سمير سمراد
من البدع والمنكرات: مشابهةُ الكفّار وموافقتُهُم في أعيادهم ومواسمهم الملعونة، كما يفعله كثيرٌ من جَهَلَةِ المسلمين، ومن ذلك: أعياد النَّصارى، أو غيرهم من الكافرين، أو الأعَاجِم(وهُمْ غَيْرُ العَرَب)
والأعراب الضَّالِّين، لا ينبغي للمسلم أن يَتَشَبَّهَ بهم في شيءٍ من ذلك، ولا يوافقهم عليه، قال الله تعالى لنبيِّه محمَّدٍ – صلَّى الله عليه وسلَّم –: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ﴾[1].
وتشبُّهُ المسلمِ بالكافرين حرامٌ، وإن لم يَقْصِدْ ما قَصَدُوهُ، بدليل ما روى ابنُ عمر عن النَّبيِّ – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مَنْ تَشَبَّهَ بقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»[2].
فأنتَ تَرَى أنَّ رسولَ الله – صلَّى الله عليه وسلَّم – حرَّمَ على المسلمِ أن يَتَشَبَّهَ بالمُخَالِفِينَ لِدِينِنَا على جميعِ الأَحوال؛ سواءٌ أَكَانَ هذا المسلمُ يُحِبُّ أن يتشبَّهَ بِهِم أو لا يُحبُّ ذلكَ!
وقد جاءتْ أحاديثُ وآثارٌ كثيرةٌ في النَّهيِ عن التَّشبُّه بأهل الكتاب والكُفَّار والأَعَاجِم، ذَكَرَهَا مُؤَلِّفُ كتابِ «اقتضاءُ الصِّراطِ المستقيم مخالفةَ أصحابِ الجحيم»، كما نَقَلَ اتِّفاقَ أئمَّةِ الإسلام على النَّهيِ عن موافقة الكفَّار والأعاجم، والأَمْرِ بمخالفتهم.
وممَّا يجب أن يُخَالَفُوا فيه، ويَحْرُمُ مُوَافَقَتُهم وإِقْرَارُهم عليه: أعيادُهُم؛ فهذه يَحْرُمُ إحياؤها، وإظْهَارُها، وأن نَفْعَلَ ما يُشيرُ إلى تعظيمها أو الرِّضَاءِ بها:
– لأنَّ فيها مشابهةً للكفَّار.
– لأنَّها من البدع؛ قال – صلَّى الله عليه وسلَّم -: «مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ»[3]، فلا يَحِلُّ لمسلمٍ أن يَتَشَبَّهَ بهم – إذنْ – في هذه الأعياد.
* وقد صحَّ أنَّ النَّبيَّ – صلَّى الله عليه وسلَّم – نهى عن اليومَيْن اللّذَيْنِ كان الصَّحابةُ يلعبون فيهما في الجاهلية، وقال: «قَدْ أَبْدَلَكُمُ اللهُ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا»[4]، ففي هذا الحديث دليلٌ على أنَّه كان للنَّاس في الجاهلية أعيادٌ يجتمعون فيها، لكن لمَّا بُعِثَ رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – جاءَ اللهُ بمَحْوِ تلكَ الأعيادِ، فلم يَبْقَ شيءٌ منها، فتركها النَّاسُ لأنَّ رسولَ الإسلام كان ينهى عنها ويمنعُها ولولا ذلكَ لما تركُوها.
ولِهَذَا قالَ مَنْ قالَ مِنَ العُلماء: إنَّ «إمامَ المتَّقِين – صلَّى الله عليه وسلَّم – كان يمنعُ أُمَّتَهُ مَنْعًا قَوِيًّا عن أعياد الكفار، ويَسْعَى في دُرُوسِهَا (أي:مَحْوِهَا) وطُمُوسِهَا (أيْ: زَوَالِهَا) بكُلِّ سبيل» اهـ[5].
* وصحَّ من حديث عقبة بن عامر – رضي الله عنه – عن النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – أنَّه قال: «يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ مِنًى:عِيدُنَا أَهْلَ الإِسْلاَمِ»[6]. وهذا الحديث واضحٌ في أنَّنا – مَعْشَرَ المسلمين – نُفارِقُ غَيْرَنَا في العيد.
