تخطى إلى المحتوى

توزيع العبادات على مقادير الأوقات 2024.

  • بواسطة
بسم الله الرحمن الرحيم

ذكر الله

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:

قال الإمام ابن قدامة المقدسي رحمه الله:

اعلم أنه ليس بعد تلاوة القرآن عبادة تؤدى باللسان أفضل من ذكر الله سبحانه وتعالى، ورفع الحوائج بالأدعية الخالصة إليه تعالى، ويدل على فضل الذكر قوله تعالى: }فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ{
[البقرة: 115] وقوله: }الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ{[آل عمران: 191] وقوله تعالى: }وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ{[الأحزاب: 35].



وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله عز وجل يقول: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه» [رواه أحمد]. وفي أفراد مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده» [رواه مسلم].


وفي ذلك أحاديث كثيرة مذكورة في فضائل الأعمال. عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما جلس قوم مجلسًا فتفرقوا على غير ذكر الله عز وجل، إلا تفرقوا عن مثل جيفة الحمار، وكان ذلك المجلس عليهم حسرة يوم القيامة» [رواه أبو داود وأحمد]. وفي حديث آخر: «لا يجلس قوم مجلسًا لا يذكرون الله عز وجل ولا يصلون على النبي (صلى الله عليه وسلم) إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة» [رواه الترمذي والحاكم وأحمد].


وأما فضيلة الدعاء: فقد روى أبو هريرة t، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ليس شيء أكرم على الله عز وجل من الدعاء، وأشرف العبادة الدعاء، ومن لا يسأل الله يغضب عليه» [رواه أحمد والترمذي والحاكم]. وفي حديث آخر: «سلوا الله من فضله فإن الله يحب أن يُسأل» [رواه الترمذي].


وللدعاء آداب منها:

أن يتحرى الأوقات الشريفة، كيوم عرفة من السنة، ورمضان من الشهور، والجمعة من الأسبوع، والسحر من الليل. ومن الأوقات الشريفة بين الأذان والإقامة، وعقيب الصلوات، وعند نزول الغيث، وعند القتال في سبيل الله، وعند ختم القرآن، وفي السجود، وعند الإفطار، وعند حضور القلب ووجله.


وعلى الحقيقة فإن شرف الأوقات يرجع إلى شرف الحالات، فإن وقت السحر وقت صفاء القلب وفراغه، وحالة السجود حالة الذل.


ومن آداب الدعاء أن يدعو مستقبلاً القبلة، ويرفع يديه ثم يمسح بهما وجهه، وأن يخفض صوته حال الدعاء. ومن آدابه أن يبدأ بذكر الله عز وجل. ومن آدابه وهو الأدب الباطن وهو الأصل في الإجابة: التوبة، ورد المظالم.

الأوراد وفضلها

في الأوراد وفضلها وتوزيع العبادات على مقادير الأوقات اعلم: أنه إذا حصلت المعرفة لله سبحانه والتصديق بوعده، والعلم بقصر العمر، وجب ترك التقصير في هذا العمر القصير، والنفس متى وقفت على فن واحد حصل لها ملل، فمن التلطف نقلها من فن إلى فن، وقد قال تعالى: }وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً{[الإنسان: 25، 26]. فهذا ونحوه مما ذكر من الآيات في ذلك يدل على أن الطريق إلى الله تعالى مراقبة الأوقات وعمارتها بالأوراد على الدوام، وقال الله تعالى: }وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا{[الفرقان: 62]، أي يخلف أحدهما الآخر ليتدارك في أحدهما ما فات في الآخر.


عدد أوراد الليل والنهار وترتيبها:

أوراد النهار سبعة، وأوراد الليل ستة، فلنذكر فضيلة كل ورد ووظيفته وما يتعلق به.


أولاً أوراد النهار:


الورد الأول: ما بين طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس، وهو وقت شريف، وقد أقسم الله تعالى به فقال: }وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ{[التكوير: 18] فينبغي للمريد إذا انتبه من النوم أن يذكر الله سبحانه وتعالى فيقول: «الحمد لله الذي أحيانا بعد أن أماتنا وإليه النشور». ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في أفراد البخاري.


