و كيف يشتريها
فأجابني
لا نتظري للعنوان بل أنظري للكاتب
فهو العنوان و الموضوع
إذا كان أستاذا جامعيا أو إذا كان معاصرا للحدث كمذكرات أحد الثوار
غيرها
و أعطاني مثالا بالمؤرخ حسين مؤنس
قال لي أنه يثق به و بكتاباته لما لانهاية
و أنه مؤرخ عظيم كتاباته
دائما علمية
و علي أسس المنهج التاريخي
لذلك قال لي أينما وجدت كتابا له فثقي بأن محتواه جديد
و ممتع للقراءة
لذلك آثرت أن أقدم لكم شيئا عن حياته
أرجو أن تستمتعو بقراءتها
حسين مؤنس.. أمة المؤرخين المحدثين
(في ذكرى وفاته: 27 من شوال 1416هـ)
ولم يترك المؤرخ الكبير كتابًا أو اثنين، بل ترك تراثًا ضخمًا، وإنتاجًا ثرًّا، يكفي بضعة منه ليجعل صاحبه يتبوأ مكانة عالية بين كبار المؤرخين.
ولما انتهت الحرب العالمية الثانية ووضعت أوزارها عاد إلى مصر سنة (1364هـ= 1945م) وعين مدرسًا بقسم التاريخ بكلية الآداب، وأخذ يرقى في وظائفه العلمية حتى عين أستاذًا للتاريخ الإسلامي في سنة (1373هـ= 1954م).
وإلى جانب عمله بالجامعة انتدبته وزارة التربية والتعليم سنة (1374هـ= 1955م)؛ ليتولى إدارة الثقافة بها، وكانت إدارة كبيرة تتبعها إدارات مختلفة للنشر والترجمة والتعاون العربي، والعلاقات الثقافية الخارجية، فنهض بهذه الإدارة، وبث فيها حركة ونشاطًا، وشرع في إنشاء مشروع ثقافي، عرف بمشروع "الألف كتاب"، ليزود طلاب المعرفة بما ينفعهم ويجعلهم يوا**** الحضارة، وكانت الكتب التي تنشر بعضها مترجم عن لغات أجنبية، وبعضها الآخر مؤلف وتباع بأسعار زهيدة.
وفي أثناء وجوده بالقاهرة كلفته مصلحة الاستعلامات سنة (1376هـ= 1957م) بالقيام برحلة طويلة إلى دول أمريكا اللاتينية، الناطقة بالإسبانية، لتوثيق الروابط بينها وبين مصر، ونجح في إنشاء عدد من المراكز الثقافية بها، يكون على صلة بالمعهد المصري في مدريد.
ثم عاد حسين مؤنس مرة أخرى إلى إسبانيا سنة (1377هـ= 1958م) ليتولى إدارة المعهد المصري بها، وظل هناك حتى بلوغه سن التعاقد في سنة( 0388هـ= 1969م) وتعد هذه الفترة من أزهى عصور المعهد المصري هناك، فأصبح ملتقى للمستشرقين وأساتذة الجامعة المهتمين بتاريخ المسلمين في الأندلس، وأقبل عدد كبير من الطلاب على دروس اللغة العربية التي ينظمها المعهد، وتردد الجمهور على المحاضرات والندوات التي تعقد، وصارت مجلة المعهد معرضًا لما حفلت به من أبحاث عميقة، تدور حول التاريخ والحضارة في الأندلس، ونشطت مطبوعات المعهد، سواء ما كان بالعربية أو بالإسبانية، وكان يقف وراء هذا النشاط حسين مؤنس ويعاونه في إدارته العالم الكبير محمود علي مكي الذي كان يتولى وكالة المعهد.
وتعد هذه الفترة التي قضاها في الأندلس هي أخصب فترات حياته العلمية إنتاجًا فأخرج عددًا كبيرًا من مؤلفاته ومترجماته، وحقق بعض النصوص العربية، بالإضافة إلى مقالاته التي كان يوافي بها جريدة الأهرام، يعرض فيها الجديد مما ينشر في إسبانيا وأوروبا.
وقد نهض "مؤنس" بالمجلة في الفترة التي تولى فيها رئاسة تحرير الهلال، وطور في شكلها ونظام إخراجها وجدد في تبويبها، وكانت افتتاحياته لها قطع أدبية رائعة تحمل خبرته وثقافته التي حصلها في عمره المديد، ثم انتقل بعد ذلك إلى مجلة أكتوبر الأسبوعية، وظل يكتب بها حتى وفاته، وكانت مقالاته بالمجلة من أروع وأجمل ما ازدانت به هذه الصحيفة.
ففي ميدان الكتابة التاريخية ألف كتابه الجامع "فجر الأندلس" وهو حجة في موضوعة، استقصى فيه الفترة المبكرة من تاريخ الأندلس في عمق ودقة، وكتاب "تاريخ المغرب وحضارته من قبل الفتح العربي إلى بداية الاحتلال الفرنسي" في مجلدين كبيرين، و"ومعالم تاريخ المغرب والأندلس" و"تاريخ الجغرافية والجغرافيين في الأندلس" وهو يعد أكبر بحث في هذا الموضوع الذي يجمع فيه المعارف الجغرافية والتاريخية، ورحلة الأندلس، حديث "الفردوس الموعود".