* وصحَّ أنَّهُ – صلى الله عليه وسلم – رخَّصَ في لَعِبِ الجواري (البنات الصِّغار) بالدُّفِّ وتَغَنِّيهِنَّ، وعلَّل ذلك بأنَّه لِكُلِّ قومٍ عيدًا، وأنَّ هذا عيدُنَا، فقال: «يَا أَبَا بَكْرٍ! إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَإِنَّ عِيدَنَا هَذَا الْيَوْمُ»[7]، «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ! فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ»[8]، وَتِلْكَ الأَيَّامُ أيَّامُ مِنَى.
فهذا الحديثُ فيه دليلٌ على اختصاصِ كلِّ قومٍ بعيدهم، كما قال تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ فإذا كان للنَّصارى عيد، ولليهود عيد، مُخْتَصِّين بذلك، فلا يُشَارِكُهُمْ فيه مسلمٌ، كما لا يُشَارِكُهُمْ في شِرْعَتِهِمْ ولا في قِبْلَتِهِمْ[9].
وأنتَ ترى – أخي المسلم الَّذي يَعتَزُّ بإِسلامِهِ – أنَّهُمْ لا يُشَارِكُونَنَا هم في أعيادنا مع أنَّها هي الأعيادُ الصَّحيحةُ الَّتي أَمَرَ اللهُ بِهَا وشَرَعَها، فَكيفَ نُشارِكُهُم أعيَادَهُمْ؟!
هذا، وتِلْكُمُ الأعياد الَّتي أَبْطَلَهَا رسولُ الإسلام كانت تُعْرَفُ بالحِسَابِ العَرَبيّ، فما بالُكَ الأعياد المعروفة: (بالحِسابِ الجاهلي العَجَمِي)؛ كالحساب الرُّومي القِبْطِي، أو الفارسي، أو العِبْرِي، أو البربري ونحو ذلك…(فكيف بأعياد الكافرين العَجَمِيَّة). فهذه: الأيَّامُ العجمية أو الجاهلية الّتي لا تُعْرَفُ بالحِسابِ العربِيّ، أَوْلَى بالإِبْطَالِ والسَّعْيِ لِمَحْوِهَا ونَهْيِ النَّاسِ عنها.
* إِحْيَاءُ أَعْيَادِ النَّصارى وغيرِهِمْ مُعَاكَسَةٌ لما جاءَ بهِ الرَّسول – صلى الله عليه وسلم -:
ثُمَّ انظرْ هذا – أخي المسلم الّذي يعتزُّ بإسلامِهِ – مَعَ مَا يَقَعُ مِنَ النَّاس اليومَ من العناية بأعياد الكفَّار والأعاجم، أو العنايةِ بعاداتهم الَّتي كان عليها أسلافُهُمْ وأجدادهم في جاهليَّتهم، وزمانِ وَثَنَيِّتَهِمْ، ولم يَأْتِ بها الإسلامُ ولم يُقِرَّهَا، فتراهم يَسْعَوْنَ في تجديدها! وإعادةِ إحْيَائِها، وحَثِّ النَّاس عليها ودَعْوَتِهِم إليها بعد طُمُوسها وَدُرُوسها، مُعَاكَسَةً لما كان عليه رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم -، فيتَّخِذُونها أيَّامَ فَرَحٍ ورَاحَةٍ ويُعطِّلُون فيها العَمَل، ويُوَسِّعون فيها على أهليهم ويلبسون أجمل الثِّياب، ويصنعون فيها أنواعًا مخصوصةً من الأطعمة، ويتهادون الهدايا، ويُهَنِّئُ بعضُهُم بعضًا فيها، وترى كثيرًا منهم: يَخرجون إلى القبور- قبورِ من يعتقدون فيهم الولاية ويُعظِّمونهم – ويُبَخِّرُونها ويُوقِدُونَ الشُّمُوع عليها… وهكذا يَنْشَؤُونَ على اعتياد ذلك، ويَتَلَقَّاهُ الأبناء عن الآباء، والأحفاد عن الأجداد.
وهذا كلُّهُ تصديقُ قولِ النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -: «لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ». قلنا: يا رسولَ الله! اليهود والنَّصارى؟ قال: «فَمَنْ؟»[10]، وفي روايةٍ: «كَمَا فَعَلَتْ فَارِسُ وَالرُّومُ»[11].
