الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة والسلام على نبيه الكريم
لقد صنف علمائنا الكثير من الكتب و التصانيف في مصطلحات الحديث ، وقد بسطت واختصرت من طرفهم حتى يتسنى للمسلم بغض النظر عن مستواه العلمي ان يتعلمه ويحصل منافعها.
فاسال الله ان ينفعني بهذا الموضوع وان يجعله خالصا له .
الدرس الأول: أقسام الحديث ثم الحديث الصحيح
اقسام الحديث ثلاثة :
صحيح ، وحسن ، و ضعيف
فالصحيح ما سلم من الطعن في اسناده و متنه.
و الحسن ما كان اسناده دون الاول في الحفظ والاتقان.
و الضعيف ما ليس واحدا منهم.
شرح الحديث الصحيح:
الصحيح و المراد الصحيح لذاته لا لغيره – كما جاء في شرح المنظومة البيقونية – وقد قدم على سائر انواع علم الحديث لاستحقاقه التقديم رتبة ووضعا أي وضع اهل مصطلح الحديث
وهو في اللغة : ضد المكسور و السقيم .
و اصطلاحا : هو ما اتصل إسناده ، بنقل عدل ، تم الضبط ، عن مثله ، ولا يكون شادا ، ولا مُعَلًّا .
اذن للحديث الصحيح شروط وهي كالتالي :
الشرط الأول : اتصل السند ، وسيأتي شرحه
الشرط الثاني : عدالة الرواة ، وسيأتي شرحه
الشرط الثالث : الضبط التام ، وسيأتي شرحه
الشرط الرابع : عدم الشدود ، وسياتي شرحه
الشرط الخامس : عدم العلة ، وسياتي شرحه
والان مع شرح شروط الحديث الصحيح
الشرط الاول : وهو اتصل سند ، وينقسم الى قسمين :
السند : وهو الإخبار عن طريق المتن ، وأما الإسناد ، فهو رفع الحديث الى قائله ، و المحدثون يستعملون السند والإسناد لشيء واحد
الاتصال: و هو سلامة الاسناد من السقوط فيه بان يكون كل من رجاله سمع ذلك المروي من شيخه ، او تلقاه عنه بالايجازة ، او بالمناولة ، اونحو ذلك ، من طرق التحمل المعتبرة
ويعرف اتصال السند بأمور منها :
تصريح الراوي بالتحديث او الإخبار او السمع من شيخه – كحدثنا او اخبرنا او سمعت – الذي يروي عنه ، وثبوت ذلك اليه بالسند الصحيح .
او تنصيص امام من الائمة على ذلك بان يقول مثلا سمع فلان عن فلان ، او رواية فلان عن فلان متصلة او نحو ذلك .
اذن الشرط الاول للحديث الصحيح ، هو اتصال السند فيخرج بهذا ما لم يتصل إسناده كحال المرسل و المنقطع و المعضل والمعلق .
الشرط الثاني : عدالة الرواة
و العدل من له ملكة تحمله على ملازمة التقوى و المروءة قاله الحافظ ابن حجر. وقال الصنعاني معقب على كلام ابن حجر : تفسير العدالة بالملكة المذكورة ليس معناها لغة ، ولا اتى عن الشرع حرف واحد بما يفيدها ، و الله تعالى قال في الشهود ﴿وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ منْكُم﴾، وقَال: ﴿مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ﴾ ، وهو كالتفسير للعدل ثم قال : فالعدل من اطمأن القلب الى خبره ، وسكنت النفس الى ما رواه . انتهى كلامه .
الشرط الثالث الضبط التام:
وهذه تعتبر صفة رجال الصحيح ، ويعبر عنها العلماء في وصفهم لراوي في كتب الجرح والتعديل بقولهم مثلا: ثقة او ثقة ثبت او ثقة ضابط او ثقة حافظ او امير المؤمنين في الحديث او نحو ذلك من الاوصاف التي تبين قوة حفظهم للحديث واتقانه وهو المعيار الذي يحدد بهي صحة الحديث .
ولضبط في اللغة عدة معاني :
منها الحفظ
ومنها اصلح الخلل فيقال ضبط الكتاب ، أي اصلح و صحح .
و الضبط في اصطلاح اهل الحديث : هو ان يكون الراوي متيقظ ، غير مغفل ولا ساه ولا شاك في حالتي التحمل و الأداء
وهناك ضابطان
ضبط الصدر : وهو ان يثبت ما سمعه بحيث يتمكن من استحضاره متى شاء و المقصود منه ان يتعاهد حفظه ولا فالنسيان والسهو يطرأ على الإنسان .
ضبط بالكتابة : وهو تقيد ما سمعه عن شيخه بعد تصحيحه وعرضه عليه بالكتابة .
