أرشيف الجزائر في مجلدات وعلب ”ملغّمة” بفرنسا
100 ألف صورة عن الجزائر من 1850 إلى 1962 موجودة بفرنسا
بمقاطعة ”أكس أون بروفانس”، قرب مارسيليا، 900 كلم جنوب العاصمة باريس، ينام شيء ”ملغم” اسمه أرشيف الجزائر، وتسميه السلطات الفرنسية ”الأرشيف الوطني لما وراء البحار” أو هكذا هو مكتوب على لافتة كبيرة بمدخل بناية جميلة وسط مدينة هادئة ترقد بها ”ذاكرة الجزائر المحفوظة”، والمكتوبة أيضا بحبر جنرالات فرنسا وكبار ضباطها، وقادة الثورة والمقاومة الشعبية.
أرشيف الحقبة، المتصلة باستعمار فرنسا للجزائر، كما ثورة التحرير، تسميه باريس ”أرشيف وطني” للدلالة على أنه ملكها، لأن الاعتقاد الذي لايزال سائدا لدى الفرنسيين أن ”الجزائر كانت فرنسية”. وفي الطابق الأول للبناية كان يتوجب اختراق رواق طويل للوصول إلى مربع ”ذاكرة الجزائر” بمساحة طويلة وعريضة مقسمة برفوف مليئة بمجلدات وعلب أرشيفية. ترتيب منظم، يؤشر على اهتمام خاص بأرشيف الجزائر الذي اختار له القائمون على حفظه بكل الشروط المطلوبة، اللون الأحمر، بينما تفقدت ”الخبر” مجلدات ضخمة تعود إلى حقب المقاومة الشعبية للشيخ المقراني والحداد والأمير عبد القادر بالمراسلات التي كانوا يبعثون بها لضباط الجيش الفرنسي وتلك التي كانوا يستلمونها منهم، زمن الحروب الضارية. هاته الوثائق موجودة بمركزين: الأول بقلب باريس والثاني بمقاطعة ”أكس أون بروفانس” التي تحتوى على الأرشيف الأكثر أهمية.
أرشيف الوزارة المكلفة بالشؤون الجزائرية
أوراق مصفرة بكتابات لازالت تحفظ خطوطها كما لو كتبت البارحة، لولا أن رائحة التاريخ تفوح منها، مجلد بني اللون طوله يفوق 60 سنتيمترا وعرضه لا يقل عن أربعين سنتيمترا، غلافه مطرّز بيد حرفي، حيث كانت الوزارة المعنية تلجأ إليه لطرز غلافات المجلدات، وتضمن المجلد أرشيف ”الوزارة المكلفة بالشؤون الجزائرية”، بين 1873 و1894 وبها قرارات تنظيم العقارات والأراضي بقسنطينة، بمراسلات الحاكم العام آنذاك إلى مادونه من المسؤولين، وأظهرت السجلات أسماء جزائريين يملكون تلك العقارات، وتقول مديرة مركز ”أكس أون بروفانس” في حديث معها، أن ”تطبيقات صارمة نفذت لحفظ الأرشيف المتصل بالجزائر”، غير أن نبرة كلامها وكلام مساعديها كانت توحي بأشياء لا يستطيعون البوح بها، لكنهم عبّروا عنها بالقول أن ”هناك نوعا من الأرشيف لم نكن ملزمين بنقله معنا إلى بلدنا”، ويتعلق الأمر بأرشيف القضاء الذي يعتبر جزءا من أرشيف الإدارة، ويصرح أحد إطارات المركز ”كان يفترض أن يبقى أرشيف الإدارة وأرشيف العدالة هناك (يعني في الجزائر) للاستفادة منه، لقد طلب الفرنسيون ذلك من الجزائريين، غير أنهم رفضوا الإبقاء عليه وطلبوا منا أخذه إلى باريس”، ولماذا؟، يجيب المتحدث ”ربما كانت هناك مخاوف من الانتقام، لأن وثائق العدالة مدون فيها أسماء شهود على ”متهمين” حوكموا من قبل القضاء الفرنسي، بتهمة الإرهاب”، ويقصد ذات الإطار بـ”الإرهاب”، الأعمال الجهادية التي كان المجاهدون يقومون بها، خلال الثورة، يستطرد المتحدث ”لكن الأحكام نطق بها علنيا والجميع حينها سمع بها وقد أعدنا بعضها سنة .”1963