وهذه – أخي المسلم الَّذي يعتزُّ بإسلامِهِ – بعضٌ من أعياد ومواسم أهل الكتاب والكفَّار والأعاجِم، نأتي على ذِكْرِهَا، ليَحْذَرَهَا المسلم، وليَعْلَمَ مَصْدَرَ كثيرٍ ممَّا اعتاده الجاهلون مِنْها:
* النَّيْرُوز:
(النَّيروز) مُعَرَّبُ الكلمةِ الفارسيَّة: «نُورُوز»، وهو بمعنى «اليوم الجديد»؛ لأنَّ «نُو» بمعنى الجديد، و«روز» بمعنى اليوم، والنّيروز عند الفُرْس هو اليوم الَّذي دخل بُرْجُ «الحَمَل» فيه، وهو أوَّلُ السَّنة الشَّمسية، كما أن غُرَّةَ المحرّم أوّلُ السَّنَة القمرية.
قال الحطَّاب – رحمه الله – (ت: 954هـ) في «مواهب الجليل في شرح مختصر خليل» (13/490): «والنَّيروز هو أوَّلُ يومٍ من السَّنَة القِبطية والسِّرْيانيَّة والعَجَمِيَّة والفارسيَّة ومعناه اليومُ الجديد» اهـ.
وهذا (النُّورُوز)، أو: (عيد رأس السَّنة) يختلفُ تَوْقِيتُهُ من قومٍ إلى قومٍ، وما يتَّخِذُهُ هؤلاءِ (نيروزًا)، قد يتَّخذه آخرون في يومٍ غيرِهِ، فكلٌّ لَهُ خصوصيَّاتُهُ واعتباراتُهُ، فَمِن ذلكَ: نيروز الفُرس المجوس ونيروز الأقباط ونيروز الفراعنة ونيروز الأكراد…إلخ.
* الِمهْرَجَانُ:
قال الحطَّاب في«مواهب الجليل» (13/490): «…والمِهْرَجَانُ ويسمَّى عندهم العَنْصَرَةُ، وهو مولدُ يحيى عليه الصَّلاة والسَّلام، وهو عيدٌ عظيمُ الشَّأن عندَ الفُرْس، وهو اليوم السّادسُ[عشر] من شهر (مُهْرَمَاهُ) سابعُ أشهر السَّنة الفارسيّة وآخر يومٍ من (بَئُونَةَ) من [شُهُورِ] السَّنة القِبْطِيَّة…» اهـ.
وقال ابن العماد – رحمه الله – في «شذرات الذّهب» (3/172): «ويومُ العَنْصَرَة: رابع وعشرين (حُزَيْرَان)[وهو شهرُ (يُونيُو) أو (جوان)] وهو مَوْسِمٌ للنَّصارى مشهورٌ ببلاد الأندلس وفي هذا اليوم …وُلِدَ يحيى بن زكرياء عليهما السَّلام» اهـ.
* عيد ميلاد المسيح:
ومن أعياد النَّصارى: (عيد ميلاد المسيح)، في الأسبوع الأخير من (ديسمبر) في (24-25) مِنْهُ، وآخرُ يومٍ من (ديسمبر) يُصادِفُ سَابِعَ الميلاد.
قال الحطَّاب في «مواهب الجليل» (6/501): «والميلاد هو اللَّيلةُ الَّتي صبيحَتُهَا الخامس والعشرون من (كانون الأول) [أي:ديسمبر]… ويُسمَّى عيد الميلاد ويَعْنُونَ به ميلاد المسيح» اهـ.
* عيد (ينَّاير) البربري:
ومن الأعياد الخاصَّة بالبربر(الأمازيغ): عيدُ «ينَّاير»، وهو عيدٌ لرأس السَّنة العجميَّة البربريّة، المصادف (12-13 جانفي)، يُحْيُونَ طقوسَهُ وفق طقوس الأجداد، يُعِدُّون لأجله أصنافَ الأطعمة، ومختلفَ المآكل، وتختلفُ طُقُوسُ الاحتفال هذه مِن منطقةٍ لأُخرى.
وللأسف أنَّ كثيرًا من جَهَلَةِ النَّاس يحرصون على المحافظةِ على هذه الطُّقُوس العَجَمِيَّة البربريَّة القديمةِ، فتراهم في ليلة (13) جانفي الّذي يُصادِفُ (1) ينّاير البربري، يَشْتَرُونَ الحلويّات المختلفة الشَّكل والفواكه المُتَنَوِّعة؛ كالتّفاح والأنجاص والبرتقالة والماندرينة والموز «والتْرَازْ» من الجوز واللُّوز والبندق والكاوكاو… وغيرِها.
وتسميةُ خليط المكسّرات بـ(التْرَازْ)، يُشيرُ إلى اليوم (13) وهو ( treize) بالفرنسيَّة، وما فَعَلُوا ذلكَ إلَّا لأجلِ التّبرُّك والتَّيَامُنِ بهذا اليوم الَّذي صادفَ أوّل ينّاير.
