، ربما ، إلى الأثر : " لا تكتبوا عني ، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه ، وحدّثوا عني ولا حرج " .
ومنذ العام 99هـ بدأ التدوين للسنة ، بعد أن أصدر الخليفة عمر بن عبد العزيز ، رضي الله عنه ، الأمرَ إلى ولاته : " انظر ما كان من حديث رسول الله ، أو سنة ماضية ، فاكتبْه ، فإني خفتُ دروسَ العلم وذهابَ أهله " .
ويمكن أن نضيف إلى خوف عمر بن عبد العزيز ، المتمثل في " ذهاب حديث الرسول ، أو موت رجال الحديث " ، الخوفَ " أن يشيع في الحديث غيرُ الصحيح ، فلا يميز بين صحيح وموضوع " .
ولا تتحدد بداية للوضع في الحديث :

– هل نشأ في عصر الرسول نفسه ؟ … فقد جاء : " نشأ من عدم تدوين الحديث في كتاب خاص في العصور الأولى ، واكتفائهم بالاعتماد على الذاكرة ، وصعوبة حصر ما قاله الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، أو فعلَه ، في مدة ثلاثة وعشرين عاماً ، أن استباح قومٌ لأنفسهم وضع الحديث ، ونسبته كذباً إلى رسول الله " . ويظهر أن هذا الوضع كان حتى في عهد الرسول نفسه ؛ فحديث : " من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار " يغلب على الظن أنه إنما قيل لحادثة حدثت زُوّر فيها على الرسول صلى الله عليه وسلم . ولما أُخذ عبد الكريم بن أبي العوجاء ، وكان وضّاعاً ، ليضرب عنقُه قال : لقد وضعتُ فيكم أربعة آلاف حديث أحرم فيها وأحلل " .
– أم في عصر الخلفاء الأربعة الأوَل ؟ … وقد يرجع السبب في ذلك إلى الخلافات السياسية .
ربما بدأ الوضع مع حكم معاوية الأول بن أبي سفيان ( 41هـ ) ، ذلك التاريخ الذي يبدأ معه " الملك العضوض " . وقد بدأ الوضاعون وضعهم في أحاديث " الفضائل / المناقب " .
إنه بعد أن استقر الأمر لمعاوية " أصدر أوامره إلى خطباء المساجد أن يسبوا على المنابر أبا تراب ( = كنية عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه ) ، وأعلن أن : " برئتْ الذمة ممن يروي حديثاً عن علي ، أو في حق علي ، أو آل بيته " .
وعلى الجانب الآخر ، سارتْ الشيعة مساراً مضاداً لمسار معاوية : نهو رواياتهم بعلي ، أو أحدٍ من شيعته … لا غير ، ثم ، يقول ابن أبي الحديد : " وضع أحاديث في مناقب علي ؛ فإن أصل الأكاذيب في أحاديث الفضائل كان من الشيعة ، فإنهم وضعوا ، مبدأ الأمر ، أحاديثَ مختلفةً في صاحبهم ، حملهم على وضعها عداوةُ خصومهم ، فلما رأت البكرية ( هي فرقة تدعي أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قد نص على ولاية / خلافة أبي بكر الصديق تحديداً نصاً جلياً ، ما يعني تفضيل أبي بكر ، رضي الله عنه ، على عليّ وعلى سائر الصحابة رضي الله عنهم ) ما صنعت الشيعة ، وضعت لصاحبها أحاديث في مقابل هذه الأحاديث ، وطعنت في عليّ وفي ولديه ، ونسبته ، تارةً ، إلى ضعف العقل ، وتارةً إلى ضعف السياسة ، وتارة إلى حب الدنيا والحرص عليها " .