وفي أفراد مسلم، من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمسى قال: «أمسينا وأمسى الملك لله، والحمد لله، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، رب أسألك خير ما في هذه الليلة وخير ما بعدها، وأعوذ بك من شر هذه الليلة وشر ما بعدها، رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر، رب أعوذ بك من عذاب في النار وعذاب في القبر».


وإذا أصبح قال ذلك أيضًا: «أصبحنا وأصبح الملك لله…» إلى آخره، ويقول: «باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم» ثلاث مرات، «رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولاً».


فإذا صلى الفجر قال وهو ثان رجله قبل أن يتكلم: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت، وهو على كل شيء قدير» عشر مرات. ويذكر سيد الاستغفار: «اللهم أنت ربي، لا إله إلا آنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت».


ويقول: «أصبحنا على فطرة الإسلام، وكلمة الإخلاص، ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وملة أبينا إبراهيم حنيفًا مسلمًا، وما كان من المشركين»، ويدعو: «اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر». ويدعو بدعاء أبي الدرداء: «اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، عليك توكلت، وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا. اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم». فهذه الأدعية لا يستغني المريد عن حفظها.


وينبغي له قبل خروجه إلى صلاة الفجر أن يصلي السنة في منزله، ثم يخرج متوجهًا إلى المسجد ويقول: «اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك، وبحق ممشاي هذا، فإني لم أخرج أشرًا، ولا بطرًا، ولا رياء، ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذني من النار، وأن تغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت» [رواه ابن ماجه]. فإذا دخل المسجد فليقل ما روى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم عليَّ ثم ليقل: اللهم افتح لي أبواب رحمتك، وإذا خرج فليقل: اللهم إني أسألك من فضلك». ثم يطلب الصف الأول منتظرًا للجماعة داعيًا بنحو ما تقدم من الأذكار والأدعية.


فإذا صلى الفجر استحب أن يمكث في مكانه إلى طلوع الشمس. فقد روى أنس t، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من صلى الفجر في جماعة، ثم قعد يذكر الله تعالى حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة تامة تامة» [رواه الترمذي]. وليكن وظائف وقته أربعًا: الدعاء، والذكر، والقراءة، والفكر.


وليأت بما أمكنه، وليتفكر في قطع القواطع وشغل الشواغل عن الخير ليؤدي وظائف يومه، وليتفكر في نعم الله تعالى ليتوفر شكره.


الورد الثاني: ما بين طلوع الشمس إلى الضحى، وذلك بمضى ثلاث ساعات من النهار وإذا فرض النهار اثنتي عشرة ساعة، وهو الربع، وهذا وقت شريف وفيه وظيفتان:

إحداهما: صلاة الضحى.
والثانية:ما يتعلق بالناس من عيادة مريض، أو تشييع جنازة أو حضور مجلس علم، أو قضاء حاجة مسلم. وإن لم يفعل شيئًا من ذلك تشاغل بالقراءة والذكر.


الورد الثالث:من وقت الضحى إلى الزوال، والوظيفة في هذا الوقت، الأقسام الأربعة، وزيادة أمرين:


أحدهما: الاشتغال بالكسب والمعاش وحضور السوق، فإن كان تاجرًا فليتجر بصدق وأمانة، وإن كان صاحب صنعة فليصنع بنصيحة وشفقة، ولا ينسى ذكر الله تعالى في جميع أشغاله، وليقنع بالقليل.


والثاني: القيلولة، فإنها مما تعين على قيام الليل، كما يعين السحور على صيام النهار، فإن نام فليجتهد في الانتباه قبل الزوال بقدر الاستعداد للصلاة قبل دخول الوقت.


واعلم أن الليل والنهار أربع وعشرون ساعة، فالاعتدال أن ينام من ذلك الثلث، وهو ثماني ساعات، فمن نام أقل من ذلك لم يأمن اضطراب بدنه، ومن نام أكثر من ذلك كثر كسله، فإذا نام أكثر من ذلك في الليل فلا وجه لنومه في النهار، بل من نقص منه استوفى ما نقص في النهار.