ألا فلْيُعلم أنَّ الحفاوةَ بهذا العيدِ هُوَ مِنْ تعظيمِ الكُفْرِ والوثنيَّةِ الّتي كان عليها البربرُ قبلَ الإسلام! فهو عيدُهم لمَّا كانُوا وَثنِيِّين، وبعدَ أن صارُوا مسلمينَ فلَيْسَ لهم من العِيدِ إلَّا ما شَرَعَ الإسلامُ وهو خيرٌ لهم من أعيادهم في جاهليَّتِهم (قَدْ أَبْدَلَهُم اللهُ خَيْرًا منها).
* عِيدُ (العْجُوزَة) ذِكْرَى وَثَنِيَّة:
وليُعْلَمْ – أيضًا – أنّ عيد (ينّاير) البربري لا يزالُ يُصاحبُهُ خرافاتٌ وأساطيرُ بربريَّة وثنيَّة، فمنهم من يَعرِفُهُ بِـ: (عيد العجوزة)، وهي الأسطورة الّتي تحكي عن امرأةٍ عجوز ظُلِمَت فأَبْدَلَتْ الطَّبيعةُ (أو الآلهةُ) حُزْنَهَا سُرُورًا وأيَّامَ ظُلْمَتِها نُورًا…
فكيفَ – أخي المسلم الّذي يعتزُّ بإسلامه – تَحْتَفِي بِعِيدٍ هُوَ في أصلِهِ ذِكْرَى وَثَنِيَّة وخُرافة بربريَّة!
* تَحْذِيرٌ مِنْ سُنَنِ الجَاهِلِيِّين!
ولْتَعْلَم – أخي المسلم الّذي يعتزُّ بإسلامِهِ – أنَّ أعياد الفُرْس، والنَّصارى، والأعَاجِم (البربر)، وغيرهم من أنواع الكفَّار، جميعُها: من (سُنَنِ الجاهليَّةِ) الَّتي نُهِينا عنها، وقد تَسَرَّبَتْ إلى المسلمين (ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله) بحُكْمِ المخالطة والتَّأثُّر.
ولْتَعْلَمْ أنَّ من احتفل بالنَّيروز، أو بأحدِ هذه (النَّيروزات)، فقد شَارَكَ (المجوسيَّةَ) و(الوثنِيَّةَ) و(أُمَمَ العَجَمِ) في تعظيم عيدهم أو أعيادهم(الجاهليَّة)، فلْيَتُبْ إلى الله مِنْ هذه الوَرْطَة الَّتي وقع فيها، ولْيَعْلَم أنَّ الإسلام هَدَمَ ومَحَا ما قبَلْهَ ُمِنْ مَوْرُوثات (الأعياد) و(المهرجانات).
* حِرْصُ السَّلَفِ الصَّالحِين على مُفارَقَةِ أعيادِ الكافِرين:
وهؤلاء سلفُنَا الصَّالح كان أحدُهُم يَتَحَرَّزُ من كُلِّ ما يُشْعِرُ بمشاركةٍ للمجوسِ وغيرِهِمْ من أنواعِ الكفَّارِ في تعظيمِ عيدهم ولَوْ عن غَيْرِ قَصْدٍ؛ روى أبو نعيم في «حلية الأولياء» (5/20) عن التَّابعيِّ الجليل طلحةَ بن مصرِّف – رحمه الله – قال: «إنِّي لأَكْرَهُ الخُرُوجَ يومَ النَّيْروز، إنِّي لأَرَاها شُعْبَةً من المجوسيَّة» اهـ.
هذا يقولُهُ في الخُروجِ في ذلكَ اليوم من غيرِ مشاركةٍ لهم، وليسَ في نِيَّتِهِ أن يَجْعَلَهُ عيدًا! فكيفَ لو فَرِحَ بذلكَ اليوم فرَحَهُمْ وخَرَجَ فيه للنُّزْهةِ واللَّعِب؟!