وله كتب متنوعة في الحضارة الإسلامية وفلسفة التاريخ، مثل: "التاريخ والمؤرخون" وكتاب "الحضارة" الذي تصدر أول أعمال سلسلة عالم المعرفة التي تصدرها الكويت، والإسلام حضارة، والإسلام الفاتح، وتناول فيه البلاد التي فتحت دون حرب مثل إندونيسيا ووسط إفريقيا، و"عالم الإسلام" وهو نظرات في سكانه وخصائصه وثقافته وحضارته، وكتاب "المساجد" وهو يصور فيه دورها في بناء الجماعة الإسلامية، ويفيض في تاريخها وتطورها وطرزها المعمارية، و"أطلس تاريخ الإسلام" وهو من أعظم أعماله وأصدقها على صبره ودأبه، و"ابن بطوطة ورحلاته"، و"دراسات في السيرة النبوية"، و"دستور أمة الإسلام".
ولم يكن التاريخ المصري الحديث بعيدًا عن قلمه، فوضع فيه مؤلفات قيمة، يأتي في مقدمتها "مصر ورسالتها" وهو دراسة في خصائص مصر ومقومات تاريخها الحضاري ورسالتها في الوجود، و"دراسات في ثورة 1919"، و"باشوات وسوبر باشوات" يرسم فيه صورة مصر في عهدين، و"جيل الستينيات".
وله ترجمة بديعة لنور الدين محمود بطل الحروب الصليبية، صور فيه طموحة وجهاده من أجل تحقيق الوحدة الإسلامية لمواجهة الخطر الصليبي، ويجري في هذا المضمار كتابه "صور من البطولات العربية والأجنبية".
وفي ميدان تحقيق التراث أخرج طائفة من الكتب، استهلها بتحقيق كتاب "رياض النفوس" لأبي بكر المالكي، وهو في تراجم فقهاء إفريقية وعلمائها في الحقبة الأولى من تاريخها، "وأسنى المتاجر في بيان أحكام من غلب على وطنه النصارى ولم يهاجر" للونشريسي، وهو كتاب مهم في بيان الأحوال الاجتماعية للعرب المدجنين الذين بقوا في إسبانيا بعد سقوط غرناطة، و"الدوحة المشتبكة في ضوابط دار السكة" لأبي الحسين علي بن يوسف الحكيم و"الحلة السيراء" لابن الأبار في مجلدين، وهو يترجم لأعلام الأندلس والمغرب حتى القرن السابع الهجري.
وأسهم مؤنس في مجال الترجمة عن اللغات، وكان يجيد الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية، فشارك مع زميل له في ترجمة كتاب عن الدولة البيزنطية لـ"نورمان بينز" عن الإنجليزية، وترجم كتاب "تاريخ الفكر الأندلسي" لـ"جونثالث بالنثيا" عن الإسبانية، والكتاب موسوعة في الأدب الأندلسي شعره ونثره، وفي الحركة الثقافية المتنوعة التي كانت تموج بها الأندلس، ولم يكتف مؤنس بالترجمة الأمينة عن النص الإسباني، بل ملأ حواشي الكتاب بإضافات قيمة ونصوص كاشفة لما في الكتاب من قضايا.
وتعددت مساهماته في الترجمة إلى النصوص الأدبية الإسبانية، فترجم مسرحية "الزفاف الدامي" للوركا، وثورة الفلاحين" للوب دي فيجا، وترجم عن الإنجليزية مسرحية "ثم غاب القمر" لجون شتاينبك.
ولم يكن حسين مؤنس مؤرخًا فذا فحسب، بل كان أديبًا موهوبًا، صاحب بيان وأسلوب، ولو تفرغ للأدب لكان له شأن كبير، وما تركه من إبداع في ميدان الكتابة الأدبية شاهد على ملكاته الأدبية في الرواية والقصة القصيرة والأدب المسرحي، فمن أعماله القصصية "إدارة عموم الزير" تدور حول البيروقراطية المصرية، وبلغ من شهرة هذا القصة، أن سارت مثلا سائرًا بين الناس، "وأهلا وسهلاً" و"الجارية والشاعر" وحكايات "خيرستان"، و"قصة أبو عوف" و"غدًا تولد شمس أخرى".
وإلى جانب هذا كان له نشاط واسع في الصحافة بدأ منذ عهد مبكر أيام تخرجه في الجامعة، فنشر مئات المقالات المتنوعة في الأهرام والأخبار والمصور والإثنين والهلال والعربي وغيرها، بالإضافة إلى البحوث العلمية الرصينة التي نشرها في المجلات المتخصصة مثل مجلة الجمعية التاريخية، ومجلة كلية الآداب، وعالم الفكر، ومجلة المعهد المصري للدراسات الإسلامية بمديد وغيرها من الروايات؛ وهو ما أكسبه مكانة كبيرة بين أعلام عصره في العالم العربي.
من مصادر الدراسة:
-
الهيئة المصرية العامة للاستعلامات ـ الموسوعة القومية للشخصيات المصرية البارزة ـ القاهرة ـ 1989م
-
شوقي ضيف ـ كلمة في استقبال العضو الجديد الدكتور حسين مؤنس ـ مجلة مجمع اللغة العربية ـ القاهرة الجزء السابع والخمسون ـ 1406هـ = 1985
-
محمود علي مكي ـ رحيل الدكتور حسين مؤنس ـ مجلة الهلال ـ القاهرة ـ العدد الخامس (مايو) ـ 1996
-
منى حسين مؤنس ـ في بيت حسين مؤنس ـ سلسلة اقرأ ـ دار المعارف ـ القاهرة ـ 1997.
بوركت