الورد الرابع: ما بين الزوال إلى الفراغ من صلاة الظهر، وهو أقصر أوراد النهار وأفضلها، فينبغي له في هذا الوقت إذا أذن المؤذن أن يجيبه بمثل قوله، ثم يقوم فيصلي أربع ركعات، ويستحب أن يطيلهن، فإن أبواب السماء تفتح حينئذ، ثم يصلي الظهر وسننها، ثم يتطوع بعدها بأربع.


الورد الخامس:ما بعد ذلك إلى العصر، يستحب له في هذا الوقت الاشتغال بالذكر، والصلاة، وفنون الخير، ومن أفضل الأعمال انتظار الصلاة بعد الصلاة.


الورد السادس: إذا دخل وقت العصر إلى أن تصفر الشمس، وليس في هذا الوقت صلاة سوى أربع ركعات بين الأذانين، ثم فرض العصر، ثم يتشاغل بالأقسام الأربعة التي سبق ذكرها في الورد الأول، والأفضل فيه تلاوة القرآن بالتدبر والتفهم.


الورد السابع: من اصفرار الشمس إلى أن تغرب، وهو وقت شريف. قال الحسن البصري رحمه الله: كانوا أشد تعظيمًا للعشي من أول النهار، فيستحب في هذا الوقت التسبيح، والاستغفار خاصة.


وبالمغرب تنتهي أوراد النهار فينبغي أن يلاحظ العبد أحواله ويحاسب نفسه، فقد انقضت من طريقه مرحلة. وليعلم أن العمر أيام تنقضي جملتها بانقضاء آحادها. قال الحسن: يابن آدم، إنما أنت أيام، إذا مضى يومك مضى بعضك.


وليتفكر: هل ساوى يومه أمسه؟ فإن رأى أنه قد توفر على الخير في نهاره، فليشكر الله سبحانه وتعالى على التوفيق، فإن تكن الأخرى، فليتب وليعزم على تلافي ما سبق من التفريط في الليل، فإن الحسنات يذهبن السيئات، وليشكر الله تعالى على صحة جسمه، وبقاء بقية من عمر يمكن فيها استدراك التقصير، وقد كان جماعة من السلف يستحبون أن لا ينقضي يوم إلا عن صدقة، ويجتهدون فيما أمكن من كل خير.


ثانيًا: أوراد الليل:


الورد الأول: إذا غربت الشمس إلى وقت العشاء، فإذا غربت صلى المغرب واشتغل بإحياء ما بين العشاءين، فقد روي عن
أنس رضي الله عنه في قوله تعالى: }تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ{[السجدة: 16]. أن هذه الآية نزلت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كانوا يصلون بين المغرب والعشاء. وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى بعد المغرب ست ركعات ولم يتكلم فيما بينهن بسوء، عدلن له بعبادة اثنتي عشرة سنة» [رواه الترمذي].



الورد الثاني:من غيبوبة الشفق الأحمر إلى وقت النوم، يستحب أن يصلي بين الأذانين ما أمكنه، وليكن في قراءته: }الـم * تَنْزِيلُ{[السجدة: 1، 2] و }تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ{[الملك: 1]. فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينام حتى يقرأهما [رواه أحمد والترمذي والحاكم] وفي حديث آخر، عن ابن مسعود رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قرأ سورة الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة» [رواه أبي السنن].

الورد الثالث:الوتر قبل النوم، إلا من كان عادته القيام بالليل، فإن تأخيره في حقه أفضل، قالت عائشة رضي الله عنها: «من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى الله عليه وسلم، من أول الليل، وأوسطه، وآخره، فانتهى وتره إلى السحر». [متفق عليه]، ثم ليقل بعد الوتر: «سبحان الملك القدوس» ثلاث مرات.


الورد الرابع: النوم، وإنما عددناه من الأوراد، لأنه إذا روعيت آدابه وحسن المقصود به احتسب عبادة. وقد قال معاذ t: إني لأحتسب في نومتي كما أحتسب في قومتي.


فمن آداب النوم: أن ينام على طهارة، لما روت عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام توضأ وضوءه للصلاة [رواه أبو داود والنسائي]. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: إن الأرواح يعرج بها في منامها إلى السماء فتؤمر بالسجود عند العرش، فما كان منها طاهرًا سجد عند العرش، وما كان ليس بطاهر سجد بعيدًا عن العرش.