* أَثَرُ المخالطة بين المسلمين وغيرهم في الاحْتِفَالِ بأعياد الجاهليَّة:
فهؤلاء أهلُ الأندلس وكذا أهلُ المغرب، لمَّا حصلت المخالطةُ بين المسلمين وغيرهم من أهل الدِّيانات الأُخرى (كاليهود والنَّصارى) ممَّن يُساكِنُونهم في تلك الدِّيار، انعكست هذه العلاقات على الحياة اليومية للنَّاس، فتأثَّر بعضُهم بشعائر غيرهم مِنْ جَرَّاءِ الاختلاط بهم، فتَشَارَكُوا في الاحتفالات بالأعياد والمواسم وأصبح أهلُ الأندلس(الجَهَلَةُ من المسلمين) يحتفلون مع النَّصارى بأعيادهم؛ كعيد رأس السَّنة أو ما يُسَمَّى ليلة «ينّاير» الَّذي كان يُحْتَفَلُ به احتفالًا كبيرًا، سواء في المنازل أو في الشَّوارع، ممَّا جعل كثيرًا من أئمَّة الإسلام يُحذِّرُون عوامَّ المسلمين مِنْ تَقْلِيدِ غيرِهِمْ في أعيادهم وشعائرهم.
ومن الأعياد النَّصرانيّة الِّتي كان أهل الأندلس(الجهلةُ منهم) يحرصون على الاحتفال بها عيد «العَنْصَرَة» أو«المِهْرَجَان».
وَوُجِدَ في بعض أهل المغرب، مَنْ يُقِيمُ على عاداتٍ لا أصل لها في الشَّريعة الإسلامية، وَرِثُوها عن الإفرنج ، أَوْ لها جُذُورٌ «بربرية» (أي: جاهليَّة سابقة على ظهور الإسلام)، أو حتَّى «يهودية».
ومنها: ما يقعُ في (ليلة ينّاير) الّتي يسمُّونها: (ليلة الحاجوز). وقد كانت العادةُ(!)جَارِيَةً على أنَّ الخاطِبَ أو الزَّوج الَّذي عَقَدَ على امرأةٍ، ولمْ يتمَّ الدُّخولُ بها، يتعاهَدُهَا بالهدايا في المواسم، ومن ذلك أنَّه يَبعثُ إليها «بالحِنَّاء والصَّابون والفاكهة في (الحاجوز) والأعياد».
ولمّا تَسَرَّبَتْ هذه البدعُ إلى المسلمين في بلاد إفريقية والمغرب والأندلس، ولمّا قام بعضُ الجهَّال بمُشَارَكَةِ ومُشابهة أصحابها فيها، قام العلماءُ والفقهاءُ في وَجْهِهَا وشَدَّدُوا النَّكِيرَ عليها.
* الاحْتِفَاءُ بأيَّامِ النَّصارى حَرَامٌ، والوَاجِبُ إِهْمَالُهَا!
فهذا الإمام الكبير فقيه الأندلس يحيى بن يحيى اللَّيثي – رحمه الله – [مِنْ أصحابِ الإمام مالك وَأَحَدُ رُواة الموطَّأ (ت: 234هـ)] قال: «لا تجوزُ الهدايا في (الميلاد) من نصرانيٍّ ولا مِنْ مسلمٍ، ولا إجابةُ الدَّعوِة فيه، ولا اسْتِعْدَادٌ له. ويَنْبَغِي أن يُجْعَلَ كَسَائِرِ الأيَّام….».
* مُشاركةُ النَّصارى في أعيادهم مُنْكَرٌ وَمُحرَّمٌ!
وهذا الفَقِيهُ ابنُ كنانة – رحمه الله – (ت: 186هـ) [الَّذي كان يجلسُ في حلقةِ الإمام مالك عن يمينِهِ، وخَلَفَهُ في الحلقةِ بعد وفاته]، يقولُ عنهُ يحيى بن يحيى: أَخْبَرْتُهُ حالَنَا في بَلَدِنَا فَأَنْكَرَ وعَابَهُ، وقال: «الَّذي يَثْبُتُ عندنا في ذلك الكراهية». يعني: التَّحْرِيم.
* مَنْ شَارَكَ النَّصارَى في أعيادهم حُشِرَ مَعَهُمْ!
ويَنْقُلُ يحيى بن يحيى عن الإمام مالكٍ – رحمه الله – الحُكْمَ نَفْسَهُ، فيقولُ: «وكذلك سَمِعْتُ مالكاً يقولُ؛ لقولِ رسول الله – رحمه الله -: «مَنْ تَشَبَّهَ بقَوْمٍ حُشِرَ مَعَهُمْ»[12].
* مَنْ شَارَكَ النَّصارَى في أعيادهم فَهُوَ مِنْهُمْ!