وانتهى الأمر ، في هذه الجزئية ، إلى أن " الصحاح المعتمدة لدى أولئك غير الصحاح المعتمدة لدى هؤلاء " : ( الصحاح لدى أهل السنة ستة كتب ، هي : صحيح البخاري " تُوفّي العام 256 هـ " ، صحيح مسلم " تُوفي العام 261 هـ " ، سنن ابن ماجة " تُوفي العام 273 هـ " ، سنن أبي داوود " توفي العام 275 هـ " ، سنن الترمذي " توفي العام 279 هـ " ، وسنن النسائي " توفي العام 303 هـ ". والصحاح لدى الشيعة الاثنى عشرية هي : " الكافي في علم الدين " للكليني المتوفَّى العام 329 هـ ، و " من لا يحضره الفقيه " للشيخ الصدوق المتوفّى العام 381 هـ ، و " التهذيب والاستبصار " للطوسي المتوفى العام 460 هـ ، مع ضرورة الإشارة إلى أن " أول مدونة في الحديث والفقه كانت للإمام زيد بن علي زين العابدين المتوفي العام 122 هـ " ) .
وبمد الحبل على استقامته ، استمرأ الوضاعون الأمر ، فقرأنا ما تجاوز مناقب هذا ، أو مثالبه ، إلى حد أن وُضِعتْ أحاديث للحكام ، بصرف النظر عن عدلهم من عدمه !!! ( كمن ينسب إلى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قوله : " الأمناء ثلاثة : جبريل وأنا ومعاوية " !!! و " اللهم قِ معاويةَ العذاب والحساب وعلمه الكتاب " ) . ثم وُضعت أحاديث في البلاد !!! تقرباً / تزلفاً لساكنيها من الحكام ( كمن ينسب إلى النبي ، صلى اله عليه وسلم ، قوله : " أربع مدائن من مدن الجنة : مكة والمدينة وبيت المقدس ودمشق " !!! و : " طوبي للشام ، إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها " ) . ثم وضعت أحاديث حتى في القبائل ، فكم حديثاً وضع في فضل قريش والأنصار وجهينة ومزينة وأسلم وغفار والأشعريين والحميريين !!! .
ثم قرأنا الوضع في الذي له تعلق بالمذاهب الفقهيه والكلامية ؛ فقد " أجاز قوم لأنفسهم أن يؤيدوا مذهبهم بأحاديث يضعونها ينصون فيها حتى على التفاصيل الدقيقة التي ليس من مسلك الرسول التعرض لها ، بل ينصون فيها على اسم الفرقة المناهضة لهم ، بل واسم رئيسها ولعنه ولعنهم . وكذلك في الفقه ؛ فلا تكاد تجد فرعاً فقهياً مختلفاً فيه إلا وحديث يؤيد هذا وحديث يؤيد ذاك . حتى مذهب أبي حنيفة الذي يذكر العلماء أنه لم يصح عنده إلا أحاديث قليلة ، قال عنها ابن خلدون إنها سبعة عشر حديثاً !!! ، مُلِئت كتبُه بالأحاديث التي لا تعد ، وبنصوص هي أشبه ما يكون بمتون الفقه " … ومن ذلك ، في مسألة مرتكب الكبيرة ، : ( الخوارج : ضعوا سيوفكم على بوائقكم ، ثم أبيدوا خضراءهم . ومخالفوهم : كن عبد الله المقتول ، ولا تكن عبد الله القاتل . المرجئة : من قال لا إله إلا الله دخل الجنة . قيل وإنْ زنى أو سرق ؟ قال : وإنْ زنى أو سرق . والمعتزلة : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن . ما مهد لأن نقرأ " إن هذه الأحاديث دينٌ فانظروا ممن تأخذون دينكم ، فإنا إذا هوينا أمراً صيّرناه حديثاً " ) .
إذن ، فنحن أمام " جيش " من الوضاعين : " زنادقة ، إلى جانب القصاص ، والمتكلمين ، والمتعصبين للمذاهب الفقهية ، والوعاظ ، مع المتزلفين للحكام " .
ونعلم أن البخاري جمع أكثر من ستمائة ألف حديث ، لم يصح عنده منها إلا أربعة آلاف فقط .
وينقسم الحديث ، علمُه ، إلى : رواية ودراية ؛ فالرواية تهتم بصحة الإسناد ، والدراية تُعنى بـ " مطابقة الحديث للمعقول " .
وفي مجال الرواية ، أقام العلماء عِلْمين هما علم رجال الحديث ، وعلم الجرح والتعديل .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.