ومن آدابه:أن يتوب قبل نومه، لأنه ينبغي لمن طهر ظاهره أن يطهر باطنه، لأنه ربما مات في نومه. ومنها: أن يزيل كل غش في قلبه لمسلم، ولا ينوي ظلمه، ولا يعزم على خطيئة إذا استيقظ. ومنها: أن لا يبيت من له شيء يوصي به إلا ووصيته مكتوبة عنده، لأن في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده».



وينبغي له أيضًا أن لا يبالغ في تمهيد الفراش متنعمًا بذلك، فإنه يزيد في النوم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم ثني له فراشه فقال: «منعتني وطأته صلاتي الليلة». وينبغي أن لا ينام حتى يغلبه النوم، فقد كان السلف لا ينامون إلا غلبة.


ومن آدابه:أن يستقبل القبلة وأن يدعو بما ورد من الأحاديث في ذلك، وأن ينام على جنبه الأيمن فمما جاء في ذلك ما روى أبو هريرة t، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره، فإنه لا يدري ما حدث بعده». فإذا وضع جنبه فليقل: «باسم ربي وضعت جنبي وبك أرفعه، إن أمسكت نفسي فاغفر لها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين» أخرجاه في الصحيحين.


وفي الصحيحين أيضًا، من حديث عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة، جمع كفيه ثم نفث فيهما وقرأ فيهما: }قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ{ و }قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ{ و }قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ{ ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات.


وفيهما من حديث البراء بن عازب t، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أتيت مضجعك، فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت» فإنك إن مت في ليلتك مت على الفطرة، وإن أصبحت أصبت خيرًا.


وعن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ولفاطمة: «إذا أخذتما مضجعكما أو أويتما إلى فراشكما، فسبحا الله ثلاثًا وثلاثين، واحمداه ثلاثًا وثلاثين، وكبراه أربعًا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم» [متفق عليه].


وحديث أبي هريرة في حفظ زكاة رمضان مشهور، وفيه أن شيطانًا قال له: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان. فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أما إنه قد صدقك وهو كاذب» [رواه البخاري].


وفي أفراد مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال: «الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا، وكفانا وآوانا، فكم من لا كافي له ولا مؤوي».


فإذا استيقظ للتهجد، فليدع بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم ربنا لك الحمد، أنت قيم السموات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد أنت الحق، ووعدك الحق، ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والنبيون حق، والساعة حق، اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت» وفي رواية: «وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت» [متفق عليه]. وليجتهد أن يكون آخر كلامه عند النوم ذكر الله تعالى؛ وأول ما يجري على لسانه عند التيقظ ذكر الله تعالى؛ فهاتان علامتان على الإيمان.


الورد الخامس: يدخل بمضي النصف الأول إلى أن يبقى من الليل سدسه وذلك وقت شريف. قال أبو ذر رضي الله عنه: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي صلاة الليل أفضل؟ فقال: «نصف الليل، وقليل فاعله» [رواه البيهقي]. وروي أن داود رضي الله عنهقال: يا رب، أية ساعة أقوم لك؟. فأوحى الله تعالى إليه،: «يا داود، لا تقم أول الليل ولا آخره، ولكن قم في شطر الليل حتى تخلو بي وأخلو بك، وارفع إليَّ حوائجك».


فإذا قام إلى التهجد، قرأ العشر الآيات من آخر سورة آل عمران، كما جاء في الصحيحين. أن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، وليدع بما سبق من دعائه صلى الله عليه وسلم عند قيامه من الليل، ثم يستفتح صلاته بركعتين خفيفتين، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا قام أحدكم يصلي بالليل، فليبدأ بركعتين خفيفتين» [رواه مسلم]. ثم يصلي مثنى مثنى، أكثر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كانت يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة مع الوتر، وأقلهن سبع.


الورد السادس: من السدس الأخير، وهو وقت السحر، قال الله تعالى: }وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ{[الذاريات: 18]. وفي الحديث: «إن قراءة الرجل آخر الليل محضورة» [رواه مسلم وأحمد]. وجاء طاووس رحمه الله إلى رجل وقت السحر فقالوا: هو نائم، فقال: ما كنت أرى أن أحدًا ينام في السحر. فإذا فرغ المريد من صلاة السحر، فليستغفر الله عز وجل. وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يفعل ذلك.