قال يحيى بن يحيى: «وكذلك إِجْرَاءُ الخَيْلِ والمباراة في (العَنْصَرَة)، لا يجوزُ ذلك ... ومَنْ رَضِيَ عملًا كان شريكَ مَنْ عمله، هذا فيمَنْ رَضِيَ ولم يَعْمَلْهُ، فكيف مَنْ عَمِلَهُ وسَنَّهُ سُنَّةً، واللهَ نسألُ التَّوفيق…» [13].
* مُشَارِكُ النَّصارى في أعيادهم مُشَارِكٌ لهم في تعظيمِ أصنامِهِم!
قال الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن أبي بكر التِّلمساني – رحمه الله – (ت: 699هـ) في أَبْيَاتٍ لَهُ:
* مُشاركَةُ النَّصارى في أعيادهم فِعْلُ شِرَارِ هذه الأُمَّة!
قال فَقِيهُ المغرب الإمامُ سحنون – رحمه الله – (ت: 240هـ): «ولا تجوزُ الهدايا في (الميلاد) من مسلمٍ ولا من نصرانيٍّ، ولا إجابةُ الدَّعوة فيه، ولا الاسْتِعْدَادُ له. قال: ولا يجوز إجْرَاءُ الخَيْل في (العَنْصَرَة)، ولا بأس به في غيرها. ولا يجوزُ الاستعدادُ في (العَنْصَرَة)…»، ثمَّ ذَكَرَ مِنْ أفعال الجاهليَّة في هذا العيد: «وَقْدُ (أي: إِشْعَالُ) النِّيران تحت الثِّمار (أي: الأشجار المُثْمِرَة) وغيرها كهَيْئَةِ فِعْلِ شِرَارِ هذه الأُمَّة، ومِثْلُ ذلك: الاستعدادُ في اللَّيلة الَّتي يُقال لها ليلة (الحاجوز)….»[16].
تعليق: وبِدْعَةُ إشعالِ النِّيران تحت الثِّمار يفعلها النَّصارى في (نَيْرُوزهم) (أي: في عيد رأس السَّنة عندهم)، قال السُّيُوطي – رحمه الله -: «وما يفعله كثيرٌ من النَّاس في أيام الشِّتاء، ويزعمون أنَّه ميلاد عيسى – عليه السَّلام -، فجميعُ ما يُصنع أيضًا في هذه اللَّيالي من المنكرات، مثل: إِيقَادِ النِّيران وإحْدَاثِ طعامٍ (أي: جَعْلِ طَعَامٍ مخصوصٍ لأجلِ يَوْمِ الميلاد)، وشِرَاءِ شَمْعٍ وغيرِ ذلك،…هو دينُ النَّصارى، ليس لذلك أصلٌ في دين الإسلام، ولم يكن لهذا الميلاد ذِكْرٌ في عهد السَّلف الماضين، بل أصلُهُ مأخوذٌ من النَّصارى، وانْضَمَّ إليه سَبَبٌ طبيعيٌّ، وهو كونُهُ شتاءً، المناسب لإيقاد النِّيران»[17].
* مُشاركةُ النَّصارى في أعيادهم اتِّباعٌ لِسَبِيلِ المُفسِدِين!
وهذا مُحَدِّثُ الأندلس ابنُ وَضَّاح القرطبيّ – رحمه الله – (ت: 287هـ) لمَّا سُئلَ عن ليلة (الحاجوز) وما يفعلُهُ جَهَلَةُ المسلمين فيها، أجاب: بأنَّ ذلك مَكْروهٌ وعَابَه عَيْباً شديدًا واستدلَّ بآياتٍ من القرآن، منها قولُهُ تعالى: ﴿وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ﴾، وقوله: ﴿وَلاَ تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ﴾[18].
* اجتماعُ النَّصارى في أعيادهم اجتماعٌ على الكُفْرِ الَّذي يَحْتَفِلُونَ بِهِ!
وهذه فتوى للإمام ابن القاسم – رحمه الله – (ت: 191هـ) مُفتي الدِّيار المصريَّة، وصاحبِ الإمام مالك، ينقُلُهَا عنهُ العلّامة ابن الحاجّ الفاسي المالكيّ – رحمه الله –: «ومن «مختصر الواضحة» سُئِلَ ابنُ القاسم عن الرُّكوب في السُّفُن الَّتي يَركب فيها النَّصارى لأعيادهم فَكَرِهَ ذلك؛ مخافةَ نُزُولِ السّخط عليهم؛ لِكُفْرِهِم الَّذي اجتمعوا لَهُ»[19].
* مُشَارَكةُ النَّصارى في أعيادِهم تعظيمٌ لشِرْكِهِمْ!
