فتاوي في حكم التهنئة والإحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه . في يوم الخميس الموافق 18 / 3 / 1378 هـ اطلعت على مقال محمد أمين يحيى نشرته صحيفة الأضواء في عددها الصادر يوم الثلاثاء الموافق 16 / 3 / 1378 هـ ، ذكر فيه الكاتب المذكور أن المسلمين في كافة أقطار الأرض يحتفلون بيوم المولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة وأكمل التسليم بشتى أنواع الاحتفالات وأنه يجب علينا قبل غيرنا أفرادا وجماعات أن نحتفل به احتفالا عظيما ، وعلى الصحف أن تهتم به وتدبج به المقالات ، وعلى الإذاعة أن تهتم بذلك وتعد البرامج الخاصة لهذه المناسبة الذكرى الخالدة ، هذا ملخص المقال المذكور .
وقد عجبت كثيرا من جرأة هذا الكاتب على الدعاية – بهذا المقال الصريح – إلى بدعة منكرة تخالف ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام والسلف الصالح التابعون لهم بإحسان في بلاد إسلامية تحكم شرع الله وتحارب البدع ، ولواجب النصح لله ولكتابه ولرسوله وللمسلمين رأيت أن أكتب كلمة على هذا المقال تنبيها للكاتب وغيره على ما تقتضيه الشريعة الكاملة حول الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم
فأقول : لا ريب أن الله سبحانه بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ، وهما العلم النافع والعمل الصالح ، ولم يقبضه إليه حتى أكمل له ولأمته الدين وأتم عليهم النعمة كما قال سبحانه وتعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا) فأبان سبحانه بهذه الآية الكريمة أن الدين قد كمل والنعمة قد أتمت ، فمن رام أن يحدث حدثا يزعم أنه مشروع وأنه ينبغي للناس أن يهتموا به ويعملوا به فلازم قوله إن الدين ليس بكامل بل هو محتاج إلى مزيد وتكميل ، ولا شك أن ذلك باطل ، بل من أعظم الفرية على الله سبحانه والمصادمة لهذه الآية الكريمة.
ولو كان الاحتفال بيوم المولد النبوي مشروعا لبينه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته؛ لأنه أنصح الناس ، وليس بعده نبي يبين ما سكت عنه من حقه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، وقد أبان للناس ما يجب له من الحق كمحبته واتباع شريعته ، والصلاة والسلام عليه وغير ذلك من حقوقه الموضحة في الكتاب والسنة ، ولم يذكر لأمته أن الاحتفال بيوم مولده أمر مشروع حتى يعملوا بذلك ولم يفعله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته ، ثم الصحابة رضي الله عنهم أحب الناس له وأعلمهم بحقوقه لم يحتفلوا بهذا اليوم ، لا الخلفاء الراشدون ولا غيرهم ، ثم التابعون لهم بإحسان في القرون الثلاثة المفضلة لم يحتفلوا بهذا اليوم .
أفتظن أن هؤلاء كلهم جهلوا حقه أو قصروا فيه حتى جاء المتأخرون فأبانوا هذا النقص وكملوا هذا الحق ؟
لا والله ، ولن يقول هذا عاقل يعرف حال الصحابة وأتباعهم بإحسان .
وإذا علمت أيها القارئ الكريم أن الاحتفال بيوم المولد النبوي لم يكن موجودا في عهده صلى الله عليه وسلم ولا في عهد أصحابه الكرام ولا في عهد أتباعهم في الصدر الأول ، ولا كان معروفا عندهم – علمت أنه بدعة محدثة في الدين ، لا يجوز فعلها ولا إقرارها ولا الدعوة إليها ،
بل يجب إنكارها والتحذير منها عملا بقوله صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم الجمعة : (خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) وقوله صلى الله عليه وسلم : (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وقوله عليه الصلاة والسلام : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد وفي لفظ : من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد) والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .
ومعلوم عند كل من له أدنى مسكة من علم وبصيرة أن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون بالبدع كالاحتفال بيوم المولد ، وإنما يكون بمحبته واتباع شريعته وتعظيمها والدعوة إليها ومحاربة ما خالفها من البدع والأهواء ، كما قال تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) وقال سبحانه : (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) وفي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قيل : يا رسول الله : ومن يأبى ؟ قال : من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى) خرجه البخاري في صحيحه .