اختلاف الأوراد باختلاف الأحوال

اعلم أن السالك لطريق الآخرة لا يخلو من ستة أحوال: إما أن يكون عابدًا، أو عالمًا، أو متعلمًا، أو واليًا، أو محترفًا، أو مستغرقًا بمحبة الله عز وجل مشغولاً به عن غيره.


الأول: العابد، وهو المنقطع عن الأشغال كلها إلى التعبد، فهذا يستعمل ما ذكرنا من الأوراد، وقد تختلف وظائفه، فقد كانت أحوال المتعبدين من السلف مختلفة، فمنهم من كان يغلب على حاله التلاوة، حتى يختم في يوم ختمة، أو ختمتين، أو ثلاثًا، وكان فيهم من يكثر التسبيح، ومنهم من يكثر الصلاة، ومنهم من يكثر الطواف بالبيت.


فإن قيل: فما الأولى أن يصرف إليه أكثر الأوقات من هذه الأوراد؟ فاعلم أن قراءة القرآن في الصلاة قائمًا مع التدبر يجمع الجميع، ولكن ربما عسرت المواظبة على ذلك، والأفضل يختلف باختلاف حال الشخص، ومقصود الأوراد تزكية القلب وتطهيره، فلينظر المريد ما يراه أشد تأثيرًا فيه فليواظب عليه، فإذا أحس بملل انتقل عنه إلى غيره. قال أبو سليمان الداراني: فإذا وجدت قلبك في القيام فلا تركع، وإذا وجدته في الركوع فلا ترفع.


الثاني: العالم الذي ينتفع الناس بعلمه في فتوى، أو تدريس، أو تصنيف، أو تذكير، فترتيبه في الأوراد يخالف ترتيب العابد، فإنه يحتاج إلى المطالعة في الكتب، والتصنيف، والإفادة، فإن استغرق الأوقات في ذلك، فهو أفضل ما يشغل به بعد المكتوبات، وإنما نعني بالعلم المقدم على العبادة العلم الذي يرغب في الآخرة، ويعين على سلوك طريقها.


والأولى بالعالم أيضا أن يقسم أوقاته، لأن استغراق الأوقات في العلم لا تصبر عليه النفس، فينبغي أن يخص ما بعد الصبح إلى طلوع الشمس بالأذكار والأوراد على ما ذكرنا. ثم ما بعد طلوع الشمس إلى الضحى في الإفادة والتعليم، فإن لم يكن عنده من يتعلم، صرف ذلك الزمان إلى التفكر في العلوم، فإن صفاء القلب بعد الفراغ من الذكر وقبل الاشتغال بهموم الدنيا يعين على التفطن للمشكلات.


ثم من ضحوة النهار إلى العصر للتصنيف والمطالعة، ولا يترك ذلك إلا في وقت أكل، أو طهارة، أو مكتوبة، أو قيلولة. ومن العصر إلى اصفرار الشمس بسماع ما يقرأ عليه من تفسير، أو حديث، أو علم نافع. ومن الاصفرار إلى الغروب يشتغل بالاستغفار والتسبيح.


فيكون ورده الأول من عمل اللسان، والثاني في عمل القلب بالتفكير، والثالث في عمل العين واليد وبالمطالعة والنسخ، والرابع بعد العصر في عمل السمع لتتروح العين واليد، فإن المطالعة والنسخ بعد العصر ربما أضرا بالعين.


وأما الليل فأحسن قسمة فيه قسمة الشافعي رحمه الله، فإنه كان يقسمه ثلاثة أجزاء: الثلث الأول لكتابة العلم، والثاني للصلاة، والثالث للنوم، فأما الصيف، فربما لا يحتمل ذلك إلا إذا كان أكثر النوم بالنهار.