قال الفقيه الكبير عالمُ الأندلس عبد الملك بن حبيب القرطبيّ – رحمه الله – (ت: 238هـ) في مِثْلِ ال****ا والِهبَات لأجل أعياد النَّصارى كالنّيروز والمهرجان: «لا يجوزُ لمَنْ فَعَلَهُ، ولا يَحِلُّ لِمَنْ قَبِلَهُ؛ لأنَّهُ مِنْ تَعْظِيمِ الشِّرْكِ»[20].
* مُشَارَكةُ النَّصارى في أعيادِهم تقويةٌ لكُفْرِهِم!
قالَ العلَّامة أبو عبد الله محمّد بن سعيد السُّوسي – رحمه الله – (ت: 1089هـ) في كتابه «الممتع في شرح المقنع» (ص 38) عند ذِكْرِ أيَّام السَّنة العَجَميَّة: «يومُ (العَنْصَرَة) وهو عيد النَّصارى – أخزاهم الله تعالى – ويُسمَّى المهرجان مثل (الحاجوز)، وهو (النَّيروز) عند النَّصارى وهو اليوم الأوّل من يناير؛ لأنَّه سابِعُ المسيح عيسى ابن مريم عليه السَّلام، وكلُّ مَنْ عظَّمَهُ بقولٍ أو فعلٍ فقد عصى اللهَ ورسولَهُ؛ لأنَّ في ذلك تَقْوِيةً لكُفْرِ النَّصارى وتعظيمًا لدينهم الفاسد، ومَنْ قَصَدَ ذلك فهو كافرٌ والعياذ بالله».
ومِن أعظمِ المفاسد وأَقْبحِ ما يترتَّبُ على مُشاركةِ المسلمين للنَّصارى في أعيادهم، أنَّهم يزدَادُونَ فَرَحًا وغِبْطَةً بدِينِهِمْ الباطل؛ «لأنَّهم إذا رَأَوْا المسلمين يَتَشَبَّهون بهم – أعني في تعظيم مواسمهم – يَقْوَى ظَنُّهُمْ بأنَّ ما هُمْ عليه هو الحقُّ» «بِسَبَبِ تَعْظِيمِ المسلمين لمواسمهم في الصُّورةِ الظَّاهرةِ بمُشَارَكَتِهِمْ لهم في أفعالهم فِيهِ»[21].
فانظر – أخي المسلم الَّذي يعتزُّ بإسلامِهِ – إلى قُبْحِ جِنايةِ من شاركَ الكافرِين في أعيادهم وقَوَّى مِنْ حيثُ لا يَدْرِي كُفْرَهم وزادَ من اسْتِعْلَائِهِم بشِرْكِهِمْ – عياذًا بالله تعالى -.
* ما ذُبِحَ لأجل النَّيروزِ كمِثْلِ ما ذُبِحَ لأجلِ الصَّنَم!
قال العلَّامةُ السُّوسي (ص 38): «وينبغي أن يُتْرَك ما يُذبَحُ فيها وما يُصْنَعُ من طعامٍ وهديَّةٍ».
وهذا مُفتي قُرطبة الإمامُ العلاَّمة محمّد بن عتَّاب الأندلسيّ – رحمه الله – (ت: 462هـ) كانَ يَنْهَى عن أَكْلِ لُحومِ ما ذُبِحَ لأَجْلِ يومِ النَّيروز، ويقول: هو ممَّا أُهِلَّ بِهِ لغيرِ اللهِ تعالى، ويكرهُهُ أَشَدَّ الكراهة ولا يُحِبُّهُ – أو قال: – ولا يُبِيحُهُ[22].
* مُشارِكُ النَّصارَى في أعيادِهم فَاسِقٌ سَاقِطٌ:
قال الدّردير المالكيُّ – رحمه الله – في«الشَّرح الكبير» (4/181): «…يومُ النَّيروز وهو أوَّلُ يومٍ من السَّنة القِبْطِيَّة مَانِعٌ من قبول الشَّهادة، وهو مِنْ فِعْلِ الجاهليَّةِ والنَّصارى، ويقعُ في بعض البلاد من رَعَاعِ النَّاس» اهـ.
وقَوْلُهُ: «مانعٌ من الشَّهادة»، أي: يَصِيرُ بهِ فاسقًا لا يُقبلُ منهُ أن يَشْهَدَ على المسلِمين ولا أن يَشْهَدَ لهم؛ هَجْرًا لهُ على فسقِهِ. وقَوْلُهُ: «رَعَاع النَّاس» أي: السَّاقطون ومَنْ لا دِينَ لهم ولا مُرُوءَةَ ولا حَيَاء.