وتعظيمه صلى الله عليه وسلم لا ينبغي أن يكون في وقت دون آخر ، ولا في السنة مرة واحدة ، بل هذا العمل نوع من الهجران ، وإنما الواجب أن يعظم صلى الله عليه وسلم كل وقت بتعظيم سنته والعمل بها والدعوة إليها والتحذير من خلافها ، وببيان ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الأعمال الصالحة والأخلاق الزاكية والنصح لله ولعباده وبالإكثار من الصلاة والسلام عليه وترغيب الناس في ذلك وتحريضهم عليه ، فهذا هو التعظيم الذي شرعه الله ورسوله صلى الله عليه وسلم للأمة ووعدهم الله عليه الخير الكثير والأجر الجزيل والعزة في الدنيا والسعادة الأبدية في الآخرة .
وليس ما ذكرته هنا خاصا بمولد النبي صلى الله عليه وسلم ، بل الحكم عام في سائر الموالد التي أحدثها الناس ، وقد قامت الأدلة على أن الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم بدعة منكرة ولا يجوز إقرارها فغيره من الناس أولى بأن يكون الاحتفال بمولده بدعة ، فالواجب على العلماء وولاة أمر المسلمين في سائر الأقطار الإسلامية أن يوضحوا للناس هذه البدعة وغيرها من البدع ، وأن ينكروها على من فعلها ، وأن يمنعوا من إقامتها نصحا لله ولعباده ، وأن يبينوا لمن تحت أيديهم من المسلمين أن تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وغيره من الأنبياء والصالحين إنما يكون باتباع سبيلهم والسير على منهاجهم الصالح ودعوة الناس إلى ما شرعه الله ورسوله وتحذيرهم مما خالف ذلك ، وقد نص العلماء المعروفون بالتحقيق والتعظيم للسنة على إنكار هذه الموالد والتحذير منها ، وصرحوا بأنها بدع منكرة لا أصل لها في الشرع المطهر ولا يجوز إقرارها .
فالواجب على من نصح نفسه أن يتقي الله سبحانه في كل أموره وأن يحاسب نفسه فيما يأتي ويذر وأن يقف عند حدود الله التي حدها لعباده ، وأن لا يحدث في دينه ما لم يأذن به الله. فقد أكمل الله الدين وأتم النعمة ، وتوفي الرسول صلى الله عليه وسلم وقد ترك أمته على المحجة البيضاء التي لا يزيغ عنها إلا هالك .
والله المسئول أن يهدينا وسائر المسلمين صراطه المستقيم ، وأن يعصمنا وإياهم من البدع والأهواء ، وأن يمن على الجميع بالتمسك بالسنة وتعظيمها والعمل بها والدعوة إليها والتحذير مما خالفها ، وأن يوفق ولاة أمر المسلمين وعلماءهم لأداء ما يجب عليهم من نصر الحق وإزالة أسباب الشر وإنكار البدع والقضاء عليها إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله:
نرى أنه لا يتم إيمان عبد حتى يحب الرسول صلى الله عليه وسلم ويعظمه بما ينبغي أن يعظمه فيه ، وبما هو لائق في حقه صلى الله عليه وسلم ولا ريب أن بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام ولا أقول مولده بل بعثته لأنه لم يكن رسولاً إلا حين بعث كما قال أهل العلم نُبىءَ بإقرأ وأُرسل بالمدثر ، لا ريب أن بعثته عليه الصلاة والسلام خير للإنسانية عامة ، كما قال تعالى : ( قل يأيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً الذي له ملك السموات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورَسُولِهِ النبي الأمي الذين يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون ) ( الأعراف : 158 ) ، وإذا كان كذلك فإن من تعظيمه وتوقيره والتأدب معه واتخاذه إماماً ومتبوعاً ألا نتجاوز ما شرعه لنا من العبادات لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفى ولم يدع لأمته خيراً إلا دلهم عليه وأمرهم به ولا شراً إلا بينه وحذرهم منه وعلى هذا فليس من حقنا ونحن نؤمن به إماماً متبوعاً أن نتقدم بين يديه بالاحتفال بمولده أو بمبعثه ، والاحتفال يعني الفرح والسرور وإظهار التعظيم وكل هذا من العبادات المقربة إلى الله ، فلا يجوز أن نشرع من العبادات إلا ما شرعه الله ورسوله وعليه فالاحتفال به يعتبر من البدعة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " كل بدعة ضلالة " قال هذه الكلمة