الشرط الرابع عدم الشذوذ
الشاذ في اللغة او الشذوذ يدل عن الانفراد والمفارقة .
و في اصطلاح المحدثين : يطلق على مخالفة من يحتج به لمن هو اولى منه ، و على تفرد الراوي ما لا يحتمله ، وسنفصل في اصل الشذوذ في المواضيع القادمة .
الشرط الخامس عدم العلة
العلة ، و هي العلة القادحة اذ غير القادحة وان سميت علة لكنها لا تقدح في الحديث ، كإبدال ثقة مكان ثقة . والعِلَةُ القَادِحَةُ هِيَ عِبَارَة عَن سَبَبٍ خَفِيٍّ غَامِضٍ قَادِحٍ في الحَدِيثِ.
فالحديث المعل هو: الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته ، مع ان الظاهر السلامة منها .
وسنشرح هذا ان شاء الله عندما نتطرق للأقسام الأخرى من الحديث
هذه هي شروط الحديث الصحيح فاذا تحصلت حكمنا على صحة الحديث واذا سقط شرط واحد منها ، أنكرنا صحته وأصبح دون الصحيح في المرتبة .
مثال على الحديث الصحيح :
مَا رَواهُ إمَامُ الأئمةِ الإمَامُ البُخَاريُ – رَحمه الله – في’’صَحيحهِ‘‘ قَالَ:
حَدَّثَنَا الحُمَيْدِيُّ؛ عَبْدُالله بن الزُّبَيْرِ ؛ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ؛ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بن سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ؛ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بن إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ؛ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بن وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بن الخَطَّابِ -رضي الله عنه- عَلَى المِنْبَر ِقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يَقُولُ:
(( إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ)) .
الحديث كما هو معلوم صحيح فهو من صحيح البخاري ، ولتطبيق شروط الصحيح عليه ننظر فيه فنرى ان الشرط الاول وهو اتصال السند متحقق في هذا الحديث فكل راوي من رواته يحدث عن ما سمعه عن شيخه ، و الان ننظر في الشرط الثاني و الثالث ، عدالة الرواة وتمام ضبطهم ، ومن اجل هذا علينا ان نتتبع حال رواته و اوصافهم في الكتب التي تعتني بتراجم الرواة و التعريف بهم ولناخد مثلا : التقريب لبن حجر العسقلاني فاليكم وصفهم من هذا المصنف :
1عبدُ الله بن الزُّبَير بن عِيسَى القُرشِي، الأسَدِي، الحُميدي، المكِّي، أبو بَكر، ثِقةٌ، حافظٌ، فقيهٌ، أجَلُّ أصحَابِ ابنِ عُيينَةَ، مِن العَاشِرة، مَات بمكَّة، سَنة تِسع عَشرة، وَقيلَ بَعدَهَا، قَالَ الحَاكِمُ: كَانَ البُخَاريُ إذَا وجَدَ الحَدِيثَ عنْدَ الحُمَيدِي لَا يعْدُوهُ إِلى غَيرهِ.
2سُفيانُ بن عُيينَة بن أبي عِمران مَيمُون الهِلَالي، أبُو مُحمَّد الكُوفي، ثُمَّ المَكِّي، ثِقَةٌ، حَافِظٌ، فَقِيهٌ ، إمَامٌ، حُجَّةٌ…
3يحيَى بن سَعِيد بن قَيس الأنصَاري، أبو سَعيدٍ القَاضِي، ثِقةٌ ثبْتٌ.
4محمَّدُ بن إبْرَاهِيم بن الحَارِث التَّيمِي، أبُو عَبدِ الله المَدَنِي، ثِقةٌ.
5عَلقَمَةُ بن وَقَّاصٍ – بتشديد القاف – اللَّيثِي، المَدَني، ثِقةٌ ثَبتٌ.
6عُمرُ بن الخَطابِ صَحَابِي جَلِيلُ القَدْرِ، ولا يُبحَثُ في الصَّحَابَة، فَكلُهُم عُدُولٌ بتعدِيلِ الله عَز وَجَل لهُم.
فهذه الأوصاف تدل على عدالة الرواة وضبطهم التام ونكون هنا قد تحققنا من ظاهر الحديث ويبقى النظر في الشرط الرابع وهو عدم الشذوذ و الحديث محفوظ من الشذوذ و الشرط الخامس وهو عدم العلة و هذا الحديث ليس فيه علة.
نكون بهذا قد تعرفنا على الرتبة الأول في الحديث النبوي ، وهو الحديث الصحيح , وبين شروطه وشرحناه شرح مبسطا .
و في مواضيعنا القادمة سنتطرق الى باقي رتب الحديث بشيء من الشرح والتبسيط