هذا، وإنَّهُ لَمْ يَعُدْ يخفَى علَيكَ أنَّ تَحْرِيمَ الاحتفالِ بأعْيَادِهِم قدِ انْطَوَى عَلَى حِكَمٍ هِيَ:
– تحريمُ اللهِ تعالى ورسولِهِ – صلَّى الله عليه وسلَّم – التَّشَبُّهَ بِهِمْ.
– في أعيادنا ما يُغْنِي عن أعيادهم.
– قد يُؤَدِّي التَّشبُّهُ بِهِمْ في الظَّاهِر إلى التَّأثُّرِ بِهِمْ.
– الاعْتِزَازُ برسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – واحْتِرَامُهُ؛ لأنَّ في مُشَارَكَتِهِمْ عِيدَهُمْ مَعَ تَرْكِهِمْ مُشَارَكَتَنَا في عيدِنَا تَقْدِيمٌ مِنَّا لعيدِهِمْ على عِيدِ رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم -.
ثمَّ بعْدَ هذا – أخي المسلم الَّذي يَعتَزُّ بإِسلامِهِ – يجِبُ أن تعلَمَ أنَّ ما تقدَّمَ لا يعَنْيِ أنَّنَا لا نُرِيدُ أَنْ نَفْرَحَ أَوْ لا نُرِيدُ أن نُشَارِكَ النَّاسَ فَرْحَتَهُمْ، ولكن! لا نُرِيدُ أن نَفْرَحَ بِعِيدٍ نَعْلَمُ أنَّ اللهَ تعالى لا يَرْضَى الفَرَحَ فِيهِ لأَنَّ أَهْلَهُ يَكْفُرُونَ بهِ تعالى وَبِرَسُولِهِ – صلى الله عليه وسلم -.
وأخيرًا – أخي المسلم الَّذي يعتزُّ بإسلامِهِ – بعد كُلِّ هذا ذكَّرْنَاكَ بِهِ، لا نشُكُّ – إن شاء الله تعالى – أنَّهُ سيَصِيرُ عندَكَ يقينٌ بأنَّهُ لا يجتمعُ اعْتِزَازٌ بإِسلام مع احْتِفَاءٍ بأعيادِ مَنْ يَعبُدُ النَّار أو يَعْبُدُ الصَّليب أو يعبُدُ الصَّنَم أو الحَجَر، قال تعالى: ﴿أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾، وسَنَرَاكَ حِينَها تَنْفِرُ من هذه الأعياد نُفُورًا، وتُباعِدُ عنها ولا تَأْبَهُ لَها.
هذا ظَنُّنَا بِكَ ورَجَاؤُنَا فيكَ.
============================== ================
[1]«الأمر بالاتِّباع» للسّيوطي (ص 146).
[2]أبو داود (4033).
[3] مسلمٌ (1718).
[4] أبو داود (1136) والنسائي (1555)
[5]«اقتضاء الصِّراط المستقيم» (ص 192).
[6] أبو داود (2421) والتّرمذّيّ (773) والنّسائيّ (3004).
[7]البخاريّ (رقم:952)، ومسلم (رقم:892).
[8]مسلمٌ (رقم:892).
[9]«تشبّه الخسيس بأهل الخميس» للذّهبيّ (ص 27).
[10]البخاري (رقم:7320) ومسلمٌ (2669).
[11] «مسند أحمد» (8308).
[12] لم أَقِفْ عليهِ، ويَشْهَدُ لهُ حديثُ: «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ».
[13]«المعيار المُعْرِب والجامع المُغْرِب من فتاوى علماء إفريقيَّة والأندلس والمغرب» للونشريسي (11/150-152).
[14] البِيَعُ: كنائسُ النَّصَارى.
[15] «المُمْتِع» للسُّوسي (ص 38).
[16] «المعيار المعرب» (11/154).
[17]«الأمر بالاتّباع» (ص145).
[18]«المعيار المعرب» (11/293).
[19] «المدخل» لابن الحاجّ (2/47).
[20] «البيان والتّحصيل» لابن رشد (8/454).
[21]«المدخل» (2/55-56).
[22]«المُمْتِع» للسُّوسي (ص 38).
خاصة و ان ميلاد المسيح عليه و على نبينا ازكى الصلاة و التسليم قد قرب
شكرا على الافادة