وقال مسؤول فرنسي، يشتغل على ملف الأرشيف الجزائري، بباريس بأن ”الأرشيف العسكري الذي يتضمن قرارات ضباط الجيش وتعاملاتهم خلال سنوات ثورة التحرير بحوزة وزارة الدفاع الفرنسي، وفيه وثائق محاطة بسرية تامة ولا يسمح بالإطلاع عليه إلا من قبل ضباط الشرطة والدفاع”، ويؤكد أن هذا الصنف من الأرشيف المتضمن أسرار الدفاع ”محاط بسرية تامة”، عكس الأرشيف العام للحقبة الاستعمارية لما قبل 54, حيث يمكن للجزائر الإطلاع عليه وتصوير نسخ عنه، لكون القانون الفرنسي يحدد ما يسميه بـ”فترات سرية” وتمتد ما بين 50 سنة إلى 70 سنة للإفراج عنه، حيث ”يتضمن أمورا تمس بالحياة الشخصية لأناس وبصمعة أشخاص خلال تلك الفترة قد يكونون على قيد الحياة، بينما ينص ذات القانون على عدم تسريح الأرشيف القضائي إلا بعد 50 سنة، والتبرير هو تفادي تصفية حسابات قديمة”.
”الجزائر كانت فرنسية”
وتعتبر باريس الصنفين المذكورين من الأرشيف ملكا للإدارة الفرنسية، على قاعدة أنه جزء من أرشيف فرنسا الوطني، وعلى خلفية أن ”الجزائر كانت فرنسية”، بينما ترى الجزائر أنه ملك لها، ورغم ذلك يؤكد ذات المسؤول ”دعونا مسؤولين جزائريين إلى باريس لأخذ نسخ عن الأرشيف، لكننا لم نتلق ردا”.
وبحساب الفترة التي يحددها القانون الفرنسي بالإفراج عن الأرشيف إلا بعد 50 سنة، يتوضح أنه يمكن للجزائر طبقا لهذا القانون أن تطلع على أرشيفها بعد ثلاث سنوات من الآن، حيث تكون مرت 47 سنة من الاستقلال إلى اليوم، أما الأرشيف ”السري” فأشار المتحدث إلى أنه يمكن للسلطات أن تسمح فقط للباحثين الجزائريين للإطلاع عليه بالمركز دون أخذ نسخ عنه أو تصويره، وفي هذا الصدد أشارت مديرة ”الأرشيف الوطني الفرنسي لما وراء البحار” أن ”أكثر من 100 باحث جزائري يتفقد مركز الأرشيف بأكس أون بروفانس، كل سنة، ويحتوى المركز على مكتبة كبيرة مجهزة بوسائل تكنولوجية للإطلاع على الأرشيف المسموح به، وحسب المتحدثة، فإن بالمركز نحو 100 ألف صورة عن الجزائر بين 1850 و1962, و300 ملصقة تخص القطاع الفلاحي فقط، ويجري حاليا رقمنة الأرشيف المتعلق بـ”مجلس الحاكم العام” المتضمن 430 سجل، معترفة بصعوبة ترتيبه، ”حيث يأخذ وقتا معتبرا وهناك مجلدات كبيرة تعود إلى ما قبل 1920 لا نعرف مضمونها حتى الآن”.
1 كيلومتر خاص بأرشيف بقسنطينة
ويحتوي ذات المركز، حسب المسؤولة الأولى عنه، 1 كيلومتر من الأرشيف الخاص بقسنطينة خلال مقاومة أحمد باي، منها 215 مترا ”غير مصنفة”، كما يحتوى على سبعة أمتار من أرشيف محكمة الجزائر في الفترة ما بين 1956 و1962, وأولى الفرنسيون أهمية للأرشيف الخاص بالجزائريين المرحلين إلى كاليدونيا الجديدة بين عامي 1871 و1881 وعددهم 150 عائلة من المقربين إلى شيخي المقاومة الحداد والمقراني.