العامة ، وهو صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بما يقول ، وأفصح الناس بما ينطق ، وأنصح الناس فيما يرشد إليه ، وهذا الأمر لا شك فيه ، لم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم من البدع شيئاً لا يكون ضلالة ، ومعلوم أن الضلالة خلاف الهدى ، ولهذا روى النسائي آخر الحديث : " وكل ضلالة في النار " ولو كان الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم من الأمور المحبوبة إلى الله ورسوله لكانت مشروعة ، ولو كانت مشروعة لكانت محفوظة ، لأن الله تعالى تكفل بحفظ شريعته ، ولو كانت محفوظة ما تركها الخلفاء الراشدون والصحابة والتابعون لهم بإحسان وتابعوهم ، فلما لم يفعلوا شيئاً من ذلك علم أنه ليس من دين الله ، والذي أنصح به إخواننا المسلمين عامة أن يتجنبوا مثل هذه الأمور التي لم يتبين لهم مشروعيتها لا في كتاب الله ، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولا في عمل الصحابة رضي الله عنهم ، وأن يعتنوا بما هو بيّن ظاهر من الشريعة ، من الفرائض والسنن المعلومة ، وفيها كفاية وصلاح للفرد وصلاح للمجتمع . وإذا تأملت أحوال هؤلاء المولعين بمثل هذه البدع وجدت أن عندهم فتوراً عن كثير من السنن بل في كثير من الواجبات والمفروضات ، هذا بقطع النظر عما بهذه الاحتفالات من الغلو بالنبي صلى الله عليه وسلم المؤدي إلى الشرك الأكبر المخرج عن الملة الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه يحارب الناس عليه ، ويستبيح دماءهم وأموالهم وذراريهم ، فإننا نسمع أنه يلقى في هذه الاحتفالات من القصائد ما يخرج عن الملة قطعاً كما يرددون قول البوصيري :
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به … سواك عند حدوث الحادث العمم
إن لم تكن آخذاً يوم المعاد يدي … صفحاً وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها … ومن علومك علم اللوح والقلم
مثل هذه الأوصاف لا تصح إلا لله عز وجل ، وأنا أعجب لمن يتكلم بهذا الكلام إن كان يعقل معناه كيف يسوغ لنفسه أن يقول مخاطباً النبي عليه الصلاة والسلام : ( فإن من جودك الدنيا وضرتها ) ومن للتبعيض والدنيا هي الدنيا وضرتها هي الآخرة ، فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول عليه الصلاة والسلام ، وليس كل جوده ، فما الذي بقي لله عز وجل ، ما بقي لله عز وجل ، ما بقي له شيء من الممكن لا في الدنيا ولا في الآخرة . وكذلك قوله : ( ومن علومك علم اللوح والقلم ) ومن : هذه للتبعيض ولا أدري ماذا يبقى لله تعالى من العلم إذا خاطبنا الرسول عليه الصلاة والسلام بهذا الخطاب . ورويدك يا أخي المسلم .. إن كنت تتقي الله عز وجل فأنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلته التي أنزله الله .. أنه عبد الله ورسوله فقل هو عبدالله ورسوله ، واعتقد فيه ما أمره ربه أن يبلغه إلى الناس عامة : ( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) ( الأنعام : 50 ) ، وما أمره الله به في قوله : ( قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً ) ( الجن : 21 ) ، وزيادة على ذلك : ( قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحداً ) ( الجن : 22 ) ، حتى النبي عليه الصلاة والسلام لو أراد الله به شيئاً لا أحد يجيره من الله سبحانه وتعالى . فالحاصل أن هذه الأعياد أو الاحتفالات بمولد الرسول عليه الصلاة والسلام لا تقتصر على مجرد كونها بدعة محدثة في الدين بل هي يضاف إليها شئ من المنكرات مما يؤدي إلى الشرك . وكذلك مما سمعناه أنه يحصل فيها اختلاط بين الرجال والنساء ، ويحصل فيها تصفيق ودف وغير ذلك من المنكرات التي لا يمتري في إنكارها مؤمن ، ونحن في غِنَى بما شرعه الله لنا ورسوله ففيه صلاح القلوب والبلاد والعباد.
نسأل الله أن تجد هذه الفتاوى آذانًا صاغية وقلوبًا واعية
|
اللهم أاامين.
الاحتفال بالمولد النبوي
|
و فيكم بارك الله.