الثالث: حال المتعلم، فإن التعلم أفضل من التشاغل بالأذكار والنوافل، وحكم المتعلم حكم العالم في ترتيب الأوراد، لكنه يشتغل بالاستفادة حين يشتغل العالم بالإفادة، وبالتعليق والنسخ حين يشتغل العالم بالتصنيف، فإن كان من العوام كان حضوره مجالس الذكر والعلم والوعظ أفضل من اشتغاله بالأوراد المتطوع بها.


الرابع: الوالي مثل الإمام، والقاضي، أو المتولي للنظر في أمر من أمور المسلمين، فقيامه بحاجات المسلمين وأغراضهم على وفق الشرع وقصد الإخلاص أفضل من الأوراد المذكورة، لأنه عبادة يتعدى نفعها، فنبغي أن يقتصر في النهار على المكتوبات، ثم يستفرغ باقي الزمان في ذلك، ويقنع بأوراد الليل.


الخامس: المحترف، وهو محتاج إلى الكسب له ولعياله، فليس له أن يستغرق الزمان في التعبد، بل يجتهد في الكسب مع دوام الذكر، فإذا حصل له ما يكفيه عاود الأوراد.


السادس: المستغرق بمحبة الله سبحانه، فهذا ورده بعد المكتوبات حضور القلب مع الله تعالى، وهو يحركه إلى ما يريد من ورده. وينبغي أن يداوم العمل مع الأوراد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أحب العمل إلى الله تعالى أدومه وإن قل» [رواه البخاري ومسلم] كان النبي صلى الله عليه وسلم عمله ديمة.

قيام الليل وفضله والأسباب الميسرة لقيامه

قال الله تعالى: }تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ{[السجدة: 16]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «عليكم بقيام الليل، فإنه دأب الصالحين قبلكم، وهو قربة إلى ربكم، ومغفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم» [رواه الترمذي والحاكم] وفي فضله أحاديث كثيرة.


قال الحسن البصري رحمه الله: لم أجد من العبادة شيئًا أشد من الصلاة في جوف الليل، فقيل له: ما بال المتهجدين أحسن الناس وجوهًا؟ فقال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره.


في الأسباب الميسرة لقيام الليل:


اعلم أن قيام الليل صعب إلا على من وفق للقيام بشروطه الميسرة له. فمن الأسباب ما هو ظاهر، ومنها ما هو باطن.


فأما الظاهر: فأن لا يكثر الأكل، كان بعضهم يقول: يا معشر المريدين، لا تأكلوا كثيرًا، فتشربوا كثيرًا، فتناموا كثيرًا، فتخسروا كثيرًا، ومنها: أن لا يتعب نفسه بالنهار بالأعمال الشاقة. ومنها: أن لا يترك القيلولة بالنهار، فإنها تعين على قيام الليل. ومنها: أن يجتنب الأوزار. قال الثوري: حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته.


وأما الميسرات الباطنة:فمنها: سلامة القلب للمسلمين، وخلوه من البدع، وإعراضه عن فضول الدنيا. ومنها: خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل. ومنها: أن يعرف فضل قيام الليل.


ومن أشرف البواعث على ذلك الحب لله تعالى، وقوة الإيمان بأنه إذا قام ناجى ربه، وأنه حاضره ومشاهده، فتحمله المناجاة على طول القيام. قال أبو سليمان رحمه الله: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم، ولولا الليل ما أحببت البقاء في الدنيا.


وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرًا إلا آتاه إياه، وذلك كل ليلة».


وإحياء الليل مراتب:


إحداها: أن يحيى الليل كله، روي ذلك عن جماعة من السلف.
الثانية: أن يقوم نصف الليل، وهو مروي أيضًا عن جماعة من السلف، وأحسن الطريق في هذا أن ينام الثلث الأول من الليل، والسدس الأخير منه.


المرتبة الثالثة:أن يقوم ثلث الليل، فينبغي أن ينام النصف الأول، والسدس الأخير، وهو قيام داود عليه السلام.


ففي الصحيحين: «أحب الصلاة إلى الله صلاة داود، كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، وينام سدسه» ونوم آخر الليل حسن، لأنه يذهب آثار النعاس من الوجه بالغداة، ويقلل صفرته.


المرتبة الرابعة: أن يقوم سدس الليل أو خمسه، والأفضل من ذلك ما كان في النصف الأخير، وبعضهم يقول: أفضله السدس الأخير.


