تخطى إلى المحتوى

سلسلة تفسير أسماء الله الحسنى (معنى الجليل الكبير، الجميل ) 2024.

الجليل(1)،( الكبير)(2):

قال رحمه الله تعالى: "الجليل الكبير الذي له أوصاف الجلال؛ وهي أوصاف العظمة، والكبرياء ثابتة محقّقة لا يفوته منها وصف جلال وكمال(3).

وهو الموصوف بصفات المجد، والكبرياء، والعظمة، والجلال، الذي هو أكبر من كلّ شيء، وأعظم من كلّ شيء، وأجلُّ وأعلى، وله التَّعظيم، والإجلال في قلوب أوليائه وأصفيائه، قد مُلِئَت قلوبهم من تعظيمه، وإجلاله، والخضوع له، والتذلل لكبريائه"(4).

17- الجميــل(5):

قال رحمه الله تعالى: "الجميل من له نعوت الحسن والإحسان(6)، فإنه جميل في ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، فلا يمكن مخلوقاً أن يعبّر عن بعض جمال ذاته، حتى أنّ أهل الجنّة مع ما هم فيه من النّعيم المقيم، واللّذّات، والسّرور، والأفراح التي لا يقدّر قدرها إذا رأوا ربّهم، وتمتّعوا بجماله نسوا ما هم فيه من النّعيم، وتلاشى ما هم فيه من الأفراح، وودّّوا أن لو تدوم هذه الحال، ليكتسبوا من جماله، ونوره جمالاً إلى جمالهم، وكانت قلوبهم في شوق دائم ونزوع إلى رؤية ربّهم، ويفرحون بيوم المزيد فرحاً تكاد تطير له القلوب.

-وكذلك هو جميل في أسمائه، فإنها كلّها حسنى بل أحسن الأسماء على الإطلاق وأجملها، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}(7) وقال تعالى: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً}(8) فكلّها دالة على غاية الحمد، والمجد، والكمال، لا يسمّى باسم منقسم إلى كمال وغــــيره.

-وكذلك هو الجميل في أوصافه فإن أوصافه كلّها أوصاف كمال ونعوت ثناء وحمد، فهي أوسع الصّفات، وأعمّها، وأكثرها تعلّقاً، خصوصاً أوصاف الرّحمة، والبرّ ،والكرم، والجود.

-وكذلك أفعاله كلّها جميلة فإنها دائرة بين أفعال البرّ والإحسان التي يُحمد عليها ويُثنَى عليه ويشكر، وبين أفعال العدل التي يحمد عليها لموافقتها للحكمة والحمد، فليس في أفعاله عبث ولا سفه، ولا سدًى ولا ظلم، كلّها خير وهدى ورحمة ورشد وعدل {إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}(9).

فلكماله الذي لا يحصي أحد عليه به ثناء كملت أفعاله كلّها فصارت أحكامه من أحسن الأحكام، وصنعه وخلقه أحسن خلق وصنع.
وأتقن ما صنعه {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء}(10).

وأحسن ماخلق {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ}(11) {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}(12).

ثم استدلّ المصنف(13) بدليل عقلي على جمال الباري، وأن الأكوان محتوية على أصناف الجمال، وجمالها من الله تعالى فهو الذي كساها الجمال، وأعطاها الحسن، فهو أولى منها، لأن معطي الجمال أحقّ بالجمال

فكلّ جمال في الدنيا، والآخرة باطني وظاهري، خصوصاً ما يعطيه المولى لأهل الجنة من الجمال المفرط في رجالهم ونسائهم، فلو بدا كف واحدة من الحور العين إلى الدنيا لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم، أليس الذي كساهم ذلك الجمال ومنَّ عليهم بذلك الحسن والكمال أحق منهم بالجمال الذي ليس كمثله شيء.

فهذا دليل عقلي واضح مسلّم المقّدمات على هذه المسألة العظيمة وعلى غيرها من صفاته، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى}(14).

فكلّ ما وجد في المخلوقات من كمال لا يستلزم نقصاً، فإن معطيه – وهو الله – أحقّ به من المعطى بما لا نسبة بينه وبينهم كما لا نسبة لذواتهم إلى ذاته، وصفاتهم إلى صفاته،
فالّذي أعطاهم السّمع، والبصر، والحياة، والعلم، والقدرة، والجمال، أحقّ منهم بــذلك.

وكيف يعبّر أحد عن جماله وقد قال أعلم الخلق به: "لا أحصي ثناءً عليك أنتَ كما أثنيتَ على نفسك"(15).

وقال صلى الله عليه وسلم: "حجابه النّور لو كشفه لأحرقت سبحات وجه ما انتهى إليه بصره من خلقه"(16).

فسبحان الله، وتقدّس عما يقوله الظالمون النافون لكماله علواً كبيراً، وحسبهم مقتاً وخساراً أنهم حُرِموا من الوصول إلى معرفته والإبتهاج بمحبّته.

وجمع المؤلف(17) بين (الجليل والجميل) لأن تمام التَّعَبُّد لله هو التَّعَبُّد بهذين الإسمين الكريمين

فالتَّعَبُّد بالجليل يقتضي تعظيمه، وخوفه، وهيبته، وإجلاله.

والتّعبّد باسمه الجميل يقتضي محبّته، والتألّه له، وأن يبذل العبد له خالص المحبّة، وصفو الوداد، بحيث يسبح القلب في رياض معرفته وميادين جماله، وينهج بما يحصل له من آثار جماله وكماله فإن الله ذو الجلال والإكرام"(18).

ـــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ

(1) أورد الشيخ رحمه الله "الجليل" ضمن أسماء الله تعالى، ولم يثبت هذا الإسم لله تعالى،والله أعلم.

(2) ودليل هذا الاسم قال الله تعالى: {وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (سبأ: 23).

(3) الحق الواضح المبين (ص29).

(4) التفسير (5/622) والكافية الشافية (ص117).

(5) ثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله جميل يحب الجمال…" الحديث. مسلم (1/93) كتاب الإيمان باب تحريم الكبر وبيانه.

(6) توضيح الكافية الشافية (ص117).

(7) الأعراف (180).

(8) مريم (65).

(9) هود (56).

(10) النمل (88).

(11) السّجدة (7).

(12) المائدة (50).

(13) يعني بالمصنف ابن القيم رحمه الله تعالى في قصيدة النونية.

(14) النحل (60).

(15) أخرجه مسلم (1/352) كتاب الصلاة باب ما يقال في الرّكوع والسّجود من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها.

(16) أخرجه مسلم (1/161) كتاب الصلاة باب في قوله عليه السلام : "إن الله لاينام" وفي قوله: "حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجه ماانتهى إليه بصره من خلقـــه".

(17) أي ابن القيم رحمه الله تعالى في قصيدته النونية.

(18) الحق الواضح المبين (ص29 إلى 32).

الصّفحات: من نهاية الكلام في: الصّفحة:177 إلى الفقرة الأولى من الصفحة: 181

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.