المرتبة الخامسة: أن لا يراعى التقدير، فإن مراعاة ذلك أمر صعب.


ثم فيما يفعله طريقان:


أحدهما: أن يقوم أول الليل إلى أن يغلبه النوم فينام، فإذا انتبه قام، فإذا غلبه النوم نام، وهذا من أشد المكابدة، وهو طريق جماعة من السلف.


وفي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه: ما كنا نشاء أن نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم مصليًا من الليل إلا رأيناه، وما كنا نشاء أن نراه نائمًا إلا رأيناه.


وكان عمر رضي الله عنه يصلي من الليل ما شاء الله، حتى إذا كان من آخر الليل أيقظ أهله، فيقول: الصلاة الصلاة.


وقال الضحاك: أدركت أقوامًا يستحيون من الله في سواد هذا الليل من طول الضجعة.


الطريق الثاني: أن ينام أول الليل، فإذا أخذ حظه من النوم، قام الباقي، قال سفيان الثوري: إنما هي أول نومة، فإذا انتبهت لم أقلها يعني: لم ينم.


المرتبة السادسة: أن يقوم مقدار أربع ركعات أو ركعتين، فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صلوا من الليل، صلوا أربعًا، صلوا ركعتين…».


وفي سنن أبي داود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا جميعًا ركعتين، كتبا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات». وكان طلحة بن مصرف يأمر أهله بقيام الليل، ويقول: صلوا ركعتين، فإن الصلاة في جوف الليل تحط الأوزار.


فهذه طرق قسمة الليل، فليتخير المريد لنفسه منها ما يسهل عليه، فإن صعب القيام عليه في وسط الليل، فلا ينبغي أن يخل بإحياء ما بين العشاءين وورد السحر، ليكون قائمًا في الطرفين، وهذه مرتبة سابعة.


فأما من صعبت عليه الطهارة في الليل، وثقلت عليه الصلاة، فليجلس مستقبلاً القبلة، وليذكر الله تعالى، وليدع بما يقدر عليه، فإن لم يجلس فليدع وهو مضطجع.


ومن كان له ورد فغلبه النوم وفاته وقت ذلك الورد، فليأت به بعد صلاة الضحى فقد ورد ذلك في حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.


وليحذر من له عادة بقيام الليل أن يتركها، ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو: «لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل».

الليالي والأيام الفاضلة ([1])

أما الليالي المخصوصات بمزيد الفضل التي يستحب إحياؤها، فخمس عشرة ليلة ولا ينبغي للمريد أن يغفل عنهن، لأنه إذا غفل التاجر عن موسم الربح فمتى يريح؟!


فمن هذه الليالي سبع في رمضان: الليلة السابعة عشرة، وهي التي كانت صبيحتها واقعة بدر، والست الباقية هن أوتار العشر، إذ فيهن تطلب ليلة القدر.


وأما الثماني الأخر: فأول ليلة من المحرم، وليلة عاشوراء، وأول ليلة من رجب، وليلة النصف منه، وليلة سبع وعشرين منه فإنها ليلة المعراج! وليلة النصف من شعبان، وليلة عرفة، وليلتا العيدين. وقد ورد صلوات لبعض هذه الليالي وليس فيها ما يثبت.


وأما الأيام الفاضلة فتسعة عشر يومًا: يوم عرفة، ويوم عاشوراء، ويوم سبع وعشرين من رجب، وهو أول يوم هبط فيه جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم، ويوم سبع عشرة من رمضان كان فيه واقعة بدر، ويوم النصف من شعبان، ويوم الجمعة، ويوم العيدين، والأيام المعلومات وهي عشر ذي الحجة، والأيام المعدودات وهي أيام التشريق.


ومن فواضل الأيام في الأسبوع: يوم الاثنين، والخميس، والأيام البيض. وفيها فضل كبير.


وهذا والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ﺍﻟﻠﻪ ﻳﻌﻄﻴﻚ ﺍﻟﻒ ﻋﺎﻓﻴﻪ
ﺗﺴﻠﻢ ﻳﻤﻴﻨﻚ ﻋﺎﻟﻄﺮﺡ ﺍﻟﺮﺍﺋﻊ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.